ينزع
الغطاء عن جسمه مفزوعا وهو يصيح : "ماما ,, ماما ,, انا شفت حلم وحش !".
لم يسمع ردا ,فقرر ان عليه أن يبحث عن أمه بنفسه في كل غرف المنزل قبل أن يتذكر أن
موعد عودتها من العمل لم يحن بعد فيصاب بإحباط شديد لا يخفف عنه إلا شعوره بقليل
من الدفء الباقي من الليلة السابقة عندما غطته بيديها ووضعته في سريره. يتجه إلى
المطبخ ويحضر الطبق الذي وضعت له فيه فطاره مرتب وجاهز للأكل. أمسك ريموت
التلفزيون يبحث عن برنامج يلهيه عن انتظاره الطويل جدا لأمه. يشاهد بعض الرسوم
المتحركة وتبدأ الساعة تتحرك ببطء. مع اقتراب الساعة من تكون الثانية بالتمام وهو
موعد عودة أمه تتحول جميع أعضاءه وحواسه بل وأفكاره إلى أذن تهرف السمع لكل حركة
بسيطة كانت أو كبيرة تأتي من ناحية الباب لعلها تكون خطوات أمه.
حتى تحين اللحظة ويسمع حركة المفتاح في الباب فيسبق أمه في فتح الباب ويفاجئها
بالحضن العميق المعتاد ويقول لها بحزن وهو يتظاهر أنه في قمة حزنه :"شفت حلم
وحش يا ماما , وأمت مفزوع ملقتكيش خالص!" تنسى أمه يومها الطويل ,وأنها استيقظت
مبكرا لكي تعد الإفطار وتذهب للسوق وبعد ذلك تتجه لعملها وتعود في الظهيرة تحت
الشمس التي تجعل أقوى رجال العالم تخور قواهم, ثم تسأله في اهتمام بالغ عما حدث له
وبعد ذلك تشجعه أن يتخطى الأمر وتسبقه بقبلة على خده تجعله فمه ينفتح وينسى كل
مشاكله وأحلامه "الوحشة". بعد ذلك يجلس مع أمه في المطبخ وهي تعد الطعام
ويشاهد معها فيلم أمريكي من أفلام التشويق وكالعادة يتنافسان في تحليل الفيلم
واستباق الأحداث. وبعد ذلك تتجمع العائلة من أجل الطعام ويجلس الجميع على الطاولة
الصغيرة لتناول الطعام وكل له مكانه مخصص وهو يحاول فقط أن يجد مكانا ملاصقا لأمه
وعندما يفشل يكتفي فقط انهما يتشاركان نفس المكان. تمر بعد ذلك ساعات اليوم سريعا
قبل أن يجد نفسه يعود للسرير من جديد وكانت هذه واحدة من أسعد لحظات حياته لأنه
حينما تضع أمه الغطاء فوقه يعلم جيدا بأنه سيظل يشعر بالدفء أمام أقوى العواصف الجليدية
بل لو تجمعت جميع وحوش العالم لن تستطيع أن تتخطى ذلك الغطاء , بعد ذلك يطلب وكله أمل
في موافقة أمه ," ماما ممكن تنامي جنبي شوية؟" وكما فعلت في الصباح تنسى
كل الذي وراءها وتؤكد له أنها بالفعل قد تحتاج لبعض الراحة. يبتسم داخل أكثر أماكن
العالم أمانا , في أعمق وأعلى نقطة على السطح الأرض والقمر معا , ويتسمع إلى أصوات
يعلم أنها قادرة على تنظلم حركة القمر حول الأرض كما تنظم قلبه وعقله الآن , ذلك
شعوره وهو بداخل حضن أمه وهو يستمع إلى ضربات قلبها تنظم أنفاسه والتي تتقاطع مع
أنفاسها أحيانا فيشعر بسعادة بالغة. يتخيل كيف أنه كان يوما بداخلها فيفهم أنه
عليه أن يظل بقربها دائما حتى يكون كل شيء على ما يرام. يعلم أن نظراتها فقط كافية
لتعرف أنه يشعر بتعب قليل في معدته بل وقادرة على تحديد أسباب أدق من تلك التي
تحددها التحاليل الطبية. هو يعرف أن نظرة واحدة من عينيها في عنينه تكشف كل الأمور
كما أنها تعطيه معنى جديد للحياة. عندما يشعر أن استيقظت من النوم يتظاهر بأنه
الآن في وسط أحلامه لكي يتركها تراقبه بهدوء, فحتى هو لا يملك الحق في منع تلك
النظرة من أمه لأبنها. يتركها تمرر يديها في شعره بالرغم من ذلك يزعجه أحيانا إلا
أنه يعرف أنها هي تحب ذلك فيستمتع بيد أمه تمر بين خصلات شعره. وقبل أن تغادر
السرير ينظر لها ويقول : " ماما تعالي تاني".
يرن الهاتف بجانبه فيتذكر أنه نسي أن يغلقه قبل أن ينام.
ينظر حول ليفهم أن ذهبت غرفته وغطاء أمه , ومن أين أتت تلك الجدران الغريبة؟ يرد
على الهاتف فيسمع صوت أمه وهي تسأله لو أنها أيقظته , فيسكت لبعض دقائق فكل ذلك
كان حلم صغير فيرد , فيبحث عن الكلمة التي يقولها أن يعود إلى ذلك الحلم , فتهرب
كل الحروف منه وكالعادة يعود صوت أمه في الهاتف يرتب جميع أجزاءه فقط جملة من ثلاث
كلمات
"مالك يا حبيبي"
No comments:
Post a Comment