لو أن بيدينا الاختيار بين ليل دائم أو نهار دائم ماذا سيكون اختيارنا؟
....
كانت الاخبار تتولى أن هناك ظاهرة كبيرة تحدث وأن نجم صغير يقترب من مجرتنا العزيزة وأن هذا فيه تهديد للجنس البشري وأن النهاية تقترب بأقتراب النجم الذي سيدمر كل شيء. وفي اليوم الذي كان مقدر له أن يكون النهاية تفاجئ العالم كله ولو أن هناك كائنات أخرى تعيش على أي كوكب قريب لشاركت البشر مفاجئتهم فذلك النجم قد أنتظم بشكل ما في الدوران مع المجرة ولا تتوقف المفاجئة هنا بل أصبح للأرض نهاران فالشمس الأولى تغيب مع شروق الشمس الثانية والثانية تغيب بشروق الأولى!
في البداية كان الكثير سعيد بذلك الخبر فكل يوم هو نهار جديد وليس نهار واحد فقط بل أثنين، أصبح بإمكان الجميع العمل في نهار الأول ثم يعودوا لبيوتهم فيبدأو نهار آخر بعيد عن هموم العمل ومن فاته أن يفعل شيء في النهار الأول لديه فرصة أخرى في النهار الثاني. كانت الأمور تبدوا على ما يرام وأن العالم أصبح مكان سعيد أو على الأقل هكذا يبدوا...
بدأت مظاهر التحول تظهر مع مرور الأيام وتعاقب النهار والنهار! بداية الأمر كانت بالشعر .. ببساطة لم يعد هناك شعر، يبدوا أن الليل كان موطن الشعر والشعراء فأصبحوا غرباء بلا مأوى ليس هناك من يضمهم ويجمع شتاتهم و أصبح الألم يدوم والجرح يطول وليس هناك ليل وقمر يهربوا فيه من أوجاعهم ببيوت شعرهم بدا اليوم وكأنه وجع لا ينتهي..
لم يتوقف الأمر عند الشعر بل بمرور الوقت بدت الناس أكثير عصيبة وكأن كل منهم يحمل هما عبأ ثقيل لا يخف بل يثقل كل يوم. لم يعد أحد يبكي ! هذه هي المشكلة .. تحول الجميع إلى ما يشبه أجسام مشبعة بشحنات كهربية لا تفرغ لذلك لجأ الجميع إلى العصبية والتوتر. كان الليل هو موطن الدموع بعد يوم صعب ينتظر الناس أن يتقدم الليل ليكي يتغطوا بظلمته ويطلقوا الدموع كما شاءت في ليل حتى هم لا يروا دموعهم. ولكن النهار الدائم يفضح ليس هناك مفر ولا غطاء ولا حد يستطيع أن يواجه الناس ولا حتى نفسه بدموعه فالجميع يتظاهر بأن البكاء والدموع هي للضعفاء ومن الأشياء التي لا يجب حتى ذكرها...
كانت مصيبته أشد مصيبة أو على الأقل كان يرى هو ذلك فالليل كما اعتاد ان يقول هو فرصته الوحيدة في أن يراها. فهو ينتظر أن ينتصف القمر ويجمع من حوله النجوم و كان على يقين أنه إذا رسم خطوط بين هذه النجوم يرى وجهها واضحا والقمر يضيء جانبه. والآن أختفى كل شيء ! كان يتابع الأخبار ويقرأ كل ما يستطيع قراءته لعله يصل إلى أي أمل أن صديقه القمر سيعود. لكن واضح أن كل طرق تؤدي إلى نتيجة واحدة النهار باق !
وصل صديق القمر إلى حد اليأس فبدأ كل يوم يتحدث إلى شمس النهار الأولى يترجاها أن تعيد له صديقه القمر وأنه صديق مشترك بينهم فهي التي تضيئه ليلا وأن القمر حدثه عنها كثير وبالطبع طلب من الشمس أن يعود الليل ولو مرة كل شهر لعله يرى وجهها مرسوم في السماء مرة أخرى. ولكن يبدوا أن الشمس كانت مشغولة بتلك التي تنفسها وتفسد ترتيبها تماما. لن يراها أبدأ ! لن يرى صديقه أيضأ !!
بدأ يحاول أن يصنع ما يشبه ليله السابق فأظلم غرفته وبدأ يتخيل لو أن سقف غرفته هو السماء المظلمة ولكن بدون صديقه والنجوم. بدأ يشعر بأن الليل يعود فعلا , ولكن عندها تسلل شعاع نور أفسد عليه كل شيء. عندها صرخ أنه لا يستطيع أن يعيش على هذا الكوكب بعد الآن!
أستسلم مثل الجميع أن النهار باق ولكن لم يستطيع أن ينساها ووجهها التي ترسمه النجوم أو ينسى صديقه. كان يجلس كل يوم في شرفته الصغيرة عندما تدق الساعة الثانية عشر من منتصف الليل الذي لم يعد له وجود كان ينظر إلى السماء ويغلق عينيه ويتخيل أن القمر موجود والنجوم ويرى وجهها مرسوم في خياله ثم يجد القمر فيلقي عليه التحية كما تعود ويخبره عن كل شيء وأي شيء يخبره بهمومه وعن من رحلوا ومن أتوا ومن ينتظرهم ومن يخاف ان يرحلوا ويحكي له عن النهار الذي لا يختفي وعن وردته الصغيرة التي تنموا في الشرفة الآن وهو على يقين أنها مثله تفتقد الليل والقمر مثله تماما. يلقي على القمر الذي يلمع في خياله بكل همومه وأفراحه وأحزانه وأحلامه. ولكن دون أن تنزل أي دمعة فهو لا ينسى أن ذلك القمر هو في خياله وليس حقيقة وأن النهار مازال يفضح أي دموع سواء كانت ضيق أو حزن أو فرح أو حتى أمل كلها سواء في عين النور ، غير ممكنة .....
مضت الأيام وهموم الناس تزداد ومشاعر تضيق والشعر يندر والنهار مستمر ولكن بدأ تتاولى الأخبار أنه من الممكن أن تحدث ظاهرة أخرى جديدة ولكن لا أحد يريد أن يتعلق بأمل فالآمال اختفت مع الليل. الذي أكتشف الجميع أنه موطن لأشياء كثيرة ...
العالم أظلم ... أخيرا عاد الليل .. عاد القمر .. عادت النجوم وعادت الحياة. في تلك الليلة كانت الشوارع فارغة تماما .. أختفي الجميع .. لا أحد يرى .. فكل انسان الآن لديه قصة لم تروى و هم لم يفرغ و دموع لم تجري و شعر لم يخرج و وجه لم يُرى ...
عاد لشرفته ولم يحرك نظره طوال الليل عن السماء حتى وإن أمتئلت بالدموع _السماء أو عينيه لا فارق.
No comments:
Post a Comment