Saturday, May 9, 2015

رحلة بعيدة


كان في البحر منذ أعوام طويلة لا أحد يؤنسه في رحلته بقاربه الصغير سوا السماء والشمس في الصباح والقمر والنجوم في الليل ومن وقت لآخر يقابل بعض الطيور وكان حديثه يطول معهم جميعا. كان يحكي لهم دائما عن رحلته إلى الشاطئ الأبعد على الاطلاق فهو كالكثير تعبوا من حياة البحر والجزر واشتاقوا إلى شاطئ لم يروه أبدا في حياتهم ولكنهم يألفوه جيدا. شاطئ تثبت عليه أقدامهم ولا يعلوا وينخفض وأحيانا يقتل بأمواجه وحتى الجزر قد تختفي فجأة ويصبحوا في وسط البحر يحاربون الموج الذي كان صديقهم. هو خرج بحثا عن ذلك اليابس الذي يجتمع الناس فوقه دون خوف ومن يخرج للبحر يخرج وهو على علم بأن اليابس مهما بعد عنه يقدر أن يعود إليه.. 

كان يدري بأن الرحلة لن تكون سهلة ولا حتى قريبة من ذلك وأن قاربه لن يحمل أحد سواه فلا أحد يريد ان يشاركه البحث عن المجهول وسط بحر مخيف ولكنه خرج على أي حال وهو يرى تمام الرؤيا ذلك اليابس البعيد. كان في البداية كل شيء يبدوا واضحا بالرغم من أن كل شيء كان مستحيل فالقارب صغير وهو مازال في البداية ولا يدري ما الذي ينتظره ولا حتى أين يجد ذلك الشاطئ هو فقط يعرف النجوم والقمر ويعرف كيف يبدوا الشاطئ وأن عليه أن يقطع البحر لكي يصل حتى ولو سيقطعه سباحة سيفعل ولكنه لن يعود أبدا دون أن يصل ولا يكفيه أن يموت في وسط البحر وإلا ستكون رحلته وحياته دون أي فائدة. كان كل يوم يقابله عاصفة أو خطر مختلف ولكنه يتحمل ويمضي وينتظر. أحيانا كان يرتاح على جزيرة ما ولكن كان عليه أن ينتبه جيدا حتى لا يعتاد الراحة لكي يعود إلى الشاطئ من جديد ويكمل رحلته. كان ينجح في ذلك في معظم المرات ولكنه أحيانا يفشل ويميل إلى الراحة ولكن أصدقائه يذكرونه بما بدأ ، رائحة البحر تشده والنجوم والقمر يقولون له: هيا , أكمل ! يصعب الأمر أحيانا ليس بسبب العواصف بل أنه أعتاد الراحة وأعتاد أن يتحدث إلى بشر غير القمر والنجوم ولكنه يتحدى ذلك لأنه يريد أن يصل.

في يوم وجد أنه في موقف صعب هناك جزيرة كبيرة تسد الأفق وعليه أن يحمل قاربه بطول الجزيرة حتى يصل إلى الجهة الأخرى. حدد أنه سيحتاج إلى عدة شهور حتى إلى يصل إلى الجهة الأخرى ولذلك عليه أن ينتبه أكثر من السابق من كل شيء حوله وممن يقابل خلال رحلته تلك لأن عليه ان يعود إلى البحر. مرت الشهور سريعا وهو يقطع الجزيرة ويجر قاربه خلفه قابل فيها الكثير وكان يرتاح أحيانا ويعود إلى طريقه وأحيانا يتوه في طريق أو يسلك طريق خطأ فيتأخر ولكنه كان يريد أن يصل أكثر من أي شيء اخر فيعود لرحلته. حدث أمر سيغير رحلته بالكامل، لأول مرة يشعر بأن قاربه الصغير قد يتحمل صديق جديد. قابل صديقه هذا عندما كان في منتصف الجزيرة ساعده وحمل قاربه معه وكان صديقه في رحلة خاصة لكن فجأة تقابلت الرحلتين وأصبحت واحدة. ..
فجأة وجد نفسه يحكي لصديقه الجديد عن كل شيء، بداية من طفولته وصولا إلى رحلته الأولى. كان يحكي له حكياته مع القمر والنجوم , تغير كل شيء أصبح لديه صديق لأول مرة بعد سنوات طويلة ، وجد من يطمأنه بأنه سيصل وسيجد ما يريد وانه سيكون معه في كل خطوة حتى يصلوا معا. تحركوا حتى وصلوا إلى نهاية الجزيرة معا ووضعوا القارب الصغير في البحر وانطلقوا في الرحلة البعيدة من جديد.

بعد أيام قليلة واجهتهم عاصفة هائلة واهتاج البحر. شعر أن القارب الصغير لا يتحمل لأثنين وكان لابد من صناعة قارب جديد أكبر وأقوى. كان يجلس في المقدمة وكانت الريح قوية لدرجة أنها أقتلعت لوح صغير من مكانه حاول أن يسده بأي طريقة ولكن بقى ثقب صغير ! سيغرقون لا محالة ! كان كان هناك لوح خشب بجانبه كان يحتفظ به من أحل تلك المصائب ، أسرع وكسره إلى نصفين. كان من الصعب حتى أن صديقه في هذه العاصفة الشديدة كان يحاول أن يصرخ لكي يخبره بأن هناك ثقب وأن عليه أن يقفز ويعودوا للشاطئ ويبنوا قارب جديد ولكن صديقه كان ينظر له مستغربا من تصرفاته فيبدو فصديقه واضح من عينيه أنه يظن أن فقط يريد أن يهرب من العاصفة بعد أن أشتدت. يحاول أن يصرخ ليخبره بحقيقة ما يحدث ولكن الرياح والموج الهائج يحيل بينهم. كان يدري بأن بقاء كلاهما في القارب يعني الغرق والنهاية بالتأكيد وصديقه لا يرى ذلك الثقب . ولكن الثقب كان مرتفع قليلا ولو بقى شخص واحد في القارب قد ينجوا وبالتأكيد سيكون لديه وقت أقرب لتصرف. أمسك لوح الخشب الصغير وترك الآخر لصديقه وتحرك نحو حافة المركب ولم يكن متأكد ما إذا كان يرى عيني صديقه فعلا أم يشعر بها في قلبه ولكنه كان على يقين أن صديقه لا يصدق أنه قد يتركه وحيدا وسط العاصفة . كان يتمنى لو أنه يستطيع أن يوقف العاصفة ولو لدقيقة واحدة حتى ليخبر صديقه بكل شيء ولكن العواصف هي العواصف. قفز في الماء وقلبه بقى في القارب ، كان يسبح بكل قوة في الماء نحو الشاطئ ليس رغبة في النجاة بكل رغبة في أن يعود لصديقه من جديد في أقرب وقت. كان قلقه على صديقه يكفي لأن يترك الحياة ولكنه يدري تماما أنه يجب أن يعود له من جديد فالعهد يبقى عهد وهما تعاهدا أن يصلا إلى النهاية معا. وصل للشاطئ وكان لا يفكر في أي شيء إلا أن عليه أن يبني القارب ليعود لصديقه الذي تركه في وسط العاصفة في عرض البحر . وقبل أن يبدأ أي شيء أمسك ورقة وبدأ في كتابة رسالة لعلها تصل إلى صديقه في البحر...

