كان في البحر منذ أعوام طويلة لا أحد يؤنسه في رحلته بقاربه الصغير سوا السماء والشمس في الصباح والقمر والنجوم في الليل ومن وقت لآخر يقابل بعض الطيور وكان حديثه يطول معهم جميعا. كان يحكي لهم دائما عن رحلته إلى الشاطئ الأبعد على الاطلاق فهو كالكثير تعبوا من حياة البحر والجزر واشتاقوا إلى شاطئ لم يروه أبدا في حياتهم ولكنهم يألفوه جيدا. شاطئ تثبت عليه أقدامهم ولا يعلوا وينخفض وأحيانا يقتل بأمواجه وحتى الجزر قد تختفي فجأة ويصبحوا في وسط البحر يحاربون الموج الذي كان صديقهم. هو خرج بحثا عن ذلك اليابس الذي يجتمع الناس فوقه دون خوف ومن يخرج للبحر يخرج وهو على علم بأن اليابس مهما بعد عنه يقدر أن يعود إليه..
كان يدري بأن الرحلة لن تكون سهلة ولا حتى قريبة من ذلك وأن قاربه لن يحمل أحد سواه فلا أحد يريد ان يشاركه البحث عن المجهول وسط بحر مخيف ولكنه خرج على أي حال وهو يرى تمام الرؤيا ذلك اليابس البعيد. كان في البداية كل شيء يبدوا واضحا بالرغم من أن كل شيء كان مستحيل فالقارب صغير وهو مازال في البداية ولا يدري ما الذي ينتظره ولا حتى أين يجد ذلك الشاطئ هو فقط يعرف النجوم والقمر ويعرف كيف يبدوا الشاطئ وأن عليه أن يقطع البحر لكي يصل حتى ولو سيقطعه سباحة سيفعل ولكنه لن يعود أبدا دون أن يصل ولا يكفيه أن يموت في وسط البحر وإلا ستكون رحلته وحياته دون أي فائدة. كان كل يوم يقابله عاصفة أو خطر مختلف ولكنه يتحمل ويمضي وينتظر. أحيانا كان يرتاح على جزيرة ما ولكن كان عليه أن ينتبه جيدا حتى لا يعتاد الراحة لكي يعود إلى الشاطئ من جديد ويكمل رحلته. كان ينجح في ذلك في معظم المرات ولكنه أحيانا يفشل ويميل إلى الراحة ولكن أصدقائه يذكرونه بما بدأ ، رائحة البحر تشده والنجوم والقمر يقولون له: هيا , أكمل ! يصعب الأمر أحيانا ليس بسبب العواصف بل أنه أعتاد الراحة وأعتاد أن يتحدث إلى بشر غير القمر والنجوم ولكنه يتحدى ذلك لأنه يريد أن يصل.
في يوم وجد أنه في موقف صعب هناك جزيرة كبيرة تسد الأفق وعليه أن يحمل قاربه بطول الجزيرة حتى يصل إلى الجهة الأخرى. حدد أنه سيحتاج إلى عدة شهور حتى إلى يصل إلى الجهة الأخرى ولذلك عليه أن ينتبه أكثر من السابق من كل شيء حوله وممن يقابل خلال رحلته تلك لأن عليه ان يعود إلى البحر. مرت الشهور سريعا وهو يقطع الجزيرة ويجر قاربه خلفه قابل فيها الكثير وكان يرتاح أحيانا ويعود إلى طريقه وأحيانا يتوه في طريق أو يسلك طريق خطأ فيتأخر ولكنه كان يريد أن يصل أكثر من أي شيء اخر فيعود لرحلته. حدث أمر سيغير رحلته بالكامل، لأول مرة يشعر بأن قاربه الصغير قد يتحمل صديق جديد. قابل صديقه هذا عندما كان في منتصف الجزيرة ساعده وحمل قاربه معه وكان صديقه في رحلة خاصة لكن فجأة تقابلت الرحلتين وأصبحت واحدة. ..
فجأة وجد نفسه يحكي لصديقه الجديد عن كل شيء، بداية من طفولته وصولا إلى رحلته الأولى. كان يحكي له حكياته مع القمر والنجوم , تغير كل شيء أصبح لديه صديق لأول مرة بعد سنوات طويلة ، وجد من يطمأنه بأنه سيصل وسيجد ما يريد وانه سيكون معه في كل خطوة حتى يصلوا معا. تحركوا حتى وصلوا إلى نهاية الجزيرة معا ووضعوا القارب الصغير في البحر وانطلقوا في الرحلة البعيدة من جديد.
بعد أيام قليلة واجهتهم عاصفة هائلة واهتاج البحر. شعر أن القارب الصغير لا يتحمل لأثنين وكان لابد من صناعة قارب جديد أكبر وأقوى. كان يجلس في المقدمة وكانت الريح قوية لدرجة أنها أقتلعت لوح صغير من مكانه حاول أن يسده بأي طريقة ولكن بقى ثقب صغير ! سيغرقون لا محالة ! كان كان هناك لوح خشب بجانبه كان يحتفظ به من أحل تلك المصائب ، أسرع وكسره إلى نصفين. كان من الصعب حتى أن صديقه في هذه العاصفة الشديدة كان يحاول أن يصرخ لكي يخبره بأن هناك ثقب وأن عليه أن يقفز ويعودوا للشاطئ ويبنوا قارب جديد ولكن صديقه كان ينظر له مستغربا من تصرفاته فيبدو فصديقه واضح من عينيه أنه يظن أن فقط يريد أن يهرب من العاصفة بعد أن أشتدت. يحاول أن يصرخ ليخبره بحقيقة ما يحدث ولكن الرياح والموج الهائج يحيل بينهم. كان يدري بأن بقاء كلاهما في القارب يعني الغرق والنهاية بالتأكيد وصديقه لا يرى ذلك الثقب . ولكن الثقب كان مرتفع قليلا ولو بقى شخص واحد في القارب قد ينجوا وبالتأكيد سيكون لديه وقت أقرب لتصرف. أمسك لوح الخشب الصغير وترك الآخر لصديقه وتحرك نحو حافة المركب ولم يكن متأكد ما إذا كان يرى عيني صديقه فعلا أم يشعر بها في قلبه ولكنه كان على يقين أن صديقه لا يصدق أنه قد يتركه وحيدا وسط العاصفة . كان يتمنى لو أنه يستطيع أن يوقف العاصفة ولو لدقيقة واحدة حتى ليخبر صديقه بكل شيء ولكن العواصف هي العواصف. قفز في الماء وقلبه بقى في القارب ، كان يسبح بكل قوة في الماء نحو الشاطئ ليس رغبة في النجاة بكل رغبة في أن يعود لصديقه من جديد في أقرب وقت. كان قلقه على صديقه يكفي لأن يترك الحياة ولكنه يدري تماما أنه يجب أن يعود له من جديد فالعهد يبقى عهد وهما تعاهدا أن يصلا إلى النهاية معا. وصل للشاطئ وكان لا يفكر في أي شيء إلا أن عليه أن يبني القارب ليعود لصديقه الذي تركه في وسط العاصفة في عرض البحر . وقبل أن يبدأ أي شيء أمسك ورقة وبدأ في كتابة رسالة لعلها تصل إلى صديقه في البحر...
No comments:
Post a Comment