Sunday, October 18, 2020

حوار بعوضتين

 


تسلل بعوضتان من شباك غرفة النوم في ليلة شتوية شديدة البرودة، ودار بينهم الحوار التالي.

البعوضة الأولى: هي إلى الداخل بسرعة، سنموت من البرد.

البعوضة الثانية: أو بالأحرى سنموت من الجوع قريبا، إذا لم نجد أي بشر.

البعوضة الأولى تصدر صوت "زن" عالي وتتحرك نحو ركن من أركان الغرفة: أنظري هناك رجل غارق في النوم وساقه ومكشوفة والعروق ظاهرة وكأنها تنادينا. يبدو من غطيطه أنه تعشى لحمة حمراء ستعجل من دمائه أجمل وجبة.

البعوضة الثانية لا تجيب وتتحرك في الاتجاه الآخر ويصدر عنها صوت "زن" هادئ: أنظري .. ذلك الضوء الأزرق اللامع !

البعوضة الأولى: ما به؟

البعوضة الثانية: أنه أجمل شيء رأيته في حياتي

البعوضة الأولى: أجمل من ساق هذا الرجل؟ أو السيدة التي تركتنا نعشى أمس من دماء يديها دون أن تحركها طول الليل؟

البعوضة الثانية: البشر في كل مكان ودمائهم سهلة، أما هذا الضوء يبدو شيء آخر. يبدو وكأنه باب لعالم مختلف.

البعوضة الأولى: أي عالم؟ هل سنجد ما نأكله ونشعر بالدفء هناك؟ ذلك الضوء يذكرني باللون الأزرق الذي نراه في السماء في الليلة شديدة المطر. أذكر أننا رأيناه أمس.

البعوضة الثانية: هل كل ما هو أزرق متشابه ؟ ثم الغرفة ليس بها أي مطر ولا برودة. نحن بالأحرى سنموت قريبا مثل كل البعوض، ماذا لو أن ذلك الضوء سيعطينا حياة جديدة؟ ماذا لو أنها بوابة لعالم البشر وسنصبح مثلهم خالدين ولا نموت في أسابيع قليلة كحالنا الآن؟

البعوضة الأولى: لا أعلم. كل ما أراه هو ضوء لامع مثل كل ضوء. أما ساق الرجل فهي ما أعرفه. طعامنا. ماذا لو كانت حيلة من حيل البشر؟ كتلك الشبكة التي يضعونها في غرفهم فلا نستطيع أن نصل إليهم. ألا تذكرين أمس عندنا رأينا بعوضة عالقة في واحدة منهم وماتت مكانها.

البعوضة الثانية: لم كل هذا الخوف؟ لو حدث أي شيء سنطير بعيدا. هذا الضوء الأزرق يبدو وكأنه هو باب عالم نحلم به ، هو أجمل شيء رأيته وأقرب شيء للحقيقة.

فجأة تظهر بعوضة ثالثة تطير وتزن بصوت عالي وهي تقول: أيها الحمقى لماذا تقفون أمام الضوء هكذا؟ سأقترب منه.

فجأة سمعوا صوت "زززز" وسقطت البعوضة ميتة بجانب الضوء.

البعوضة الثانية: من الواضح أنه يشبه ضوء السماء فعلا.

البعوضة الأولى: بل بالتأكيد أنه باب لعالم آخر ...