Friday, September 2, 2016

عطل مفاجئ


خرجت من عملها وهي تشعر بتعب كبير وتريد فقط أن تكون على سريرها لا تشعر بشيء سوى برودة التكييف وربما تشاهد فيلم قبل النوم. ولكن عليها أن تقطع مسافة كبيرة لتصل إلى المنزل ، ليس هذا فقط بل عليها أن تقود سيارتها هذه المسافة وهذا يعني عذاب ليس كأي عذاب لساعة كاملة على الأقل.
بمجرد أن خرجت من باب العمارة قابلها "السايس" بابتسامة تشبه ابتسامة شخص جائع على وشك أن يسرق طعام ساخن وقال بصوت متحمس:
"الف مبروك يا أستاذة العربية الجديدة، والله فرحتلك ! هترحمك من قرف التاكسي .. دول ناس حرامية أصلا!"
لم تجيبه ولم تريد أن تكمل الحديث فردت عليه بنظرة شخص شبعان تماما ورأى طعام يكره. ولكنه أكمل حديثه على أي حال قائلا:
"أخيرا يا أستاذة هطلعك من الجراج بنفسي .. ده انا هستنى سيادتك كل يوم!" وتبع كلامه بابتسامة بلهاء تجعل أي شخص سعيد يشعر بقليل من التعاسة أن هذه التعابير هي ابتسامة.
لم ترد عليه ولا تنظر إليه هذه المرة بل حدثت نفسها وقالت :" لوعايز تعمل خير فعلا تيجي تسوق انت في شوارع المخروبة دي..."
وقف هو منتظر الأستاذة وبدأ في عمل إشارات وكأنه يساعد طائرة ضخمة على الهبوط في جو غائم.
كانت تحاول أن تستجمع قوتها وتشجع نفسها على أنها تستطيع أن تنهي هذه الرحلة بسلام. تركته ومشت بالسيارة ببطيء وتخبط وعلى وجهه علامات الغضب والحيرة فهي لم تعطيه "البقشيش" المطلوب بعد كل هذا الكلام المعسول.
توقفت عند أول كشك لكي تشتري مشروب بارد وقطعة شكولاتة من أجل الطريق الطويل. وعندما همت بالتحرك حدثت ما كانت تخافه بل ما كانت تعتبره أسوا كابوس لها، فبعد أن دخلت السيارة ووضعت المفتاح في مكانة وحركته حركة واحدة وداست على الدواسة كما تعلمت ، لم تتحرك السيارة ولو أنشا واحدا!
أخرجت صرخة عالية ، ولكنها ليست عالية كفاية ليسمعها أحد فنوافذ السيارة مغلقة والطريق شبه صحراوي وهو ما يزيد الطين بلة. وضعت رأسها داخل حقيبتها لدقائق لتتأكد من أنها لو بكت لن يراها أحد. بعد ذلك حاولت بشتى الطرق أن تحرك السيارة ، تأكدت من أنها على وضع الحركة والفرامل ليست مشدودة ولا يبدوا على السيارة أي مشاكل ليس هناك دخان ولا رائحة ولا شيء. نزلت من السيارة لتتأكد من شيء لم تعمله وبالطبع لم ترى شيء غير مألوف على الأقل ليس بالنسبة ليها.
وقفت لدقائق تحدق بالسماء وتتساءل من أعماقها "ليه؟" ، "ليه يحصلي كده! انا عملت ايه وحش في حياتي!" ، بدأت وقفتها تثير الأنظار وبالطبع فتاة وسيارة يعني عدد لا نهائي من النكات السخيفة وكان هذا ما يجعلها تشعر بالضيق أكثر حتى من النظرات فقط كان واضح ما يريد أن يقوله أي مار. حاولت أن تعود من أجل محاولة أخيرة يائسة ولكن لا فائدة. اقتربت سيارة بها شاب سألها:
"انت محتاجة أي مساعدة؟ أغيرك الاستبن أو حاجة؟"
فردت "لا لا شكرا، انا مستنية بس جوزي عشان بنمشي سوا ... شكرا"
غادر الشاب بهدوء ولو أنه لم يصدق الرواية الخاصة بها. وقالت هي لنفسها:" اكيد مش هتصدقني يعني ، هو انا لو كنت متجوزة ، كنت هسيبه في حاله واتبهدل كده ، اكيد كان هيوصلني كل يوم ! بدل البهدلة دي.."
كان الوقت يمر بطيئا جدا ومضى أكثر من نصف ساعة على توقفها. عندها أخرجت تليفونها المحمول لكي تحاول أن تبحث عن مشكلتها أو مشكلة مشابهة. صمتت دقيقة وكانت تفكر وتسأل نفسها : "هو ليه مفيش صوت طالع من العربية؟ مش المفروض الموتور داير!" بعد ذلك صمتت تماما وابتلعت صدمتها ووجها بدأ في الاحمرار حتى أصبح يشبه الطماطم الطازجة وحركت يدها ببطيء شديد وحركت المفتاح حركة زائدة لكي يدور الموتور...
سارت طول الطريق في صمت تام وتتخفى من الناس وكأنها قامت بعمل مصيبة ما. وعندما عادت لمنزلها سألتها أمها بقلق:
"ايه الحصل يا بنتي؟ ايه أخرك كده !"

فردت : "لا مفيش يا ماما.. كان في سواق غبي على الطريق بس.." وابتسمت ودخلت غرفتها لا تعرف هل تبكي أم تضحك. 

No comments: