في زمان ما غير محدد وفي مكان ما محدد بدقة على حسب موقع
القمر والنجوم والسماء من أعلى والبحر ورمال الشاطئ ومن خلفهم الشجر والنخيل
والبيوت الصغيرة كان يجلس بين الرمال وهو يشعر برطوبة الماء دون أن تبلله. كان يراقب
السماء منتظر صديقه الصدوق. فوفقا لحساباته التي تبدوا لقلبه البسيط في قمة الدقة
وباستخدام معداته التي تتكون من أصابعه العشر الصغيرة وعقله وذاكرته من المفترض أن
يظهر الليلة وفي هذه البقعة من السماء الواسعة بالقرب من تلك النجوم اللامعة صديقه
.. القمر. أنتظر لفترة من الليل وتأخر القمر وكان يعلم أن عما قليل سترسل أمه أخيه
الذي يكبره بعام برسائل تهديد قوية لكي يعود فورا للبيت. ولكن كيف يعود من دون أن
يرى صديقه القمر! نقل قلقه للبحر وأمواجه وشعرت رمال الشاطئ من تحته بالقلق الذي
يشعر به وحاولوا تهدئته في البداية وبعد مرور ساعة كاملة دون أي أثر للقمر بدأوا
يشاركوه القلق فالبحر انسحب إلى باطنه وأرسل أمواج قلقة والرمال بدأت ترتمي في
البحر هروبا من الوحدة بدون القمر. وجاء الأخ الأكبر بالفعل
ومعه التهديدات فقام دون أن يرى صديقه.
ومعه التهديدات فقام دون أن يرى صديقه.
مرت سبعة أيام كاملة دون أي اشارة أو خبر وأصبح الليل
كئيب من دون القمر. تجمع اهل المدينة الصغيرة في اليوم الثامن وقرروا أن الأمر لا
يمكن السكوت عليه ولا يمكنهم العيش في هذا المكان بعد الآن ولابد من الرحيل إلى
العاصمة فهناك يعرفون التصرف الصحيح في مثل هذه الظروف. أصبحت القرية خاوية تماما
.. البيوت والشجر والشاطئ والرمال بدون بشر .. كان ينظر إلى مدينته ويشم راحة
الموج قبل أن يراه في الأفق البعيد .. لم يستطيع أن يترك المكان هكذا، ليس قبل أن
يرى صديقه ويفهم منه ما حدث، ليس قبل أن يراه كما أتفقا، وكيف يترك رمال الشاطئ
وموج البحر والليل وما في الليل هكذا فقط لأن القمر أختفى .. توقف عن السير وصرخ
في القافلة:
-يجب أن نعود! نحن نقترف غلطة كبيرة جدا!
أصوات كثيرة يظهر منها:
-أنت مجنون! هذه الأرض ملعونة يجب أن نهرب.
هو:
-ما هذا الكلام ! لا ليست كذلك ! هي أرضنا والقمر هو
صديقي وسيعود ! لقد عاهدته وعاهدني ، أنا أعلم انه له عذره وأسبابه ولكن مهما حدث
لن أتركه هكذا سيعود ويبحث عني على الشاطئ ، شاطئي وشاطئنا!
يقول آخر:
-أنتظره انت أيها الطفل المسكين يبدوا أنك جننت! أنتظر
أنت صديقك أيها الأحمق
قال لأمه وهو يقول بصوت عالي لكي يسمع الجميع:
-سأعود يا أمي للمدينة وسأجدك أنت وأخي فور أن أقابل
صديقي سيأتي أنا أعرف
وسيبحث عني على الشاطئ.
وسيبحث عني على الشاطئ.
أشعل شمعة وراح يتحرك بين الشجر يشتم راحته وهو يمتزج مع
رائحة البحر فيطمئن. مرت الشهور الأولى بطيئة وكئيبة فالوحدة كالنار تأكل كل شيء
وتكبر وتشتعل... ذات ليلى وهو منتظر كعادته على الشاطئ يحاول أن يمنع دموعه من
أتنطلق خوفا من أن ينفضح ضعفه أمام البحر والسماء رأى نجمة كبيرة لامعة. نظر إليها
.. ذكرته بصديقه الذي أختفى. تغير كثيرا بعد هذه الليلة وكأن ذلك كان رسالة من
الصديق، فهو نسي في الانتظار أن عليه أن يعمل من اجل يوم اللقاء! وأي عمل أفضل من الحفاظ
على المدينة الصغيرة. بدأ بزرع الشجر والذي اختلطت الماء الذي يرويه به بدموعه
التي لم يعد يخفيها وبعد ذلك قام بتنظيف البيوت وإعادة ما تدمر منها بفعل الزمن.
ظل هكذا لشهور وتحولت الشهور لسنين وهو يجلس كل ليلة ليخلوا إلى السماء والنجوم
والرمال وخلفه شمعته تضيئ حقل الزهور الذي يعتني به من اجل صديقه الذي يحب تلك
الزهور بشدة.
كانت ليلة غريبة حقا فالزهور بدأت مضيئة بالرغم من أن
الليلة حالكة الظلام وكان شمعته تحولت إلى نجم ملتهب كان الهواء يهب بروائح كثيرة
مختلفة لم يألفها كانت السماء لامعة بشكل مهيب فتح عينيه وأذنه وكان يأخذ أنفاس
عميقة من تلك الليلة العجيبة، حتى ظهر .. ظهر هو هلال أحمر رفيع جدا ولكنه رائع
جدا وكأن جمال الأرض كلها تجمع في ذلك الخط الأحمر من القمر، انطلقت دموعه كما لم
تنطلق من قبل.
جلست بجانبه وقالت:
-لقد انتظرتني طويلا
قال:
-حتى آخر العمر
سار كلاهما على شاطئ البحر حتى بدا وكأنهما جزء من رمال
الشاطئ أو لعلهم قد خرجوا لتوهم من موج البحر الذي هدء لرؤية القمر، سارا هكذا على
الشاطئ في هدوء، لم يكن هناك عتاب ولكن كان هناك عمل آخر طويل فهو عليه أن يشرح
لها كيف ظهرت تلك الخطوط في وجهه وهي علها أن تشرح له لما أختفى القمر...
No comments:
Post a Comment