كان يسير بمحاذاة الشاطئ يفصله سور صغير عن
الرمال ومن خلفه البحر والموج. الشمس كانت ما تزال تحاول الوصول إلى السماء لكي
يبدأ الصباح. قاطع أفكاره طفلة صغيرة كانت تقف خلفه في صمت وتوزع نظرها بينه وبين
البحر بالتساوي.
سأهلها بصوت هادئ: "هل بإمكاني
مساعدتك؟"
الطفلة:" لا أعلم. هل يمكنك؟"
هو: "أخبريني الأمر وسأحاول قدر
المستطاع."
الطفلة: "حسنا.. سأحاول أن الشرح الأمر وأتمنى أن تفهم. كما ترى أنا طفلة ولازلت أعيش مع أهلي في المنزل. ومن وقت
لآخر أفعل شيء يغضب أبي وعندما يغضب جدا يهددني بأنه سيحبسني في زجاجة ولا يفتحها
أبدا حتى أعتذر عما فعلت.."
صمتت قليلا وعندما أوشك على أن يرد عليها
عادت إلى لتستكمل حديثها قائلة:
" ولكن هذه ليست المشكلة.. المشكلة
الحقيقية تكمن عندما أتينا إلى هذه المدينة الجميلة وعندما قابلت البحر. فاجئني
عقلي بسؤال محير .. هل من الممكن أن نحبس البحر في زجاجة كما يهددني أبي بالحبس؟"
نظر إلى السماء ثم إلى البحر وأعاد النظر
إليها بنفس الترتيب ثم قال:
" وهل تمكن أباك حقا من حبسك في زجاجة؟"
الطفلة: "بالطبع لا.. ولكن هل سأنتظر
حتى يحبس البحر أيضا!"
هو: "وماذا تظنين سيحدث للبحر إذا تم
حبسه في زجاجة؟"
الطفلة: "لو كنت أعلم ، هل كنت سآتي إلى
هنا في حيرة من أمري وأسألك!"
هو: "أظن بالأحرى هناك احتمالين، الأول
هو أن يتحول البحر إلى ماء هادئ وكأنه زجاجة ماء عادية جدا، قد يبدوا عليه بعد
ملامح الثورة والاضطراب عن تحرك الزجاج ولكن عند وضعها على سطح ثابت لن تلاحظ
الفرق بين زجاجة ماء عادية وزجاجة محبوس بداخلها البحر."
الطفلة: "والاحتمال الاخر؟"
هو: "الاحتمال الاخر هو أن يضيق البحر
بالزجاجة ويحطمها إلى قطع صغيرة ويظل كما هو بكامل أمواجه ورماله وسماءه يعلو
ويهبط ويحدث القمر والنجوم بالليل ويلاعب الرياح والعواصف من وقت لآخر."
صمت كلاهما قليلا وتركا البحر يكمل الحوار
بصوت الموج والرياح وكأنها يعلقان على كلامه. ثم سألها:
"أنت ، أي الاحتمالين تفضلين؟"
الطفلة: "الاحتمال الثاني.. لي
وللبحر."
هو: "حسنا حسنا .. أظنك أثبت رأيك ...
هيا بعنا نعود للمنزل."
ابتسمت وهي تقول: "ليس الآن يا أبي..
ليس قبل أن أحتفل مع البحر بحريتنا."
No comments:
Post a Comment