Friday, May 1, 2015

نهار دائم

لو أن بيدينا الاختيار بين ليل دائم أو نهار دائم ماذا سيكون اختيارنا؟ 
....
كانت الاخبار تتولى أن هناك ظاهرة كبيرة تحدث وأن نجم صغير يقترب من مجرتنا العزيزة وأن هذا فيه تهديد للجنس البشري وأن النهاية تقترب بأقتراب النجم الذي سيدمر كل شيء. وفي اليوم الذي كان مقدر له أن يكون النهاية تفاجئ العالم كله ولو أن هناك كائنات أخرى تعيش على أي كوكب قريب لشاركت البشر مفاجئتهم فذلك النجم قد أنتظم بشكل ما في الدوران مع المجرة ولا تتوقف المفاجئة هنا بل أصبح للأرض نهاران فالشمس الأولى تغيب مع شروق الشمس الثانية والثانية تغيب بشروق الأولى! 
 في البداية كان الكثير سعيد بذلك الخبر فكل يوم هو نهار جديد وليس نهار واحد فقط بل أثنين، أصبح بإمكان الجميع العمل في نهار الأول ثم يعودوا لبيوتهم فيبدأو نهار آخر بعيد عن هموم العمل ومن فاته أن يفعل شيء في النهار الأول لديه فرصة أخرى في النهار الثاني. كانت الأمور تبدوا على ما يرام وأن العالم أصبح مكان سعيد أو على الأقل هكذا يبدوا... 
بدأت مظاهر التحول تظهر مع مرور الأيام وتعاقب النهار والنهار! بداية الأمر كانت بالشعر .. ببساطة لم يعد هناك شعر، يبدوا أن الليل كان موطن الشعر والشعراء فأصبحوا غرباء بلا مأوى ليس هناك من يضمهم ويجمع شتاتهم و أصبح الألم يدوم والجرح يطول وليس هناك ليل وقمر يهربوا فيه من أوجاعهم ببيوت شعرهم بدا اليوم وكأنه وجع لا ينتهي.. 
لم يتوقف الأمر عند الشعر بل بمرور الوقت بدت الناس أكثير عصيبة وكأن كل منهم يحمل هما عبأ ثقيل لا يخف بل يثقل كل يوم. لم يعد أحد يبكي ! هذه هي المشكلة .. تحول الجميع إلى ما يشبه أجسام مشبعة بشحنات كهربية لا تفرغ لذلك لجأ الجميع إلى العصبية والتوتر. كان الليل هو موطن الدموع بعد يوم صعب ينتظر الناس أن يتقدم الليل ليكي يتغطوا بظلمته ويطلقوا الدموع كما شاءت في ليل حتى هم لا يروا دموعهم. ولكن النهار الدائم يفضح ليس هناك مفر ولا غطاء ولا حد يستطيع أن يواجه الناس ولا حتى نفسه بدموعه فالجميع يتظاهر بأن البكاء والدموع هي للضعفاء ومن الأشياء التي لا يجب حتى ذكرها... 
كانت مصيبته أشد مصيبة أو على الأقل كان يرى هو ذلك فالليل كما اعتاد ان يقول هو فرصته الوحيدة في أن يراها. فهو ينتظر أن ينتصف القمر ويجمع من حوله  النجوم و كان على يقين أنه إذا رسم خطوط بين هذه النجوم يرى وجهها واضحا والقمر يضيء جانبه. والآن أختفى كل شيء ! كان يتابع الأخبار ويقرأ كل ما يستطيع قراءته لعله يصل إلى أي أمل أن صديقه القمر سيعود. لكن واضح أن كل طرق تؤدي إلى نتيجة واحدة النهار باق ! 
وصل صديق القمر إلى حد اليأس فبدأ كل يوم يتحدث إلى شمس النهار الأولى يترجاها أن تعيد له صديقه القمر وأنه صديق مشترك بينهم فهي التي تضيئه ليلا وأن القمر حدثه عنها كثير وبالطبع طلب من الشمس أن يعود الليل ولو مرة كل شهر لعله يرى وجهها مرسوم في السماء مرة أخرى. ولكن يبدوا أن الشمس كانت مشغولة بتلك التي تنفسها وتفسد ترتيبها تماما. لن يراها أبدأ ! لن يرى صديقه أيضأ !! 
بدأ يحاول أن يصنع ما يشبه ليله السابق فأظلم غرفته وبدأ يتخيل لو أن سقف غرفته هو السماء المظلمة ولكن بدون صديقه والنجوم. بدأ يشعر بأن الليل يعود فعلا , ولكن عندها تسلل شعاع نور أفسد عليه كل شيء. عندها صرخ أنه لا يستطيع أن يعيش على هذا الكوكب بعد الآن!
أستسلم مثل الجميع أن النهار باق ولكن لم يستطيع أن ينساها ووجهها التي ترسمه النجوم أو ينسى صديقه. كان يجلس كل يوم في شرفته الصغيرة عندما تدق الساعة الثانية عشر من منتصف الليل الذي لم يعد له وجود كان ينظر إلى السماء ويغلق عينيه ويتخيل أن القمر موجود والنجوم ويرى وجهها مرسوم في خياله ثم يجد القمر فيلقي عليه التحية كما تعود ويخبره عن كل شيء وأي شيء يخبره بهمومه وعن من رحلوا ومن أتوا ومن ينتظرهم ومن يخاف ان يرحلوا ويحكي له عن النهار الذي لا يختفي وعن وردته الصغيرة التي تنموا في الشرفة الآن وهو على يقين أنها مثله تفتقد الليل والقمر مثله تماما. يلقي على القمر الذي يلمع في خياله بكل همومه وأفراحه وأحزانه وأحلامه. ولكن دون أن تنزل أي دمعة فهو لا ينسى أن ذلك القمر هو في خياله وليس حقيقة وأن النهار مازال يفضح أي دموع سواء كانت ضيق أو حزن أو فرح أو حتى أمل كلها سواء في عين النور ، غير ممكنة ..... 
مضت الأيام وهموم الناس تزداد ومشاعر تضيق والشعر يندر والنهار مستمر ولكن بدأ تتاولى الأخبار أنه من الممكن أن تحدث ظاهرة أخرى جديدة ولكن لا أحد يريد أن يتعلق بأمل فالآمال اختفت مع الليل. الذي أكتشف الجميع أنه موطن لأشياء كثيرة ...
العالم أظلم ... أخيرا عاد الليل .. عاد القمر .. عادت النجوم وعادت الحياة. في تلك الليلة كانت الشوارع فارغة تماما .. أختفي الجميع .. لا أحد يرى .. فكل انسان الآن لديه قصة لم تروى و هم لم يفرغ و دموع لم تجري و شعر لم يخرج و وجه لم يُرى ... 
عاد لشرفته ولم يحرك نظره طوال الليل عن السماء حتى وإن أمتئلت بالدموع _السماء أو عينيه لا فارق.