Sunday, October 23, 2016

إليك .. مرة أخرى

" عزيزتي ..
كيف حالك؟ أتمنى أن تكوني بخير ومازالت ابتسامتك تطير كل يوم كالعصافير في السماء. مازالت منتظر ردك على رسالتي السابقة، معنى ذلك أنك مدينة لي برسالتين وليست واحدة.
بالرغم من أن اليوم هو يوم الثلاثاء، وهو منتصف الأسبوع، إلا أني قررت أنه سيكون يوم إجازتي. فإجازة نهاية الأسبوع تلك صارت كئيبة ، فكل شيء صار هادئ أكثر من اللازم لذلك أذهب للصحيفة وأنشغل بالعمل. أما اليوم مثلا فقد استيقظت مبكرا ككل يوم وذهبت إلى المقهى وجلست في نفس الزاوية وطلبت القهوة الساخنة باللبن – بدون أن يصحح أحد نطقي لها. أعلم بانك ستقولين أني أقول ما سأقوله الآن مدعيا حتى تتأثري بموقفي وتفكري في عودة سريعة ربما ولكنها الحقيقية، فعندما أجلس في المقهى يكون كرسيك فراغا بالطبع والجهة التي كنت تجلسين فيها صارت باردة، يأتي منها هواء وكأنه آت من القارة المتجمدة مباشرة لا أعلم كيف كنت تحجبيه عني بالرغم من أنك تكرهين البرد. انا فقط أكتب لك الحقائق كاملة بدون زيادة أو نقصان أو أي تغيير. نعود إلى يومي،  أُخرِج صحيفة اليوم وأمر سريعا على صفحاتها وبعد ذلك أقرأ فصلا من رواية ثم أتناسى وأعود إلى كتابة مقالة قد بدأتها ولكني أتوقف سريعا لأن اليوم هو إجازتي وعلي أن أحصل عليها كاملة.
لا أعلم إني أخبرتك بذلك أم لا؟ ولكن كوب القهوة الخاص بك مازال كما تركتيه، فالقاعدة تقول أن كل منا ينظف وراءه في المنزل. ولأول مرة تكون هذه القاعدة في صالحي فكل صباح أرى الكوب الخاص بك فأشعر بوجودك في المكان. خصوصا وأن أحمر الشفاه الخاص بك دائما ما يترك أثر على الكوب ، لم أخبرك ذلك من قبل ولكني دائما ما أكون سعيد بذلك وأشعر بأن الكوب أكتسب شرف من نوع خاص.
أتدرين؟ الحنين هو من أسوأ أنواع الشعور. اتخيل الآن شعور السمك عندما يخرج من الماء ويُطلب منه أن يعيش على الأرض كالبشر. يظل يشتاق للبحر برائحته وموجه ورماله، يعيش طوال حياته مفتقدا وطنه، يصبح التنفس صعبا جدا وثقيلا، وتبدوا الحياة في معظم الوقت كصخرة ثقيلة وضعت على السمكة الصغيرة. كلما رأت البحر ولو من بعيد تشعر بألم شديد يعقبه شعور غامض وكأن الموج يتحرك بداخل تلك السمكة الصغيرة ، يعلو ويهبط كمان اعتادت ان يكون البحر.
أين البحر؟ اين الموج؟
فقط تراب وتراب وتراب. "
طوى الورقة ببطء وأعادها إلى جيب قميصه وأخرج نبتة صبار صغيرة من حقيبة كانت بجانبه وزرعاها في الأرض بجانب أخريات تبدوا أكبر منها. وقبل أن يرفع رأسه فأجأته بعض الدموع، حاول عقله أن يخبره بأنها يجب ألا ترى دموعه ولكن قلبه تمنى بقدر ما تسع الأرض للأماني، تمنى أن تراها.
خرج من هناك دون أن يمسح دموعه وهو يتمتم، "حتى لقاء آخر يا عزيزتي .. حتى لقاء آخر"


No comments: