Thursday, June 4, 2015

عينان


عيناها السوداويتان الواسعتين غيرت شيء في قلب الأم، بالرغم من أنها تمنت من كل قلبها أن يكون ولدا لكي يسعد الأب ويفخر بأن عنده ولد يملئ عليه البيت مثل أي أحد في قريته ولكن شاءت الأقدار دون ذلك. كانت رموشها وكأن بها شيء من كحل وعياناها سوداء واسعة وكأن بها الكون كله...
كبرت البنت وأتسع الكون، وبدأ يظهر شيء من التمرد والعصيان. كانت الأم تدري جيدا أن هاتين العينين لن تكتفي أبدا بالنظر إلى الحيطان والأواني بل ستريد السماء والأرض وما بينهما. بمجرد أن بدأت في التعلم المشي كانت تخرج إلى الشارع وتزداد عيناها قوة وتمرد. كانت تلعب مع الأولاد في الشارع بل وتتشاجر معهم، كأن كل شيء يبدأ بعيانها، فمن يستطيع أن يقف أمام عينيان يبدوا الكون فيهما غاضب!
أتسع الكون أكثر، ولكن فجأة بدأ نجم ينفجر! البنت بدأت تظهر أنوثتها كقوة عيانها، وشعرها الذي أخذ لون عيناها وأنطلق بخصلات واثقة تلمع على كتفيها. جاء قرار الأب صارم، لا خروج بعد اليوم. كان قرار بوضعها في محبسها الأول، قرار بحبس الكون في علبة. بدأ شيء جديد يظهر على تلك العينين، أنه الحزن يكسب عيناها سوادا خاصا فوق سوادها فجعلها تبدوا كفرس رأى الأهوال وسافر عبر البلاد، هل من الممكن حبس فرسا! كان قلب الأم يرق أحيانا وأحيانا تجد البنت مفر وتهرب وتجري في الشوارع بحثا عن حريتها ولو لدقائق قبل أن يجدها أبوها. كانت كل يوم تزداد عياناها سوادا وتمردا وحزنا. كان بإمكان أي شخص أن يرى فعلا الكون يتحرك في عياناها والرموش تحيط العينين بهالة سوداء تأسر أقوى الوحوش.

في يوم جاء أبوها لها وأخبرها أنها ستتزوج قريبا وأن ما تتمناه حدث وستغادر البيت أخيرا. شعرت البنت بسعادة ولمعت عياناها كما لم تلمع من قبل ، هل هي الحرية أخيرا؟ مرت الأيام ، كانت البداية سعيدة ولكن بمرور الأيام اكتشفت أنه لا يهتم إلا بالقشرة الخارجية لا يرى ما خلف عياناها من تمرد وحزن وسعادة ، لا تجعله عياناها يتوتر ويعيد حساباته من جديد ، لا يشعر بأن السماء تعيش بكامل مخلوقاتها وكواكبها خلف هاتين العنين ، لا يرى فيهما تلك الطفلة التي كانت تنظر إلى السماء والبحر والبر وتحلم ، لا يشعر بأن الأرض تتوقف وتدور بسرعة مخيفة في نفس الوقت عندما ينظر إلى عيناها ، بل لا يشعر بأي شيء ! كل ما يريد هو امام عينيها ولم ولن يرى ما خلف عيناها. عرفت ذلك وأيقنت تماما، فبدأ يظهر شيء جديد في عيناها هو اليأس ، بدأ الكون يضيق والفرس يهدأ ، ومازالت عيناها تنتظر ، هل من مفر ؟ 

No comments: