Friday, March 27, 2015

تعديلات بسيطة

تعديلات بسيطة
السمسار: هذه هي الشقة كما طلبتها... الآن أخبرني بأي تعديلات تريدها حتى نتم البيعة.
المشتري: الشقة تعجبني ولكن هناك بعض التعديلات التي أحتاجها وأرجوا أن تتحملني في طلباتي الغريبة وفي النهاية أنا دفعت أعلى إيجار يدفعه أي شخص في هذه المنقطة.
السمسار: ليست مسألة مال يا أستاذ، أطلب ما تريد وسأنفذ في الحال.
المشتري: حسناً، أظن بأن المطبخ جيد، هو فقط ينقصه أدوات عمل القهوة وتلك سأتكفل بها. غرفة المعيشة جيدة وتبدوا مريحة ومناسبة جدا لجلسة مع الأصدقاء، بمجرد أن أجد البعض. أما عن غرفة النوم فهي ستكون الغرفة الخاصة بي، لا أريد أن يكون بها فراش، أريكة مريحة ستفي بالغرض، فأنا لا أحب أن أنام إلا وأنا متعب بشدة لعله هروبا من أفكاري ولكن صدقني ليس هناك أسوا من أفكار تطاردك في فراشك، فليس هناك مفر منها إلى أن يأتي الصباح وتحاول من جديد ولكن عندها ستكون خسرت ليلتك كلها لذلك أفضل عدم النوم إلا وأنا متعب ولكي أتأكد من ذلك لا أريد فراش في الغرفة. من الجيد أن غرفتي بها نافذة كبيرة وشرفة فتلك من الأشياء الضرورية كما طلبت منك سابقا. هناك شجرة تطل عليها النافذة، شجرة كبيرة بها أغصان عديدة وأحد هذه الأغصان متعلق بالنافذة ويعيش عليه طائر صغير مع صغاره، لا تفكر في إزالة هذه الشجرة فبرحيلها سيكون رحيلي أنا أيضا. أريد أن تضع مكتبتي العزيزة مقابلة للنافذة والشرفة حتى تكون في اتجاه الريح لعلها ترسل بعض الكلمات في رسائل خفية مع الريح لمن تريد وأيضا ليس هناك أسوا من كلمات محبوسة على الرفوف أو في الصدور لذلك أفضل أن تكون الكتب في اتجاه الريح فهي كالريح حقا. أريد لمكتبي أن يكون مقابل لذلك الحائط فتكون المكتبة على يساري والنافذة على يميني لكي أراقب الطيور طوال جلستي، وأريد أن تضع المكتب بحيث أري الغروب ولا أرى الشروق، فشروق يجعلنا نشعر وكأن النهار لن ينتهي ثم نتفاجئ بالشمس تغرب، البدايات تجعلنا لا نقدر أي شيء ، أريد أن أرى الغروب لكي أقدر كل دقيقة في النهار، بل كل ثانية ، حتى وإن أمتد النهار إلى ما لانهاية أريد أن أقدر كل ثانية في هذا الوقت، أريد أن أقدر من جاءوا ومن رحلوا ومن بقوا ومن أنتظرهم ، ومن سيرحلون ، لا أحب أن أشعر بالندم يوماً، هل جربت ذلك الشعور؟ أن تود لو أن الأمور كانت غير حالها؟ في الأغلب سيكون أنك لم تقدر ما هو في يدك حتى فقدته، لأنك اغتررت بالشروق فلم تتوقع الغروب، سيذكرني الغروب كل يوم كل ما احب سيكون الغروب والنهاية هي البداية. وأرجوا أن تجعل النافذة تُفتح بحيث يهب الهواء من وقت لآخر فيبعثر الورق على مكتبي لعله يعيد ذاكرة قديمة قد نسيتها أو بالأحرى حاولت وفشلت، لعل ورقة تفر من فوق المكتب العتيق إلى الشارع وتطير وتذهب إلى من كتبت لأجله ولم أرسلها أبدا، أو تتجمع بعض الأوراق التي كتبتها في مناسبات مختلفة تفاجئني بقصة كاملة جديدة، ولكن أرجوا ألا يتكرر ذلك كثيرا لأنه سيكون أكثر مما أتحمل وانت تعلم أنه لا يوجد أشد من ذكريات تفاجئك من وقت لآخر. أظن أن آخر تعديل سيكون غريبا بعض الشيء لا أريد أن يكون هناك أي أقفال على الباب الخارجي، لعل الغائب يعود يوما ما من سفر بعيد فربما يطرق الباب وأتأخر على الرد أو لا أسمعه ومن فرط تعبه يرحل دون ان أعلم أنه تذكرني حتى، لا أحب الأقفال ولا أحب أن أشعر أني محبوس. ونسيت شيئا أريد المكتب أن يكون مواجه لباب أيضا أو على الأقل جلستي تسمح لي بأن أراقب الباب لأن لدي هواية بتخيل بعض الوجوه تدخل من خلال هذا الباب ولذلك أيضا تركت الباب مفتوحا. لا بأس في وضع جهاز تلفاز وجهاز راديوا في غرفة المعيشة. وأريد خزانة صغيرة بجانب النافذة أضع فيها طعام للعصافير التي أنوي مصادقتها.أظن بأن هذه هي التعديلات التي اطلبها الآن.
السمسار: حسنا حسنا، كل طلباتك مطاعة ولكن انت تتحمل تبعة هذه التعديلات.
المشتري: أرجوا أن تتم التعديلات قبل الليل حتى أستقيظ من النوم وكل شيء على ما يرام. أما عن هي تبعات فالقد تحملتها بالفعل فهذه هي الطريقة التي أعيش بها منذ سنوات.
أستيقظ المشتري من نومه على الكنبة بعد أن سهر ليلة طويلة أمام أحد كتبه ولكن تفاجئ بأن جميع محتويات الشقة قد سرقت. ولكنه لاحظ أن جميع الأوراق مازالت موجودة على المكتب فقال لنفسه أن يبدوا أن كتاباتي لن تفارقني يوما وتمنى لو أنه سارقها مع باقي الأشياء لعلها تسافر بعيدا عنه وتصل ولمن كتبها له. كان أول شيء يطمئن عليه هو مكتبته فوجدها كما هي فقال نفسه أن السارق قد نجى. وجد رسالة من السارق مكتوب عليها:
"عزيزي الكاتب: أغلق بابك جيدا، لا تفتح الباب للغرباء، المسافر الذي لا يمتلك مفتاحا للباب ولا يمتلك الصبر لا يستحق أن تترك له الباب. وذلك درسا صغيرا لك .
تحياتي "
أبتسم ابتسامة صغير وكتب تحت الرسالة:
"عزيزي السارق: أعلم أنك ستعود الليلة لكي تتأكد من أني قد تعلمت الدرس. أنت أحمق ولا تفهم حقيقة الانتظار بل لا تفهم حقيقة الحياة فالباب سيظل مفتوحا مادام هو مسافر..."
ثم جلس في الشرفة بعد أن أعد لنفسه فنجانا من القهوة وكان القمر يلمع في السماء والناس قليلة تمر في الطريق ووسط مجموعة من الذكريات والأحلام قال لنفسه:" لم يسرق كل شيء، لعله يعود يوما...". جائه كثير من الزائرين المفاجئين وزراته كثير من الذكريات والعصافير وأحيانا السارقين وكان الغروب والقمر والقهوة والكتب والورق والكلمات على موعدها معه وهو ينتظر ..


1 comment:

الحجوزات said...
This comment has been removed by a blog administrator.