Sunday, June 14, 2015

أزمة على الطريق الصحراوي

رفع غطاء السيارة في هدوء وطواه ووضعه في الشنطة الخلفية للسيارة بعد ذلك تأكد من سلامة السيارة قبل أن يديرها وينطلق. تزود بالنزين قبل أن يتوجه إلى الطريق المطلوب. تأكد من ضبط جهاز الراديو على القناة المطلوبة وأن الصوت واضح وفتح الشباكين الأماميين حتى يسمح للهواء أن يمر بسلاسة. مرت دقائق قليلة حتى ظهرت لوحة مكتوب عليه "الطريق الصحراوي .. يلزم اليمين" فقال لنفسه: "وهذا هو المطلوب"....
كانت الشمس قد غربت منذ ساعة فقط والليل يهبط تدرجيا مرسلا نجومه في السماء. كان يحاول أن يبقى مستقيما في الطريق ولو أن ذلك صعب مع تحرك جميع السيارات يمينا ويسارا وكأنهم يفرون من شيء خفي. تجاهل منظر السيارات الأخرى وأخذ يدندن مع أغنية كان يحبها وهو يحاول أن يحافظ على هدوءه ويستمتع بالطريق قدر المستطاع. تغيرت الأمور بمجرد أن ظهر هو .. ظهر صديقه القديم فجأة عندما زاد تقدم الليل وتقهقر النهار وبحركة سريعة تشبه حركات لاعبي الخفة تحركات السحاب ليظهر القمر واضحا ولامعا في السماء. فقال لنفسه: " لم أخطأ اختيار اليوم، بل كنت موفقا فيه، أهلا بالصديق العزيز .. أمامنا طريق طويل."
كان كل شيء يبدوا على ما يرام فالسيارة في منتصف الطريق وحوله الصحراء يمينا ويسارا مظلمة ويبدوا كل شيء جميلا وكأن الانسان لم يغير فيها كثير ، تبدوا جميلة. والقمر لامع في السماء يؤنسه في طريقه والهواء يداعب وجهه وهو يدندن مع صوت المذياع. كانت الحركة الأخيرة للسحاب أن يترك الساحة تماما لينتصف القمر بين النجوم اللامعة. كان غارفا في أفكاره عندما أنقلب هذا العالم الجميل، ففي الأغلب كل ما هو جميل لا يستمر أو على الأقل لا يستمر بسهولة. فجأة سمع صوت يشبه صوت الانفجار والسيارة بدأت تهتز وتتحرك حركة غريبة. رفع قدمه من فوق دواسة البنزين وثبت يديه على مقود السيارة وقام بتشغيل الإشارة دلالة على أنه سيتوقف. كان من حسن حظه أنه لا يسير بسرعة عالية فأحد الإطارات الخلفية قد ثقب ثقابا كبيرا -كقلب أم فقدت أبنها الوحيد في حرب عمياء- وكان لابد من يتوقف. كان حركته تبدوا وكأنها استجابة اتوماتيكية فبمجرد أن توقف على يمين الطريق فتح شنطة السيارة الخلفية وأخرج من تحت غطاء السيارة المطوي الاطار الاحتياطي وكل العدة المطلوبة. فالبداية وضع الإشارة الضوئية خلف السيارة ثم توجه نحو الاطار المثقوب ووضع كل شيء بجانبه. ثم توقفت الاستجابة الآلية. وكان هناك سؤال واحد يدور في عقله: "ما العمل الآن؟"
كان يقف في منتصف الطريق حائر والسيارات تطير من أمامه كأحلام كثيرة قديمة جاءت وطارت. نظر إلى السماء فوجد القمر صديقه بتابع الموقف كان كثب، تحرك نحو مؤخرة السيارة وجلس بجانبها ووجه حديثه للقمر:
"ما العمل الآن؟ هذا خطأك على أي حال، لولاك لكنت انتبهت أكثر للطريق. "
حركات بسيطة للسحاب تجعل القمر يبدوا وكأنه يرد عليه بهدوء.
"انا بحاجة إلى مساعدة، نعم. ولكن من يساعدني الآن؟ كان علي أن أتصل بالبعض في العيد ربما وأبارك للذين تزوجوا ولا مانع من حضور دعوات العشاء أو حتى الذهاب للمقهى من وقت لآخر.. ليس الآن وقت مراجعة علاقاتي الاجتماعية وانا في منتصف الطريق. ما ذنبي أنك تسرق عقلي دائما كما تفعل هي أيضا ، أنت وأصدقائك النجوم والسماء التي تلفكم، تخيل لو كان معكم بحر وماء وبعض أشجار عندها تتدمر العلاقات الاجتماعية أصبح أنا وحيد في الطريق معك أنت وقليل من الأفكار .. حسنا حسنا لن أكذب عليك .. وكثير من الأفكار"
تمر نسمة هواء باردة تخفف عنه قليلا
"بالتأكيد، ستأتي بذكرها، الآن ! وكأن الموقف يتحمل .. لا أفهم لماذا تصر دائما عن ذكرها؟ وهي الوحيدة التي تشارك الغيوم في القدرة على أن تخفيك بعيدا عني، فأنا لا أراك وراء الغيوم وأن تعلم حالي وهي موجودة. هي على أي حال لم تتعلم القيادة، وإن تعلمت ففرصة نجاتي معها ستكون ضعيفة فأصمت الآن ودعني في حالي."
انكشفت الغيوم تماما وظهر القمر في تماما الوضوح
"أهلا أهلا .. بالطبع الآن تقول بأن الغيوم ذهبت فهل ستأتي هي لتخفيك؟ أتدري أننا في مشكلة الآن؟ ومن الممكن أن يتم اختطافي ولن تجد شخص مجنون مثلي يحدثك كل ليلة ويثق بك مثلي وأتمنى لك حظ سعيد في قضاء الليالي الطويلة هكذا دون رفيق ستتحول إلى ما يشبه كوكب الأرض الحزين. "
علا صوت كان يسمعه خفيضا منذ دقائق ثم سمع صوت إطارات تحتك بالأرض وتنطلق وسمع صوت أحدهم يقول كلام لم يسمعه جيدا فأسرع نحو السيارة ظانا أنه سارق...
 ولكنه وجد الإطار المثقوب مرمي على الأرض والإطار الاحتياطي تم تركيبه! وتيقن أن ما لم يستطع أن يسمعه من السائق الغريب هو كلمة "مجنون". يبدوا أن شخص ما وجده وحيدا يحدث السماء فعطف عليه وساعده وغير له الإطار في صمت وتركه وطار.
نظر للقمر من جديد وقال:
"أظن بأني أحتاج إلى استشارة طبيب نفسي والتركيز أكثر وحاول أن تظهر أقل أو أختفي يا صديق يكفي مواقف محرجة! على أي حال شكرا لها أو له، فلولا المساعدة العجيبة لبقيت هنا للأبد. والآن هناك رحلة يجب أن أكلمها...
أين توقفنا يا عزيزي القمر؟
....

No comments: