أستقيظ
من نومه فجأة ليجد بقايا قاربه بجانبه والرمال تحيط به من كل مكان. كانت الرمال
تمتد بلا نهاية تعلو وتهبط، فقط رمال رمال والسماء تبدو رمادية اللون والضوء الشمس
باهت. كانت يمكنه أن يرى أثار أقدام تظهر وتختفي في الرمال ويسمع همس وأحيانا يلمح
أشباح تتحرك. ظل ينادي وينادي بصوت عالي ولكن لا يوجد أي استجابة. ظل هكذا لوقت
طويل ولكنه تفاجئ بأن الرمال أصبحت تحيط به أكثر وكأنها تريد أن تجعله جزء منها.
تذكر بأنه كانت في منتصف رحلته وبدأ يستعيد رائحة البحر والشعور الرياح القوية وهي
تمر بين ذراعيه والأمواج التي تسافر معه بدأ يستعيد كل شيء ولكن فجأة تظهر عاصفة
رملية تعيده إلى تلك الصحراء التي ليس لها نهاية.
لم
يدري كم ساعة قد مرت، بل لم يعد يدري أكانت ساعات أم أيام أم شهور أو حتى أعوام ،
لا يهم مقدار الوقت الذي مضى ولكن الأثر الذي تركه هو الباقي. أثر الرمال التي ليس
لها بداية ونهاية، رمال تجعله ينسى انه على جزيرة وينسى البحر بأمواجه وكل ما تركه
فيه. كانت نهاية رحلة ونهاية حلم الضفة الأخرى ينتهي بين حبات تلك الرمال الحارقة
التي لا تترك فيه سوى الندوب فقبل أن يختفى الجرح تسارع الرمال بعمل غيره وكل منها
يترك أثره في النهاية حتى لو رأى انعكاسه في عين طائر حظه العاثر أسقطه في الرمال
لم يتعرف على نفسه.
كان
عادة يقضي ليله مختبئا في كهف كئيب لا يدخله الضوء منتظر النهار ليبحث عما يأكله
ويعود لكهفه منتظرا اللا شيء. فأنتهى الأمر ونسى قريته ونسي ذلك الطفل الذي كان
يخاف البحر ولكنه رغم كل شيء خرج ونسى الطيور والموج والسماء والقمر. حتى تلك
الليلة التي لم يستطع أن ينم فيها وكان يفكر في شيء لا يدري ما هو فقط يشعر بعقله
يعمل ، حتى سمع ذلك الصوت ... كان صوت طائر ولكنه مختلف عن كل صوت يسمعه، صوته
أعاده ازمان وأزمان صوت يجعله يشعر وكأنه في وسط البحر وبل في أعلى موجة يحاربها
كما أعتاد. لم يكن صوت طائر مكسور ويائس كما أعتاد أن يسمع في تلك الصحراء
الكئيبة. ولكنه صوت طائر فخور بنفسه ، طائر يعرف البحر والسماء جيدا ولم يترك نفسه
للرمال حرقه. خرج ركضا لكي يبحث عن مصدر ذلك الصوت ويرى الطائر بعينيه ولكنه لم
يجد شيء. ظل يركض ويركض وهو ناظر للأعلى وعينيه لا تغادر السماء وكأنه مجنون ولم
يشعر بنفسه وهو يتعثر في صخرة كبيرة ويسقط على الأرض. أعتدل في جلسته ليجد نفسه يواجه
السماء..
كان
منظر وكأنه يراه لأول مرة. كانت النجوم والقمر ويشكلون أجمل لوحة رآها في حياته. كيف
لم يره كل ترك المدة؟ كان صديقه هناك في سماء يشاهد بهدوء وجمال كعادته. ظل يتأمل
في المنظر وبدأ الصوت يعلو من جديد وهبت رياح خفيفة من الشمال كانت معبئة برائحة
البحر .. البحر! وكأنه يتذكر صديق قديم ، أتكأ على يديه وقام ببطء، كانت الرمال لا
تزال ساخنة ولكن لا بأس.. لا بأس في بعض الندوب الآن، فالطريق مازال طويلا ولكنه يدري
أنه في يوم سيصل. سيعود للبحر ويركب الأمواج وسيصل للضفة الأخرى. الرمال كثيرة
وحارقة ولكن البحر يستحق والقمر مازال موجودا ورغم مرور الأعوام مازال الطفل طفلا
يخاف البحر ولكنه يعشقه...
ملاحظة:
كنت أظن بأني نشرت هذه القصة بالفعل وعدت لأبحث عنها قبل أن أكتب الجزء الثالث
منها فقط لأجد أني بدأن في كتابتها منذ عام ونصف تقريبا ولم أنهيها وأني كنت كتبت
نفس الأحداث تقريبا التي كنت أنوي كتابتها الآن...
No comments:
Post a Comment