كَــــلِـــمَــــات حَــــيَــــاة
Saturday, October 1, 2022
نحو الشروق
Monday, June 13, 2022
مطاردة جهة الغرب
يتكرر الأمر كل مساء. أخرج دون أن أُخبر أمي بوجهتي، أُخرج دراجتي القديمة من مخبئها أمام البيت واتجه غربا أطارد الشمس قبل حلول الليل.
اصعد التل القريب من البيت ويُصيبني التعب قبل الوصول القمة فأنزل من فوق الدراجة وأجرها بجانبي وأبقى في نفس الاتجاه غربا نحو قمة التل. عندما أصل يبدو المشهد وكأنني أراه لأول مرة الشمس تبدو في المساء بلون بين الإصفرار والإحمرار تغرق في سماء زراق والليل يتمدد من جهة الشرق. للحظة لا يدري الناظر هل هي لحظة غروب أم شروق، هل الشمس تنزل أم تصعد للحظة يبدو كل شي هادئ ومتداخل.
أبدأ رحلة العودة في الاتجاه المعاكس ، جهة الشرق. دائما ما يمر الوقت سريعا فوق التل والليل يسبقني في رحلة العودة. عندما أصل للبيت يكون الظلام قد ألتلف حول البيت ولكني أدرك تماما أن الشمس مازلت خلف التل.
Wednesday, May 26, 2021
صفحة من يوميات عادية
Sunday, October 18, 2020
حوار بعوضتين
تسلل بعوضتان من شباك غرفة النوم في ليلة شتوية شديدة البرودة، ودار بينهم الحوار التالي.
البعوضة الأولى: هي إلى الداخل بسرعة، سنموت من البرد.
البعوضة الثانية: أو بالأحرى سنموت من الجوع قريبا، إذا
لم نجد أي بشر.
البعوضة الأولى تصدر صوت "زن" عالي وتتحرك نحو
ركن من أركان الغرفة: أنظري هناك رجل غارق في النوم وساقه ومكشوفة والعروق ظاهرة
وكأنها تنادينا. يبدو من غطيطه أنه تعشى لحمة حمراء ستعجل من دمائه أجمل وجبة.
البعوضة الثانية لا تجيب وتتحرك في الاتجاه الآخر ويصدر
عنها صوت "زن" هادئ: أنظري .. ذلك الضوء الأزرق اللامع !
البعوضة الأولى: ما به؟
البعوضة الثانية: أنه أجمل شيء رأيته في حياتي
البعوضة الأولى: أجمل من ساق هذا الرجل؟ أو السيدة التي
تركتنا نعشى أمس من دماء يديها دون أن تحركها طول الليل؟
البعوضة الثانية: البشر في كل مكان ودمائهم سهلة، أما
هذا الضوء يبدو شيء آخر. يبدو وكأنه باب لعالم مختلف.
البعوضة الأولى: أي عالم؟ هل سنجد ما نأكله ونشعر بالدفء
هناك؟ ذلك الضوء يذكرني باللون الأزرق الذي نراه في السماء في الليلة شديدة المطر.
أذكر أننا رأيناه أمس.
البعوضة الثانية: هل كل ما هو أزرق متشابه ؟ ثم الغرفة
ليس بها أي مطر ولا برودة. نحن بالأحرى سنموت قريبا مثل كل البعوض، ماذا لو أن ذلك
الضوء سيعطينا حياة جديدة؟ ماذا لو أنها بوابة لعالم البشر وسنصبح مثلهم خالدين
ولا نموت في أسابيع قليلة كحالنا الآن؟
البعوضة الأولى: لا أعلم. كل ما أراه هو ضوء لامع مثل كل
ضوء. أما ساق الرجل فهي ما أعرفه. طعامنا. ماذا لو كانت حيلة من حيل البشر؟ كتلك
الشبكة التي يضعونها في غرفهم فلا نستطيع أن نصل إليهم. ألا تذكرين أمس عندنا
رأينا بعوضة عالقة في واحدة منهم وماتت مكانها.
البعوضة الثانية: لم كل هذا الخوف؟ لو حدث أي شيء سنطير
بعيدا. هذا الضوء الأزرق يبدو وكأنه هو باب عالم نحلم به ، هو أجمل شيء رأيته
وأقرب شيء للحقيقة.
فجأة تظهر بعوضة ثالثة تطير وتزن بصوت عالي وهي تقول:
أيها الحمقى لماذا تقفون أمام الضوء هكذا؟ سأقترب منه.
فجأة سمعوا صوت "زززز" وسقطت البعوضة ميتة
بجانب الضوء.
البعوضة الثانية: من الواضح أنه يشبه ضوء السماء فعلا.
البعوضة الأولى: بل بالتأكيد أنه باب لعالم آخر ...
Tuesday, August 18, 2020
فرصة أخرى
رفع مستوى صوت مذياع السيارة لأعلى عندما سمع بداية الموسيقى الخاصة بإحدى أغانيه المفضلة. فتح النافذة الأمامية وأشعل سيجارة وهو يدندن مع الأغنية. لم يشعر أن سرعة السيارة تزداد إلا عندما تفاجئ بسيدة كبيرة أمامه تتبع شاب وهم يحاولون أن يعبروا الطريق السريع. حاول ان يتفادى الاصطدام بهم ولكن سرعة السيارة كانت عالية جدا وفجأة شعر بكل يدور حوله وبدأت السيارة في الانقلاب. لثواني قليلة لم يشعر بأي شيء وكأن الظلام والصمت يحطان به لدقائق قليلة. فجأة ظهر شخص أمامه.
-
الشخص الغريب: أهلا يا "كريم" ، لقد جئت لأعطيك فرصة أخرى.
-
كريم: ماذا يحدث؟ هل أنا أحلم؟ أم هذه دعابة من نوع ما أو برنامج تلفزيوني؟
قالها وهو يتحسس جسده ويتأكد من أنه موجود
بالفعل وأن جميع أجزاء جسده موجودة وبخير.
-
الشخص الغريب: أمامك فرصة سهلة للنجاة من ذلك الحادث.
أخرج ذلك الشخص ورقة بيضاء صغيرة من جيبه
ووضعها أمام كريم.
-
الشخص الغريب: الشروط سهلة، عليك أن تكتب جملة واحدة على تلك الورقة وتضعها
على الطاولة بجانب باب الشقة. وسيبدأ اليوم من جديد ومن المفترض أن تكتب جملة
واحدة تمنعك لاحقا من ارتكاب ذلك الحادث... ولكن لا يمكنك أن تكتب أي شيء عن
الحادث نفسه أو أن تكتب أي شيء يُظهر حقيقة شخصك أو بمعنى آخر ينبغي أن تظهر
الجملة وكأن شخص آخر كتبها.
ساد الصمت للحظات وكريم يحاول أن يفهم حقيقة
ما يحدث ومازال على يقين أنه يحلم أو عنها مزحة ثقيلة .. ثقيلة جدا.
-
الشخص الغريب: هل أنت مستعد؟
-
كريم: أنا لا أصدق ما يحدث
-
الشخص الغريب: هل ترفض فرصة ثانية لتصلح خطئك؟
صمت كريم لدقائق وأشار له بالموافقة وأن
يعطيه الورقة وقلم لكي يكتب جملة ما. ظل يفكر لما يقارب الساعة في تلك الجملة التي
قد تمنعه من أن يرتكب ذلك الحادث. لم يفكر في شيء سوى أن يكتب رسالة لتبدو أنها من
زوجته تخبره فيها أن تنظره وأنها تحبه وعليه أن يتوخى الحظر أثناء قيادة السيارة
ليعود لهم سالما. كتب الجملة وطوى الورقة وأعطاها للشخص الذي يقف أمامه.
-
الشخص الغريب: حسنا، لن أقرأ ما كتبت، ولنرى النتيجة معا.
فجأة وجد كريم نفسه في منزله وكاد أن يركض
نحو غرفته قبل أن يمسك به الشخص الغريب ويخبره أنهم هنا فقط للمشاهدة ولا يمكنهم
تغيير أي شيء. وضع الرسالة في المكان المتفق عليه. وانتظروا استيقاظ كريم الآخر.
بعد دقائق رأى نفسه وهو لا يكاد يصدق الأمر، رأى نفسه يستعد للخروج. عندما أمسك
الورقة ، تسارعت دقات قلب كريم الأول وشعر بالقلق، ورأى نفسه وهو يبتسم ويقبل
الورقة ويضعها في جيبه ويخرج. وكأن شيء لم يكن، الأغنية نفسها في المذياع، يفتح
النافذة، يدخن السيجارة، والسيارة تنقلب.
عادو لنفس الغرفة ومرت ساعات طويلة وكريم
يحاول كتابة جمل أخرى كثيرة، مرة على لسان زوجته ومرة وكأن الكاتب هو أولاده
الصغار ، حتى أنه حاول أن تكون الرسالة من أمه ولكن لا فائدة. شعر الشخص الغريب أن
كريم بدأ يستسلم.
-
الشخص الغريب: حسنا، سأعطيك نصيحة غالية. إن كنت تريد أن تكتب جملة وتغير
الأمور فعلا عليك أن تتعمق بداخل عقلك وقلبك. عليك أن ترى حقيقة نفسك، أن تتبع
المناطق المظلمة بداخلك، تتذكر كل ماضيك ، مخاوفك، أحلامك، كل شيء وكل شخص أحببتك
وكل شيء وكل شخص كرهته. عليك أن تستجمع نفسك وتصل لتلك الكلمات التي ستغير عقلك
وقبلك. المهمة ليست سهلة ولكنها فرصة أخرى للحياة...
صمت كريم تماما طوال ست ساعات يفكر فيما قاله
ذلك الشخص الغريب، يحاول أن يطارد أفكاره، يحاول أن يجد تلك الكلمات التي ستغير كل
شيء. ظل يفكر ويفكر .. وفجأة انتفض في مكانه وانطلقت منه صرخة صغيرة وكأنه أستطاع
أن يصل لما يبحث عنه، لتلك النقطة بداخله التي لم يستطع أن يصل إليها في حياته
كلها ولكن ربما يصل إليها في فرصته الأخرى.
كتب الجملة بكل حماس وطوى الورقة وأعطاها
للشخص الغريب وهو يقول له أن يشعر أن الأمر سينجح هذه المرة. وجد كريم نفسه مع
الشخص الغريب مرة أخرى في منزله. وعندما قرأ كريم الآخر الورقة ظهرت علامات التعجب
على وجهه هذه المرة. لم يشغل المذياع بل أختار هو أغنية معينة لها موسيقى هادئة وفتح
النوافذ كلها وأشعل سيجارة وتوقف لشراء كوب قهوة وكان يقود هذه المرة بهدوء تام
ويتلفت على جانبي الطريق وينظر على كل كوبري يمر بجانبه أو من تحته. وعندما وصل
للسيدة والشاب كانت السيارة تمشي ببطء فتفادهم بسهولة.
نظر كريم للشخص الغريب وهو يبتسم والشخص
الغريب يكاد لا يصدق أنه نجح بالفعل. فسأله أن يريه تلك الورقة فوجد مكتوب فيها:
" خلي بالك في رادار على الطريق"
نظر لكريم في دهشة. فقال له كريم: "انت
عارف المخالفة بكام دلوقتي؟"
Saturday, May 16, 2020
مكتبتي وحادثة الخيانة
الأمر كله بدأ وانا ما زلت طفل صغير عندما
أعطتني أختي رف في مكتبتها لأضع فيه كتبي العزيزة والتي كانت تعد على أصابع اليد واشترت
لي هي معظمها. وتطور الأمر بعد سنين قليلة وخلال دراستي الإعدادية حصلت على
مكتبتها القديمة والتي كانت تتكون من أربع رفوف صغيرة وبعد ذلك خلال الدراسة
الثانوية أشترى لي أبي مكتبة تشبه القديمة كثيرا ولكنها أوسع وتتسع لكتب أكثر. في
تلك الفترة بدأ تعلقي بالمكتبة والكتب والقراءة يزداد. وكانت مكتبتي مشروع عائلي أيضا،
فأمي كانت تساعدني بإمدادات مالية قبل معرض الكتاب الذي أتشارك رحلته مع أخي
وأختي. أتذكر أني قرأت يوما أن ترتيب الكتب في المكتبة هو نوع من الفلسفة. وقد
بدأت ذلك النوع من الفلسفة في ذلك الوقت.
واستمتعت بها أكثر خلال الدراسة الجامعية عندما طلب أبي من نجار أن يصنع لي
واحدة من تلك المكتبات الكبيرة التي تسكن حائط بأكمله تشبه كثيرا مكتبة أختي
ولكنها تتكون من قطعتين منفصلتين بدلا من واحدة كبيرة. أصبح لدي رفوف واسعة وكثيرة
هذه المرة تسمح بكثير من الفلسفة. فمثلا أضع كتب توفيق الحكيم بجانب نجيب محفوظ
فلكل منهم فلسفته وعبقرية خاصة ولكنهم متفقين بالنسبة لي في المكانة. أضع روايات رضوى عاشور بجانب رواية زوجها مريد
البرغوثي وبجانبهم "رجال في الشمس" لغسان كنفاني فهم أصحاب قضية واحدة.
أذكر أنه كان لي تجارب قليلة مع قراءة الكتب
الإلكترونية عندما لم أجدها متاحة ورقية أو عندما أردت أن أقرأ في المواصلات
وبالأخص خلال الليل. أتذكر قراءاتي لروايات نجيب محفوظ ومسرحيات توفيق الحكيم خلال
رحلة المترو الأسبوعية. كانت وسيلة جيدة لتخفيف رحلة نهاية الأسبوع. لكني لم أشعر
أبدا أني تخليت عن مكتبتي لأن هذه الكتب إما أملكها بالفعل أو لا أجد لها طبعة
ورقية في الأسواق. وكانت مرات قليلة على أي حال.
الأزمة حدثت مؤخرا. عندما سافرت بعيدا عن
مكتبتي ولم أستطيع سوى حمل كتابين أنهيتهم في الأسابيع الأولى واكتشفت المشكلة.
فالمشكلة أنني كنت بحاجة إلى كتب أكثر خصوصا أن المكتبات في البلد الجديدة ليس بها
كتب باللغة العربية والكتب باللغة الانجليزية قليلة جدا. لم أجد حل سوى الكتب
الإلكترونية واكتشفت انه يمكن تحميل Kindle كتطبيق على الهاتف وليس علي شراء الجهاز وأصبح أمامي تشكيلة لا نهائية من
الكتب العربية والإنجليزية بنسختها الأصلية. شعرت بتلك المتعة التي كنت أشعر بها
وأنا أختار وأرتب الكتب الجديدة في المكتبة في البيت وشعرت بخيانة اتجاه مكتبتي
القديمة لأنه أصبح لدي مكتبة أخرى جديدة. أظن بأن الحل الوحيد لتلك الأزمة هو شراء
كتب جديدة لكلا المكتبتين على حد سواء ولكن في الحقيقة يبقى قلبي معلق بالمكتبة
القديمة والكتب الورقية، حيث تشعر بالكتاب بين يديك ورائحة الورق وتشعر بالحزن
عندما ترى الورق المتبقي في الكتاب أصبح قليل وقريبا ستفارق صديق عزيز، حيث تشاهد
الكتب وأغلفتها متراصة في هدوء وجمال، لا أظن بأن هناك شيء سيبدل كل ذلك.