Tuesday, August 18, 2020

فرصة أخرى

 

رفع مستوى صوت مذياع السيارة لأعلى عندما سمع بداية الموسيقى الخاصة بإحدى أغانيه المفضلة. فتح النافذة الأمامية وأشعل سيجارة وهو يدندن مع الأغنية. لم يشعر أن سرعة السيارة تزداد إلا عندما تفاجئ بسيدة كبيرة أمامه تتبع شاب وهم يحاولون أن يعبروا الطريق السريع. حاول ان يتفادى الاصطدام بهم ولكن سرعة السيارة كانت عالية جدا وفجأة شعر بكل يدور حوله وبدأت السيارة في الانقلاب. لثواني قليلة لم يشعر بأي شيء وكأن الظلام والصمت يحطان به لدقائق قليلة. فجأة ظهر شخص أمامه.

-        الشخص الغريب: أهلا يا "كريم" ، لقد جئت لأعطيك فرصة أخرى.

-        كريم: ماذا يحدث؟ هل أنا أحلم؟ أم هذه دعابة من نوع ما أو برنامج تلفزيوني؟

قالها وهو يتحسس جسده ويتأكد من أنه موجود بالفعل وأن جميع أجزاء جسده موجودة وبخير.

-        الشخص الغريب: أمامك فرصة سهلة للنجاة من ذلك الحادث.

أخرج ذلك الشخص ورقة بيضاء صغيرة من جيبه ووضعها أمام كريم.

-        الشخص الغريب: الشروط سهلة، عليك أن تكتب جملة واحدة على تلك الورقة وتضعها على الطاولة بجانب باب الشقة. وسيبدأ اليوم من جديد ومن المفترض أن تكتب جملة واحدة تمنعك لاحقا من ارتكاب ذلك الحادث... ولكن لا يمكنك أن تكتب أي شيء عن الحادث نفسه أو أن تكتب أي شيء يُظهر حقيقة شخصك أو بمعنى آخر ينبغي أن تظهر الجملة وكأن شخص آخر كتبها.

ساد الصمت للحظات وكريم يحاول أن يفهم حقيقة ما يحدث ومازال على يقين أنه يحلم أو عنها مزحة ثقيلة .. ثقيلة جدا.

-        الشخص الغريب: هل أنت مستعد؟

-        كريم: أنا لا أصدق ما يحدث

-        الشخص الغريب: هل ترفض فرصة ثانية لتصلح خطئك؟

صمت كريم لدقائق وأشار له بالموافقة وأن يعطيه الورقة وقلم لكي يكتب جملة ما. ظل يفكر لما يقارب الساعة في تلك الجملة التي قد تمنعه من أن يرتكب ذلك الحادث. لم يفكر في شيء سوى أن يكتب رسالة لتبدو أنها من زوجته تخبره فيها أن تنظره وأنها تحبه وعليه أن يتوخى الحظر أثناء قيادة السيارة ليعود لهم سالما. كتب الجملة وطوى الورقة وأعطاها للشخص الذي يقف أمامه.

-        الشخص الغريب: حسنا، لن أقرأ ما كتبت، ولنرى النتيجة معا.

فجأة وجد كريم نفسه في منزله وكاد أن يركض نحو غرفته قبل أن يمسك به الشخص الغريب ويخبره أنهم هنا فقط للمشاهدة ولا يمكنهم تغيير أي شيء. وضع الرسالة في المكان المتفق عليه. وانتظروا استيقاظ كريم الآخر. بعد دقائق رأى نفسه وهو لا يكاد يصدق الأمر، رأى نفسه يستعد للخروج. عندما أمسك الورقة ، تسارعت دقات قلب كريم الأول وشعر بالقلق، ورأى نفسه وهو يبتسم ويقبل الورقة ويضعها في جيبه ويخرج. وكأن شيء لم يكن، الأغنية نفسها في المذياع، يفتح النافذة، يدخن السيجارة، والسيارة تنقلب.

عادو لنفس الغرفة ومرت ساعات طويلة وكريم يحاول كتابة جمل أخرى كثيرة، مرة على لسان زوجته ومرة وكأن الكاتب هو أولاده الصغار ، حتى أنه حاول أن تكون الرسالة من أمه ولكن لا فائدة. شعر الشخص الغريب أن كريم بدأ يستسلم.

-        الشخص الغريب: حسنا، سأعطيك نصيحة غالية. إن كنت تريد أن تكتب جملة وتغير الأمور فعلا عليك أن تتعمق بداخل عقلك وقلبك. عليك أن ترى حقيقة نفسك، أن تتبع المناطق المظلمة بداخلك، تتذكر كل ماضيك ، مخاوفك، أحلامك، كل شيء وكل شخص أحببتك وكل شيء وكل شخص كرهته. عليك أن تستجمع نفسك وتصل لتلك الكلمات التي ستغير عقلك وقبلك. المهمة ليست سهلة ولكنها فرصة أخرى للحياة...

صمت كريم تماما طوال ست ساعات يفكر فيما قاله ذلك الشخص الغريب، يحاول أن يطارد أفكاره، يحاول أن يجد تلك الكلمات التي ستغير كل شيء. ظل يفكر ويفكر .. وفجأة انتفض في مكانه وانطلقت منه صرخة صغيرة وكأنه أستطاع أن يصل لما يبحث عنه، لتلك النقطة بداخله التي لم يستطع أن يصل إليها في حياته كلها ولكن ربما يصل إليها في فرصته الأخرى.

كتب الجملة بكل حماس وطوى الورقة وأعطاها للشخص الغريب وهو يقول له أن يشعر أن الأمر سينجح هذه المرة. وجد كريم نفسه مع الشخص الغريب مرة أخرى في منزله. وعندما قرأ كريم الآخر الورقة ظهرت علامات التعجب على وجهه هذه المرة. لم يشغل المذياع  بل أختار هو أغنية معينة لها موسيقى هادئة وفتح النوافذ كلها وأشعل سيجارة وتوقف لشراء كوب قهوة وكان يقود هذه المرة بهدوء تام ويتلفت على جانبي الطريق وينظر على كل كوبري يمر بجانبه أو من تحته. وعندما وصل للسيدة والشاب كانت السيارة تمشي ببطء فتفادهم بسهولة.

نظر كريم للشخص الغريب وهو يبتسم والشخص الغريب يكاد لا يصدق أنه نجح بالفعل. فسأله أن يريه تلك الورقة فوجد مكتوب فيها:

" خلي بالك في رادار على الطريق"  

نظر لكريم في دهشة. فقال له كريم: "انت عارف المخالفة بكام دلوقتي؟"

 

No comments: