عند نقل موجة الصوت مثلا او الصورة من حالتها
في الطبيعة إلى أي جهاز إليكتروني تفقد تلك الموجة جزء من شدتها أو شكلها الطبيعي.
مثال واضح لذلك عندما نلتقط صور باستخدام أي كاميرا تفقد الصورة جزء من طبيعتها
وتصبح أحيانا غير واضحة أو في أحسن الحالات ستكون الألوان بالطبع أضعف من الطبيعة
فليس هناك ما يمكنه التقاط الطبيعة حتى أقوى الأجهزة. هذا الفقد يعود إلى أن
الموجات في الطبيعة تختلف عن الموجات الموجودة في الأجهزة والتي تحتاج إلى طبيعة
معينة وذلك لأن أي جهاز إليكتروني هو عبارة عن دوائر كهربائية لا تفهم الأولوان
والأصوات ولكن تفهم الشحنات الكهربائية.
نترك الموجات ونذهب إلى الكتابة والحروف. أي
شخص يقوم بكتابة أي عمل أدبي سواء سطور نثر قليلة أو كتاب كامل أو شيء يقوم بعملية
تشبه نفس عملية نقل أو تحويل الموجات. هناك مشاعر معينة تسكن القلب ممزوجة بأفكار
في العقل تدور وتدور تتأثر بذكريات الكاتب والمشاهد التي يراها بعينه والأشخاص
الذين يحيطون به والبيئة التي يعيش فيها , كل ذلك يؤثر بطريقة أو بأخرى على أي
كاتب يقوم بكتابة أي عمل. بالطبع تختلف تأثير هذه العوامل باختلاف العمل واختلاف
الكاتب ولكن في نهاية كل كاتب يقوم بنقل "حالة إنسانية معينة" عن طريق
موجات خاصة هي كتاباته. ولكن كحال الموجات هناك جزء يفقد في هذه العملية. فالحالة
التي لدى متلقي هذه الموجات المكتوبة بالحروف تؤثر على تفسيره لما يقرأه وقد تكون
الكتابات نفسها لم تنقل الحالة التي لدى الكاتب بشكل كامل.
تطور الأجهزة والتقنيات المستخدمة في أرسال واستقبال
وتخزين الموجات هو ما يجعلها تتحسن مع الوقت والمفقود منها يقل. بالنسبة لي أفضل
ما ينقل الحالة الإنسانية عن طريق الحروف هو الشعر. الشعر لديه قدرة هائلة على دمج
العاطفة مع الأفكار مع البيئة مع الناس مع كل شيء. على حسب قدرة الشاعر يستطيع أن
يخفي ذلك بين أبيات شعره فالعاطفة تصل إلى القلب فقط ولا يفهمها العقل والأفكار
تصل إلى العقل وفي النهاية تصل إلى القارئ أو المستمع الحالة كاملة. بالطبع هناك
جزء من الموجات سيكون مفقود فكما قلت دائما هنا فقد ولكنه يكون أقل في حالة الشعر.
الشعر قد يبدوا بسيطا سطور قصيرة قليلة مرصوصة بموسيقى خفيفة ولكن الحقيقة أن كل
حرف يحمل حالة كاملة لشاعره.
أظن بأن علي الآن أن ترك الموجات والأجهزة
الإليكترونية وذلك لأن الحالة الإنسانية والشعر أيضا يتخطون ذلك بكثير. جمال الشعر
في أنه لا يحمل فقط حالة الشاعر ولكنه يحمل ما يشبه شفرة أو مفتاح للعواطف
والأفكار التي كانت يحاول الإنسان أن يخفيها عن نفسه. فتجد أن حالة الشاعر تجعلنا
نفجر ما هو مختفي ونظهره علنا. فالأبيات تتسلل إلى القلب والعقل وتبقى هناك وتفتش
في الماضي والحاضر ، تدخل إلى الجروح القديمة وتلك التي لم تلتئم بعد، تشاهد الابتسامات
والدموع وتشارك في كل ذلك. كما أن الشعر
بعكس الموجات الأخرى لا يعرف معنى للزمن ولا المكان. فالشعر بعكس الكثير لا يتغير
ولا يغادر ويرحل.
دائما ما أشعر بالسعادة وأحمد الله على أنه
هناك شعراء مبدعون في هذا العالم ودوما ما تمنيت لو أستطيع أن أكتب شعر فأرسل بعض
من هذه الموجات التي تحمل الكثير ...
No comments:
Post a Comment