لا يتذكر متى بدأ كل شيء.. فعالمه كله هو المكان الذي
فيه الآن..
غرفة ضيقة ومظلمة ولا مجال لأن يحرك رجليه أو ذراعيه.
يستطيع أن يسمع صوت أنفاسه يتردد ويشعر بالحيطان تقترب
منه ويزداد ضيق المكان بإمكانه أن يشعر بها حتى في دقات قلبه والتي صارت ثقيلة وغير
متوازنة. مرت الليالي والأعوام .. وتفاجئ ذات ليلة أن هناك شيء ما على كتفه.. بل
ويصدر أصواتا أيضا! أنه طائر !
من أين جاء؟ وكيف دخل إلى الغرفة في هذا الظلام؟ كيف رآه
وكيف يتحرك في هذا الحيز الضيق؟ أسئلة كثيرة تتضارب داخل عقله الواسع فيبدوا أن
ضيق المكان قابله أتساع في العقل يهرب به كل ليلة من تلك الغرفة الكئيبة إلى عالم
آخر غير موجود يمتد دون أي أسوار أو حيطان أو ظلام. توقف عن أسئلته وقرر أن يقضي
وقت سعيد مع صديقه الجديد بدون أن أي أسئلة أو خيالات بعيدة. كان الطائر يأتيه كل يوم في
معاد معين وكأن نجم كبير لامع يدور حوله أجسام أصغر منه في هدوء ويحين يغيب عنها
يأتيه هو في ذلك الوقت، لم يدري لماذا فكر في هذه الفكرة، ماهي النجوم أساسا؟
ولماذا قد تغيب؟ لا يعلم ولكنه فكر في ذلك على أي حال. توالت زيارات الصديق الجديد
وبدأ يشعر بأن الحيطان تتزحزح من مكانها وأنه بإمكانه أن يمد رجليه وزراعيه بعد
شيء. كان على يقين ان بعد كل زيارة حائط ما ينكسر وآخر يبتعد. بدأ يسمع أصوات
بعيدة غير واضحة وكأن شيء ما هائل يعلوا ويهبط، بدأ يشم روائح عتيقة لأسرار لم
تكشف بعد وفي يوم شعر بأن صديقه له أصدقاء أيضا. ماذا يحدث؟ أليست هذه هي نفس
الغرفة المظلمة! فجأة شم رائحة الصدأ وسمع صوت ارتطام قوي وصرخة مكتومة ، أختفى
الصديق. عادت الحيطان أشد قوة ، حائط تلو الأخر، ثقلت دقات القلب ، صعب التنفس
ضاقت الغرفة وسحب رجليه وزراعيه وعاد لا يسمع صوت غير صوت أنفاسه ولا يشم أي
رائحة. حاول أن يهرب إلى عامله من جديد ولكن من وقت لآخر يسمع صرخة صديقه المكتومة
وكأنه يصرخ فيه كيف تخلى عنه فتدمر عامله بالكامل ولكن الحيطان تقترب منه وتشتد في
الضيق حتى لا يفكر سوى في الظلام.
المنظر من بعيد: يجلس واضع رأسه بين رجليه ويضمهم
بزراعيه ، بجانبه طائر كبير موضوع في قفص حديدي صغير وعليه قفل كبير يغطيه الصدأ ،
المحيط يمتد على يمينه والرمل من تحته والسماء واسعة صافيه من فوقه ...
No comments:
Post a Comment