Friday, January 29, 2016

سور


تحاول أن تفتح عياناها ولكن جفناها يبدوان وكأنهما حجرين هائلين يأبيان أن يتحركا. تفكر في صمت.. منذ متى وهذا السور هنا؟ أنه سور هائل، قالت لنفسها لا يمكن أن يكون هنا منذ أكثر من عشر سنوات وهو نفس عدد سنين عمرها ولكنه يبدوا أقدم من هذا بكثير وكأن عمره بدأ منذ أكثر من مائة ليلة وهو يمتد ويشتد. لم تستطع أن تحدد بالضبط ما إن كان هو حديث أو قديم ولكنها على يقين أنها كثير ما قابلت هذا السور كثير ما وقفت امام دون حراك..
سور هائل من الحديد الصدأ الذي يمكنها أن تشتم رائحته دون أي مقاومة يبدأ من رأسها ليخترق عقلها بنظام معين يسمح للأفكار بأن تخرج ولكن ما إن تخرج تجد السور أمامها فتصدم به وتبدأ الأفكار تخرج وتتسارع وتتصادم فيحدث ما يشبه العاصفة التي تدمر كل شيء وكل فكرة تخرج تزيد من هياج تلك العاصفة والتي وتبدوا وكأنها ستدمر عقلها ولكن ذلك لا يحدث... يمتد السور ليخترق صدرها فتشعر بالصدأ يخرج مع أنفسها التي تتقطع وتثقل حتى تكاد تشعر بأن أنفاسها توقفت فتتسارع أنفسها المتقطعة لعلها تحافظ عليها ألا تختفي وكلما تحاول أكثر أن تنظم أنفسها يشتد السور ثقلا على صدرها وكأن جبلا موضوعا عليه ويجب عليها تحركيه مع كل نفس أو أنها أنفاسها ستتوقف للأبد ولكن ذلك لا يحدث... يمتد السور ولكنه لا يخترق القلب فقلبها هو الوحيد الذي مازال يقاوم ولو أن السور تمكن منه فألتف بحديده الصدأ حوله عدة مرات ويضغط عليه وكأنه يفتته ولكن القلب يتحمل وكلما حاول القلب أن يفك الحصار بأن يرسل بريق أمل أو رسالة حب لباقي الجسد يفاجئه السور بقطعة منه تشبه السهم تخترقه بهدوء شديد وكأنه يتفنن في تعذيبه فيغطي الدم السور ويهدأ القلب حتى يكاد يتوقف عن النبض ويتماسك ويحاول من جديد ويحدث نفس الشيء حتى يكاد يتفتت تحت ضغط السور ولكن ذلك لا يحدث... يتوقف السور عند القلب بأن يتلف حوله مئات المرات يتوقف لأن كل شيء ينتهي عند القلب ولكن  تحت القلب تحملها ساقيها التلان لم تعدا تحتملان بإمكانها تشعر بضعفهم واهتزازهم مع كل رعشة ألم تخرج منها لم تعد تستطيع أن تحمل كل ذلك وتسير هي تريد الجلوس حتى يداها لم يعدا يقدران على الحركة فمن يتحرك مع ذلك الحمل...
تسمع صوت يأتي وكأنه من أعلى بئر وهي في قاعه غارقة في الماء..
"حبيبيتي يلا أصحي .. هتتأخري على الشغل كده زي كل يوم"
تحاول جاهدة أن ترفع رأسها من البئر، تستجمع أفكارها في اتجاه واحد، تنظم أنفسها رغم كل شيء ، تجمع كل قوة في قلبها وتحاول محاولة يائسة أن تتمسك به لعله يكسر ذلك السور معاها تحاول أن تخبره عن السور وتقول :
"بس ..."
يرد عليها بأبتسامة صافية:" لا بس أيه يلا يلا بلاش دلع"
كانت تدري من البداية أن محاولتها تبدوا فاشلة فالسور قد توغل وتمدد بما فيه الكفاية لكي يستمر، تستلم وترفع الرايات البيضاء ، تترك أفكارها تتخبط من جديد وكأنها ستنفجر، انفسها تتباطأ وكأنها ستتوقف ، وقلبها على وشك أن يتفتت
ترفع رأسها ببطيء ترسل دموع ولكنها لا تستطيع أن تمر من السور فيخرج بدلا منها ابتسامة لا تدري كيف خرجت وتقول:

"حاضر.."  

No comments: