نرى أعداد كبيرة من الوجوه يوميا، أحيانا
تكون بالعشرات وأحيانا تصل إلى مئات. هناك بعض الوجوه المألوفة وأخرى غريبة. بعض
الوجوه تجعل قلبك كفراشة في فصل الربيع وأخرى تجعل الخريف يشتد. وجوه تبدوا مألوفة
دون أي سبب واضح وتحاول جاهدا أن تتذكر كيف تعرف هذا الوجه, وأخرى من المفترض أن
تكون مألوفة ولكنها شديد ة الغرابة. بعض الوجوه نظل نبحث عنها في كل وجه نراه مع
أننا على تمام العلم أن تلك الوجوه لن تظهر هنا ، لن تظهر الأن ، والأسوأ ألا تظهر
أبدا، ولكن ذلك لا يمنعنا أبدا من أن نتخيل أن الوجه الذي سيظهر من خلف الباب المغلق
هو الوجه الذي طالما انتظرنا ليالي وليالي.
شيء عجيب أن البشر بالمليارات ومع ذلك وجوههم
تختلف حتى وأن كان هناك بعض الشبه. ولكن الأعجب أن أيضا أن ملاح الوجه لا تتحدد
فقط بتلك الصفات الظاهرية ولكنها تتشكل مع الوقت ، لعلها الروح تضفي تأثيرها ولكن
الأكيد بأن الوجه يختلف مع الوقت ولا أعني تأثير الزمن الذي لا مفر منه. ولكني
أتحدث عن ذلك التغيير الذي يجعل وجوه من نحب تزداد جمالا كل يوم، ذلك التغير الذي
يزرع تلك الملامح ليس داخل الذاكرة بل في أعمق نقطة في القلب حيث تجتمع الذكرى مع
الصورة مع كل شيء. نعم ، ذلك التغيير الذي يجعل الوجوه المألوفة تبدوا مألوفة حتى
وإن افترقنا لأعوام الطويلة ، حتى وإن لم نرى تلك الوجوه لسنين بل وفرقت بيننا
المسافات ربما ستختفي تلك الصورة الموجودة في العقل صورة ملامح الوجه ، المسافة
بين العينين مثلا ولكن هناك صورة أخرى باقية لا تتزحزح وهي تأثير تلك العنين. بطريقة
أو بأخرى سيقوم الوقت بفعلته ، ستظهر
الخطوط على الوجه ، ستثقل العنين من هم أو حزن أو حتى فرح ، ستتغير شكل الابتسامة
، سيتغير لون الشعر ولكن خلف كل ذلك هناك صورة ثابتة لا تتغير فخلف كل خط قصة ضحكة
طويلة او بكاء طوال ليلة كاملة ، خلف ثقل العينين سهر ليالي ، خلف الشعر الأبيض
مشاوير طويلة ، وخلف كل ذلك ملامح وجه آخر كان يراقب كل ذلك في هدوء وربما في خفية
أيضا كان يراقب ويسجل لذلك عندما يبيض الشعر وتنتشر الخطوط لن يراها بل سيرى ما
وراءها.
وجوه الأطفال عالم آخر منفصل تماما، وجوه
صغيرة تذكرنا كيف أن كل شيء في النهاية صغير. كيف أن الإنسان يبدأ حياته بوجه حجمة
لا يتعدى كف يد وأنف في حجم عقلة أصبع. وجوه جميلة تشبه في جمالها جمال السماء أو
الكون. تجده مرة يبتسم وفجأة يمطر دموعا وسريعا ما ينام في هدوء حتى يأتي الصباح
ويفتح عينيه الصغيرتان في هدوء.
أظن بأن هناك وجه مازال ناقصا، أظن بأني كنت
أحاول أن أهرب منه كما نحاول جميعا. نهرب منه في الرحلات البعيدة، في ليالي الأرق
الطويلة، في الانتظار على باب غرفة العمليات ، في صالة الوصول في المطار، بجانب
الهاتف ، على جانب الطريق والسيارة معطلة، أمام الشركة وأنت تحمل خطاب الإقالة،
عندما تجد فجأة أن جميع المقاعد أصبحت خاوية إلا مقعد واحد، عندما تنظر إلى الحائط
الزجاجي في المقهى بالخطأ، عندما تنظر في مرأة السيارة الأمامية وترى انعكاس عينين
حائرتين، عندما تمطر طوال اليوم وتنظر إلى بركة الماء المتجمعة أمام المنزل، عندما
تنظر إلى شاشة الكمبيوتر وقد أغلقت لأنك ظللت تنظر إلى الحائط لساعات ثم تسقط
عينيك بالخطأ على الشاشة فترى الانعكاس الذي طالما هربت منه ، ترى الوقت يمر ، ترى
كل قرار اتخذته ، ترى جميع الوجوه التي تعرفها ، ترى الهموم والمخاوف ، ترى كل شيء
.... ترى ملامح وجهك ويبادرك بسؤال صعب "هل وصلنا بعد؟" ...
2 comments:
جميله جدا ما شاء الله :D
ان شاء الله الاقي الوجهه الي بدور عليه :D
انت فاجئتني بالرد ده يا مودي ، شكرا ليك وتابع معانا جديد المدونة :D
Post a Comment