Thursday, October 20, 2016

قارب وليلة

سمعت صوت غريب صادر من قاع القارب، حاولت أن تنظر ولكن لا شيء يظهر في تلك العتمة. حركت يديها ببطء فكتشفت أن هناك ثقب صغير في القارب يدخل منه الماء. أنه الغرق لا محالة ...
شعرت بهبوط كبير وكأن جسدها يهوي إلى قاع بئر كبير وأن ثقل العالم كله مثبت على صدرها في نقطة فوق قلبها مباشرة. تسارعت أسئلة عديدة داخل رأسها، وأنتهى صراع الأفكار والأسئلة بداخل عقلها باستنتاج وحيد.. الاستسلام ، لا مفر من الغرق في قاع ذلك البحر المظلم الذي ليس له بداية أو نهاية، فقط أمواج تعلو وتهبط في هدوء وبصوت ألفته أذنها.
فجأة لمع ضوء في السماء وكأن النجوم والقمر رموا سماء الأرض بصخرة مضيئة. تفاجئت بشيء  على الجهة الأخرة.. كان هناك طفل ينظر إليها بعنين لامعتين مملوءة ببراءة وكأنها سماء صافية جاءت بعيد يوم مطير. لم يكن أي طفل، بل طفلها!
كيف لأم أن تنسى أبنها، هكذا سئلت نفسها. كيف لها أن تنسى تلك اللحظة، لحظة ولادة أبنها عندما كانت لازت على الشاطئ تراقب البحر في صمت وترقب. منذ تلك الليلة التي ولد فيها وهي في البحر مع الموج تعلو وتهبط والصغير بين يديها تحمله فتشعر الدفء، تتمسك به جيدا فيضيئ البحر والسماء المظلمة، ماذا حدث؟
لعلها العاصفة التي أتت خلف العاصفة، لعلها الجزر الصغيرة التي علق بها القارب ، أو لعله الملاح صديقها الذي فقدته ، الملاح الذي علمها السماء والنجوم وعملها أن تمسك صغيرها دون أن تلفته ولكن في ليلة من تلك الليالي فقدته وهي عالقة في أحد تلك الجزر المظلمة. هو لم يعرف ذلك ، لم يعرف أنها راقبته وهو ينظر إلى السماء والنجوم وراقبته وهو يحمل صغيرها وتعلمت كيف لها أن تدخل العاصفة دون أن تغرق. وفي النهاية فقدته ...

تحركت ببطء في القارب المهتز من قوة العاصفة والماء المتسرب، تحركت وقلبها يهتز من شدة العتمة والظلام وهي تبحث عن قمر أو نجمة ضلت طريقها في السماء مثلها تماما. أمسكت بصغيرها فتذكرت كل شيء، تذكرت كيف ان ذلك الطفل كان بحجم كفها الصغير وأنه كبر كل يوم شبرا وكان يكبر مع كل ليلة وكل عاصفة ، وكأنه شجرة تشتد مع الزمن. شعرت بدفء يتسرب بداخلها ولمعت بعض النجوم وحتى القمر ظهر. وضعت يدها بقوة على ثقب القارب وكأنها تخبر البحر بانه ليس اليوم .. لعلها قد تغرق ولكن ليس اليوم. أمسكت بصغيرها وراقبت السماء تماما كما كانت تفعل مع الملاح صديقها منتظرة يوما أن تصل .. مازالت في البحر بين الموج والعواصف، أحيانا تنسى صغيرها ولكنه يعود ليذكرها من جديد كيف كل شيء بدأ .. 

No comments: