Sunday, November 30, 2014

رضوى عاشور



لم أرى رضوى عاشور يوما وجها لوجه _وهو من الأشياء التي أشعر بالندم من أجلها_ ولكني أشعر بأني على تمام المعرفة بها وأني فقدت شخص عزيز ومقرب مني. فمن يقرأ كلماتها الساحرة لن يشعر بأي شيء آخر. كل عمل من أعملها يجعلك تتعلق بأشخاص لم تراهم وأرض لم تعش عليها. سردها التاريخي الروائي الشيق لم ولن يتكرر. لم أعرف معنى للوطن غير في كتابات رضوى , لم اتعلق بكتاب واتلهف على ابطال الرواية مثلما تعلقي بابطال روايتها , وروحها الرقيقة كانت واضحة في كل حرف كتبته ورؤيتها المختلفة للعالم .
رحم الله رضوى 

https://www.goodreads.com/search?utf8=%E2%9C%93&query=%D8%B1%D8%B6%D9%88%D9%89+%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D9%88%D8%B1

اتصال بعيد


ينزع الغطاء عن جسمه مفزوعا وهو يصيح : "ماما ,, ماما ,, انا شفت حلم وحش !". لم يسمع ردا ,فقرر ان عليه أن يبحث عن أمه بنفسه في كل غرف المنزل قبل أن يتذكر أن موعد عودتها من العمل لم يحن بعد فيصاب بإحباط شديد لا يخفف عنه إلا شعوره بقليل من الدفء الباقي من الليلة السابقة عندما غطته بيديها ووضعته في سريره. يتجه إلى المطبخ ويحضر الطبق الذي وضعت له فيه فطاره مرتب وجاهز للأكل. أمسك ريموت التلفزيون يبحث عن برنامج يلهيه عن انتظاره الطويل جدا لأمه. يشاهد بعض الرسوم المتحركة وتبدأ الساعة تتحرك ببطء. مع اقتراب الساعة من تكون الثانية بالتمام وهو موعد عودة أمه تتحول جميع أعضاءه وحواسه بل وأفكاره إلى أذن تهرف السمع لكل حركة بسيطة كانت أو كبيرة تأتي من ناحية الباب لعلها تكون خطوات أمه. حتى تحين اللحظة ويسمع حركة المفتاح في الباب فيسبق أمه في فتح الباب ويفاجئها بالحضن العميق المعتاد ويقول لها بحزن وهو يتظاهر أنه في قمة حزنه :"شفت حلم وحش يا ماما , وأمت مفزوع ملقتكيش خالص!" تنسى أمه يومها الطويل ,وأنها استيقظت مبكرا لكي تعد الإفطار وتذهب للسوق وبعد ذلك تتجه لعملها وتعود في الظهيرة تحت الشمس التي تجعل أقوى رجال العالم تخور قواهم, ثم تسأله في اهتمام بالغ عما حدث له وبعد ذلك تشجعه أن يتخطى الأمر وتسبقه بقبلة على خده تجعله فمه ينفتح وينسى كل مشاكله وأحلامه "الوحشة". بعد ذلك يجلس مع أمه في المطبخ وهي تعد الطعام ويشاهد معها فيلم أمريكي من أفلام التشويق وكالعادة يتنافسان في تحليل الفيلم واستباق الأحداث. وبعد ذلك تتجمع العائلة من أجل الطعام ويجلس الجميع على الطاولة الصغيرة لتناول الطعام وكل له مكانه مخصص وهو يحاول فقط أن يجد مكانا ملاصقا لأمه وعندما يفشل يكتفي فقط انهما يتشاركان نفس المكان. تمر بعد ذلك ساعات اليوم سريعا قبل أن يجد نفسه يعود للسرير من جديد وكانت هذه واحدة من أسعد لحظات حياته لأنه حينما تضع أمه الغطاء فوقه يعلم جيدا بأنه سيظل يشعر بالدفء أمام أقوى العواصف الجليدية بل لو تجمعت جميع وحوش العالم لن تستطيع أن تتخطى ذلك الغطاء , بعد ذلك يطلب وكله أمل في موافقة أمه ," ماما ممكن تنامي جنبي شوية؟" وكما فعلت في الصباح تنسى كل الذي وراءها وتؤكد له أنها بالفعل قد تحتاج لبعض الراحة. يبتسم داخل أكثر أماكن العالم أمانا , في أعمق وأعلى نقطة على السطح الأرض والقمر معا , ويتسمع إلى أصوات يعلم أنها قادرة على تنظلم حركة القمر حول الأرض كما تنظم قلبه وعقله الآن , ذلك شعوره وهو بداخل حضن أمه وهو يستمع إلى ضربات قلبها تنظم أنفاسه والتي تتقاطع مع أنفاسها أحيانا فيشعر بسعادة بالغة. يتخيل كيف أنه كان يوما بداخلها فيفهم أنه عليه أن يظل بقربها دائما حتى يكون كل شيء على ما يرام. يعلم أن نظراتها فقط كافية لتعرف أنه يشعر بتعب قليل في معدته بل وقادرة على تحديد أسباب أدق من تلك التي تحددها التحاليل الطبية. هو يعرف أن نظرة واحدة من عينيها في عنينه تكشف كل الأمور كما أنها تعطيه معنى جديد للحياة. عندما يشعر أن استيقظت من النوم يتظاهر بأنه الآن في وسط أحلامه لكي يتركها تراقبه بهدوء, فحتى هو لا يملك الحق في منع تلك النظرة من أمه لأبنها. يتركها تمرر يديها في شعره بالرغم من ذلك يزعجه أحيانا إلا أنه يعرف أنها هي تحب ذلك فيستمتع بيد أمه تمر بين خصلات شعره. وقبل أن تغادر السرير ينظر لها ويقول : " ماما تعالي تاني".

يرن الهاتف بجانبه فيتذكر أنه نسي أن يغلقه قبل أن ينام. ينظر حول ليفهم أن ذهبت غرفته وغطاء أمه , ومن أين أتت تلك الجدران الغريبة؟ يرد على الهاتف فيسمع صوت أمه وهي تسأله لو أنها أيقظته , فيسكت لبعض دقائق فكل ذلك كان حلم صغير فيرد , فيبحث عن الكلمة التي يقولها أن يعود إلى ذلك الحلم , فتهرب كل الحروف منه وكالعادة يعود صوت أمه في الهاتف يرتب جميع أجزاءه فقط جملة من ثلاث كلمات
"مالك يا حبيبي"  

Monday, November 17, 2014

لم يحرك جيشه ولكنه أنهزم (1)

(1) 
قائد المعركة يجلس وسط أرضه المحروقة, أرضه التي لم يمتلكها من الأساس ولكنها احترفت على أي حال. لقد مات الأطفال, قبل أن يولدوا , مات الأطفال حتى قبل أن تتزوج أمهاتهم. خسر المعركة قبل أن يكون جيشه, قبل أن يبني السفن , قبل أن يجهز الخيل , قبل أن يسن السيوف , قبل أن يطرق حديدها , لم يمتلك الرجال حتى ولكنه أنهزم. تعلم فنون القتال جيدا وتعلم كيف أن يصبح قائد لجنوده في المعركة ولكنه نسي شيء هام , نسي أن يعد الجنود وأن يجهز عتادهم. أكانت هزيمته مفاجأة؟ ولكن كيف لقائد جيش أن يتفاجأ بمعركة وهو يعيش من أجل المعارك؟ كيف لقائد جيش أن ينسى أن يجمع جنوده؟ أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة والكل الإجابات التي تأتيه تزيد من آلامه. لم يعد يهتم الآن بم نسيه أو كيف جاءته الهزيمة بغتة. لم يعد يهتم كيف أن أرضه احترفت قبل حتى أن يمتلكها. كل ما يهم الأن هو ما هو موجود الأن , هزيمة ولا شيء آخر. لم يظن يوما بأن المعركة ستكون سهلة ولا أن العدو سيكون ضعيف؟ ولكن مهلا ... لقد نسي شيء آخر , نسي أن يدري من هو عدوه ومن أين يأتي وماذا يريد... مزيد من الأسئلة ومزيد من الإجابات والآلام ومازالت الحقيقة الوحيدة القائمة هي الهزيمة واللاشيء. يتحرك في الأرض المحروقة ولكنها فجأة تتركه , حتى الأرض تخلت عنه, ينظر إلى السماء باحثا عن نجم أو قمر أو شمس حتى يبحث عن شيء نجا من المعركة أو بالأحرى الهزيمة. لا يجد شيء , لقد سقط كل شيء مع سقوطه , حتى سيفه الذي قضا سنين عمره يسنه ويشحذه أنكسر مع بداية المعركة. خيله تركه وهرب عندما جاء العدو, ولكن تأتيه ذاكرة قبيحة الأن ... لقد فك وثاق الخيل وتركه يرحل , لقد ترك السيف يصدأ ثم كسره بيده على ركبته, لقد أشعل النار في أرض من تحته ,ولعن السماء من فوقه وجرى وجرى وجرى حتى سقط .. 

Sunday, November 16, 2014

بين النور والظلام

يبدأ يومه باستيقاظه من نومه. الشباك يبدوا مفتوح قليلا وبالتالي الغرفة نصف مضاءة او ليست مضاءة هو ليس متأكدا. كان وحيدا لبعض الوقت ثم دخل ناس غرباء غرفته وعما قليل لن يصبحوا كذلك او بالأحرى بعضهم. هو يراهم لذلك بالتأكيد هناك نور في الغرفة. فقوانين الفيزياء تنص على أن من الشروط الرؤية أن يكون هناك نور يسقط على الجسم ثم ينعكس على العين مما يعني أن الصورة التي يراها تثبت وجوبا وجود نور وأجسام وعين. ولكن الصور تختفي ويعودوا غرباء من جديد فلا يدري أيختفي النور أم الغرباء أم عينه! يتردد ويحتار ويصبح وحيدا...
ينسى النور والظلام ويرتب غرفته , هنا الأوراق القديمة الثقيلة على هذا الرف العالي العميق الذي لن يصل إليه أحد أبدا. هنا أوراق حديثة وخفيفة ومنسقة بدقة لتعجب الرائي. هنا كرسي واحد أما الكراسي الأخرى ففي ركن آخر. هنا مجموعة كتب كبيرة تروي حكايات عديدة. هناك ثوب أمه القديم يحيط بغرفته بالكامل حتى يغطي حائطها بالكامل وسقفها , هناك بقايا الحلوى التي أقتسمها مع أخوته وهذا قلم أبيه موضوع على مكتبه يخط به أوراقه وهناك ملامح بعض الغرباء الذين لم يعودوا غرباء , لم يعودوا غرباء حتى الآن...

يمر بعض الوقت من يومه بعض أن أستراح من مشكلة النور والظلام بترتيبه غرفته ليتفاجأ بأن مشكلته عادت من جديد , عادت أشد من البداية , فكل شيء يبدوا كما هو ولكنه لا يرى أي شيء , هذا ثوب أمه معلقا , هو يعرف ذلك , هو يراه ولا يراه, أوراقه منظمة بدقة كما أرادها ولكن بعض الأوراق القديمة قد هبطت من رفها العالي وتبعثرت ولم يعد يراها حتى. أهذا الظلام إذا؟ أهذا غياب النور؟ يصرخ في الغرباء من حوله ,يصرخ في الغرباء الذين لم يعودوا غرباء , أهذا النور أم الظلام؟ لكن لا أحد يجيبه , أهذا النور أم ظلام؟ يسأل مرة ثانية , يسمع إجابة : لم نفهم سؤالك , كرره , يكرر سؤاله ولكن هذه المرة سؤاله لا يخرج من صدره , يكرر ويكرر وعندما خرج يتفاجأ بأنه أصبح وحيدا والجميع على باب غرفته يشاهد , يخاف ويجلس , يخاف أن ينتهي يومه كما بدأ , ينتهي بسؤال دون إجابه , أهو نور أم ظلام؟؟؟ 

Sunday, October 26, 2014

الحنين للمجهول

أصعب أنواع الحنين هو أن تحن لشيء لم تراه ولم يحدث من الأساس. مثلما يحن المسافر لوطن لم يراه طوال حياته. هو قضى حياته بين الطرق, بين المدن الكثيرة , عاش غريبا هنا وهناك. عاش باحثا عن وطن ,عن أبناء وطنه , عن مكان يختضنه بعد سفره الطويل طوال تلك السنين. يبحث عن معنى لسنوات العمر الضائعة في السفر. هو لا يبحث عن المجهول بل يبحث عن شعور يعرفه تمام المعرفة, يعرفه كما يعرف يديه وكما يعرف حقيقة وجود السماء من وقفه ولكنه فقط لم يعش في ذلك الوطن.
تمر السنين وتتبدل الأحوال, قد حلمت حلم صغير هنا وآخر كبير هناك. حلمت بعالم يسوده العدل ,تعلمت أن من جد وجد ومن زرع حصد ,تعلمت أن الحضارية بشرية هي معنى كبير للحب والتسامح والعدل والإنسانية وتقبل البشر جميعا لأننا في النهاية بشر, تعلمت أنه ليس هناك أبشع من أن ترى الدماء تسيل على الأرض والأرواح تتطير في السماء, تعلمت أن السعادة تبدأ في قلوب الأخرين قبل أن تلمس قلبك, تعلمت أن الحب يقضي على الحواجز ويتخطى جميع الخلافات , يتخطى الحدود والمفاهيم المختلفة , بل يتخطى حتى المنطق. تمر السنين وأنت تتخيل ذلك العالم ,تتخيل أن هذه هي حقيقة البشر وحقيقة علاقة الحب بين البشر, ولكن المفاجئة هي أن كل ذلك العالم يسقط في منطقة الحنين, هل رأيت يوما العالم بهذه الصورة؟ هل رأيت العالم يسوده العدل أو الحب؟ هل رأيت العالم بدون قتل ودماء؟ لا ! من الممكن أن تجد وتجد وتزرع وتزرع ولكن غيرك يجد ويحصد , حب من تشاء كما تشاء ولكن هذا لن يشفع لك. في النهاية تجد ذلك العالم بهذه الصورة يسقط في منطقة الحنين , الحنين لعالم لم ولن نراه , حنين إلى بشر لم ولن نراهم لأننا ببساطة أنفسنا لسنا تلك النوعية من البشر.

يفقد المسافر الأمل فلو أنه نفسه من نوعية البشر الذي يبحث عنهم , ما الفائدة من كل هذا السفر ؟ يتخبط كثيرا عندما يجد كل وطن لا يشبه وطنه وكل أرض لا يشبه أرضه. يجد كل شيء عرفه مشوه ومختلف. حتى تأتي تلك الليلة المظلمة او بالأحرى المقمرة التي يكتشف فيها أنه نعم , من الممكن أنه يحن إلى المجهول ولن يجده أبدا ولكن هناك عالم آخر لم يعرف أنه أي شيء, عالم صغير في حجمه ولكنه كبير جدا ليشمل الحياة كلها. حلم أن البشر سيكونون بشر ؟ لكنه وجد الحيوانات تتعامل أكثر "بشرية" من البشر , في هذه الليلة أكتشف القمر , اكتشف ان الحياة لها وجوه أخرى , أينما كانت الأرض التي يجتمع بها مع القمر هي أرضه ووطنه , ربما هو يحن إلى شيء لم يره من قبل لأن ذلك الشيء يعيش بداخله , يعيش في عينيه التي يرى بها , يعيش في القمر في السماء , يعيش في تراب الأرض , في ذرات الهواء في السماء, ربما عليه أن يتوقف عن السفر الأن ويعلن قوانينه الخاصة وعالمه الخاصة ومن يرفض هو الذي يرحل , هو لديه قمره الخاص الصغير بجانبه طوال الوقت, مازال يحن إلى شيء لم يراه ولكنه يكتشف عالمه بدون الأرض الأن. 

Wednesday, October 15, 2014

في عالم آخر

في عالم آخركانت الأماني لتبني جبال. كانت الأطفال تولد كما نعرفها بيضاء ونقية وتعيش كما هي بنفس بياضها دون أن يتحول البياض إلى سواد أو حتى لون رمادي كريه ينسيك اللون الأبيض ولا يظهر بسواده الحقيقي.  في عالم آخر كانت البشر لتولد بشر , تعيش كبشر وتموت كبشر دون أن تتحول في أي وقت من الأوقات إلى الأرقام أو تتحول إلى غريزة متحركة لا يجوز أن يطلق عليهم حيوانات. في عالم آخر كانت الطريق يبدأ من نقطة وينتهي عند أخرى.
في عالم آخر السماء أكثر زرقة والبحر أكثر صفاء والهواء أكثر نقاء, تستطيع أن تسمع صوت الأشجار وهي تتحدث في الصباح عن هموم ليلهم ويسألوا السماء عن رحلتها منذ المغرب إلى الشروق, تستطيع أن تسمع الأمواج تنقل أخبار الجزر المتباعدة إلى الشاطئ البعيد , تجمع من رحل بمن ينتظر.  
في عالم آخر القتل غير مباح , تعيش الأم مع أبنها ويكبر على يديها حتى يأتي أجله.
في عالم آخر هناك عالم ,, هناك حياة

Tuesday, August 26, 2014

إلى آخر العمر

ينظر في المرآة فلا يرى خطوط ولا شعر أبيض 
يغمض عينيه لدقائق فيراها واضحة 
يرى سنين العمر تمر بين أجزاء وجه ترسم لوح حياته 
هنا يوم ولد الحلم صنع خط عريض على جبته 
فقد تفاجئ وأقشعر جسده 
ينظر إلى الا شيء يحلم بأن يجعله كل شيء 
تحت الخط بمسافة بسيطة , مسافة ساعات أو ليالي أو سنين 
لا يدري 
خط آخر يبدوا أكثر وضوحا عندما قرر بأن الصباح سيأتي قريبا 
عندما أستكان لليل 
وقرر بأن اليل للنوم والصباح للعمل 
والان لا يوجد صباح 
فلا يوجد عمل .. 
هو خط من أثر النوم ليس أكثر 
مابين الخطين وما بعدهم هناك كثير من الخطوط والجروح 
جرح عندما أكتشف بأن هناك حدود لما يمكن أن تحمله يداه 
وآخر عندما قام من نومه ذات ليلة وقرر أن يعود لحلمه , لنهاره 
ولكن ساقاه لم تسعفه 
سقط وسقط وأنجرح وبقى جرح واضح 
خط آخر واضح على كل كف من كفوفه 
عندما قرر أنه سيحفر في الصخر حتى يصل إلى الجهة الآخرى من العالم
سيحفر ويحفر 
سيمر بلب الأرض 
بالنار والثلج 
وسيحفر ويمر 
ولكن الخطين لا يصلا إلى نهاية كفه 
فهو أستسلم قبل الوصول إلى الجهة الأخرى 
فعلق الخط على الكف 
لا يدري أيعود ويعتبره قد فشل 
أم يكمل ويكون قد نجح 
بين كل هذه الخطوط هناك خط واحد 
يمتد ليصل القلب بالعقل ويصل كلاهما بأول عمره حتى آخره 
يصل الليل بالنهار 
الراحة بالتعب 
يصل اليأس بالأمل 
يصل رحلة الشمال برحلة الجنوب 
يصل أعمق الحفر بأعلي الارتفاعات 
خط يمتد ولا يتردد ولا يعود 
أحيانا يختبأ وسط خيوط الزمن 
أحيانا يتخفى 
يهرب بين أزقة العمر وينام 
ينام وينام 
وينتظر صاحبه 
ينتظر صاحبة أن ينتفض 
ينتظر صاحبه يمسك الشمس بيد والأخرى تمتد إلى أعمق اعماق الارض 
ينتظر صاحبه ليتعلق بالنجوم ويكمل رحلته 
ينتظر صاحبه أن يتعاد الليل 
ان يدرك بأن الليل هو الحقيقة 
والنهار مجرد شيء مؤقت وسيذهب لحاله 
ينتظر صاحبه أن يرى في ظلمة الليل أكثر مما يرى في نور النهار 
ينتظر وينتظر وينتظر لكن لا يرحل ابدا 
ابدا لا يرحل مهما أختفى أو نام صاحبه 
ينتظر ويعود 
يعود كشروق الشمس 
يعود كموج البحر 
كمن سافر عن حضن أمه 
يعود 
كشاعر هجرته حروفه ليالي وليالي وعادت كلمات وقصائد
يعود كشربة ماء للتائه في الصحراء 
يعود كاشارة لمن ضل طريقه 
ولكنه لا يدري أنه ضل!
يعود
يعود كالريح على حقل مزهر 
يفتح عينيه 
ويجد الخط مازال هناك 
يتفاجئ 
يهز رأسه 
ينظر وينظر 
ثم يفهم 
فالخط يمتد 
ويمتد 
إلى آخر العمر 
ولكنه ينساه فيختفي 
ويتذكر فيعود 
.... 

Thursday, August 21, 2014

حلم


أمتنعت الحروف عن التجمع والكلمات عن التكون ...
حتى الورق لم يمتص الحبر....
توقف القلم في يده , ثم سقط على الورق ...
الورق القديم لم ينتهي عمره بعد
الكلمات القديمة مازالت تنادي
النور مازال ينتظر
الطريق مازال على استقامته
الأشجار كما هي
السماء في مكانها
القمر
النجوم
حتى الحفر والجبال
كلهم ينتظرون في ترقب
هل يعود الميت للحياة
هو لم يفقد روحه بعد
ولكنه مات...
يقف القلم من جديد
يكتب وحده
عد وأقرأ , عد وأقرأ
يمسك بورقة قديمة عليها عنوان بخط واضح
ولكن لم يستطيع أن يقرأه
وكأن الحروف تغيرت مع الزمن
مع العمر
او هو الذي تغير
أو ببساطة نسى كيف يقرأ هذه الحروف
يتلمس طريقه من جديد
يقف , يستند على الحاء
تنظر له الأشجار
يقف على اللام وهو مازال مستندا
يعود له النور في نهاية الطريق
يدفع نفسه بالميم
فتعود الشمس والقمر والنجوم وحتى الحفر والجبال
ويرى الكلمة من جديد

حلم .... 

Sunday, August 17, 2014

لعبة


هو: لنلعب لعبة مسلية
هي: ما هي تلك اللعبة ؟ أتمنى أن تكون مسلية حقا 
هو: لا تقلقي , ستكون مسلية ومثيرة 
هي: حسنا أشرح لي اللعبة
هو: سنصمت الآن ونقطع كل الاتصلات بيننا واول شخص يتحدث إلى الآخر يكون هو الخاسر
هي: حسنا يبدوا أنها مسلية فعلا 
.......
بعد مرور وقت لم يتم حسابه بدقة 
هي: اهلا
هو: لقد خسرت !! ألم أقل لك انها لعبة مسلية ومثيرة! لقد كنت أنتظر كل هذا الوقت
هي: حفلة عرسي غدا في المدينة إذا كنت تريد الحضور 

حروف

أحيانا تتجمع الحروف فتلتأم الجروح فتلك هي حقيقة الكلمات 
لا أحد يفهم حقيقة الروح ولكن كثير ممن يقرأون قد فهموا أكثر عنها 
فعندما تتشابك الحروف تمر وتخترق كل الحواجز حتى تصل للروح 
ذلك ما يفعله الصديق أو شخص قريب أو حتى سفر بعيد 
ولكن للحروف مذاق آخر فهي تتخطى الزمن والمكان 

Monday, August 4, 2014

ستندم

كان هناك صياد أسمه فارس خرج في رحلة صيد لحيوانات برية مع قافلة كبيرة. توجه فارس مع القافلة نحو غابة واسعة قضوا فيها عدة أيام وقتلوا فيها ما يريدون من الحيوانات ثم توجهوا نحو طريق العودة . تعطلت سيارة فارس فتوقفت القافلة كلها من أجله وبعد عدت دقائق عادت للعمل من جديد. كان الوقت ليلا عندما تعطلت السيارة من جديد وتوقف للحظات لكي يتفقد السيارة وفجأة وجد نفسه  وحيدا وقد انقطع الاتصال تماما عن القافلة. ظل ينادي بصوت عالي ولكن الدقائق التي تفقد فيها السيارة كانت كافية لكي تبتعد عنه القافلة وتتركه وحيدا مع سيارته وسلاحه. بات الليلة في خوف شديد وهو ممسك سلاحه وعندما جاء النهار قرر أنه سيدخل الغابة وأنه عليه أن يعيش بها حتى يأتيه المساعدة. 
بمجرد أن دخل الغابة وجد انه في منطقة مختلفة عن التي كان فيها فهذه المنطقة وكأنها مدينة فقط للقرود. قضى يومه الأول يراقبهم في صمت , كانوا يعيشون في سلام وراحة فالشجر من حولهم يضمن لهم الطعام ومكان للراحة كما أنه لديهم  جو ومنظر خلاب. لاحظ بان هناك قرد عجوز وكأنه زعيم هذه الجماعة ولكن يبدو أنه ضعيف مثل بقية القرود لذلك شعر فارس بأن هذه هي فرصة عمره. في الصباح التالي وقف في وسط الغابة رافعا سلاحه الناري في يد وسيف طويل في يد أخرى ويقول بصوت صارخ أنه أصبح الآن ملك هذه الغابة. أجتمع حوله عدد من القرود وهم ينظرون له نظرات متسائلة.
سأله أحد القرود : "ماذا تقصد ؟ أين المملكة حتى تكون ملك؟"
فارس: "حسنا, من اليوم كل هذه الغابة مملكتي . ومن يعترض عليه أن يرفع شكوى لي شخصيا."
قرد آخر: " من أنت ؟ ومن أعطاك الحق لكي تكون ملك علينا."
لم يتكلم فارس وأكتفى برفع سلاحيه في الهواء.
تدخل قرد يبدوا كبير في العمر وهو يقول: "لكي نتخيل أنك الآن الملك ... ماذا تريد أكثر مما لدينا جميعا. الطعام موجود , الراحة موجودة , المتعة موجودة يكفي فقط النظر للسماء, لو تريد العمل فالعمل موجود..."
قاطعه فارس قائلا: " هل جننت ؟ "عمل" .. هل تريد للملك أن يعمل مثل باقي الحمقى !"
رد قرد: "من فضلك أحسن اختيار كلماتك تذكر أنك لست واحد منا من الأساس ونحن تركناك تعيش بيننا لأننا مسالمين".
قال فارس وهو يدور برأسه لكي يسمعه الجميع: " يكفي كلام , من الآن انا الذي أترككم تعيشون هنا , كل شيء لي وأنت تعيشون بأمري , كل أوامري مطاعة وكل ما أشتهيه يأتيني في الحال." 
فجأة خرج قرد يجري نحوه فقتله فارس في الحال! وقال بصوت أعلى مما كان عليه :" أي قرد يفكر أنه يمكنه أن يعصاني سيكون مصيره مثله." سار فارس ببطأ نحو كوخ جلس فيه وبدأ ينادي على القرود لكي يخدموه.
تحرك عدد كبير من القرود نحو زعيمهم وحكوا لهم كل شيء. أخبرهم الزعيم أنه تعامل مع البشر من قبل وأن خير حل هو أن يعطوه ما يريد حتى يرحل عنهم. ولكن طمع فارس لم يتوقف أبدا وعندما زاد عن مقدرة القرود بدأ يعتدي عليهم ويقتلهم وعندها كان على الزعيم أن يتحرك وبالفعل ذهب لفارس في كوخه. 
الزعيم: "تحية لمن نصب نفسه ملكلا على الاحرار."
فارس:" يبدوا أنك لم تتعلم كيف تحترم الملوك مع أنك يبدوا عليك أنك رايت الكثير."
الزعيم:" رأيت ما يكفي حتى أعلم نهاية ما تفعله أنت."
فارس : " تقصد راحتي وسعادتي."
الزعيم: " لن تكون هذه نهايتك أبدا وعليك أن تفهم ذلك جيدا."
فارس:" يبدوا أنك فقدت عقلك أيها القرد .. حقا عجوز خرف !!."
الزعيم: " بل أنت من فقد عقله , أي أحمق يأتي لكي ينصب نفسه ملكا على من هم أحرار مثله. لقد كنا نعيش في سلام دون أي القاب حتى جئت أنت بأمراضك التي تريد أن تنشرها بيننا. عليك أن ترضى بأسلوب حياتنا ولتعش معنا أو ترحل من بيننا."
فارس:" يبدوا أن هناك قرد يريد أن يذبح الليلة."
الزعيم:" لتفهم أيها الأحمق, لم آتي إلى أنها وفي نيتي أني  سأعود لشجرتي سالما... ولكني جئت لأحذرك, نحن قرود مسالمون ولكننا لن نرضى بالظلم , أنت الآن تضحك لانك تعرف أننا لا نقدر على فعل الكثير أمام سلاحك ولكن عليك أن تفهم أننا لن نخضع لسلاحك و في كل الأحوال أنت ستندم في النهاية , مهما حدث أيها الملك الأحمق أنت من سيندم أشد الندم ..."
لم يتركه فارس يكمل كلامه وقطع رأسه... جن الجنون بقية القرود وهجموا على الفارس الذي بدأ في قتلهم جميعا حتى اوشكت الغابة أن تخلو من القرود ولكن مجموعة من القرود هربت وأختبأت بين الأشجار. قرر فارس أنه سيطاردهم حتى آخر لقرد وهو يقول لنفسه سنرى من سيندم !! أخرج البنزين من سيارته وقام بحرق أشجار الغابة حتى أصبحت رماد. مرت ساعات قبل أن يهدأ وينظر ماذا حدث فالغابة الجميلة تحولت إلى رماد كامل. فقط رماد يطفو على دماء القرود الحمراء. وجد فارس نفسه في وسط صحراء بدون ماء ولا طعام ولا أي شيء , لم يفهم كيف كان هناك غابة في وسط الصحراء بالتاكيد هذه القرود وراءها سر ولكنه لن يستطيع أن يفهمه. لم يجد فارس أي سبيل للحياة فوضع السلاح في فمه وأطلق النار. 
لم يفهم فارس أن الزعيم عندما قال له أن سيندم أنه لم يقصد بأن القرود ستقتله ولا أنه سيموت جوعا عندما يحترق كل شيء بل كان يعرف بأن هناك دم سيسال , وان هذا الدم سينزل بين طبقات الأرض لكي يخرج أشجار تستعصي على فارس حتى أن يطأ عليها بقدمه , والآن تختلط دماءه بدماء القرود , يختلط الموت بالحياة , لكي تخرج الأشجار من جديد , وتعود الحياة كما كانت. فارس لم يفهم بأنه لا يستطيع أبدا أن يمنح ويأخذ الحياة من أي كائن , لم يفهم بأن سر الحياة لا يمكن أبدا إيقافه مهما كانت القوة الأرضية المستخدمة , ستخرج الحياة من بين الموتى , بل ستخرج الحياة من بين بقايا القتلة وستعود أقوى من السابق , وسيندم .... 

Saturday, August 2, 2014

حتى الصباح






استعدا جيدا وقرر "علي" و "نورا" أنهم سيبدآن رحلتهم مع شروق الشمس لكي يقطعا هذا الجبل العالي ويكملوا طريقهم خلف الجبل. قام بتقسيم المهام على كليهما من ناحية المعدات كان على "علي" أن يجهز الحبال وأدوات الربط مثل القطع الحديدية التي تثبت في الصخور. أما "نورا" فكان عليها تجهيز معدات الأمان الخاصة بكل منهم واشتركا في تجهيز المؤن وباقي الأدوات. مع توديع القمر لهم وتركه المهمة للشمس بدآ رحلتهم الخطرة في تسلق ذلك الجبل العالي. 

مرت الساعات الأولي في هدوء , كان علي دائم القلق ولكنه كان يبذل قصار جهده حتى لا تشعر نورا بذلك وإن خرجت الأمور عن السيطرة أحيانا فهو كان له مهمة إضافية وفي نفس الوقت هي مهمة حياته الأساسية كانت هذه المهمة هي "نورا"... مع انتصاف الشمس في السماء اشتدت الرياح ووصلت لأقصى قواها مع الغروب مما أدى لانقطاع الحبل الأساسي. توقف كلاهما على صخرة كبيرة في منتصف الجبل ونظرت له "نورا" وقالت :"علينا أن ننتظر حتى الصباح وإلا لن نضمن سلامتنا". رد عليها علي بأنه يعرف ذلك ولكين أيضا عليهم التحرك قليلا لأن المؤن لا تكفي إلا ليلة واحدة إضافية وقد يضطرا للتوقف مرة ثانية. وكان هذا يعني بأن الليلة ستمر وكل منهم يتولى أمره بنفسه حتى شروق الشمس وتركيب الحبل الذي يجمعهم من جديد. امسكت نورا بيدها الصغيرة ذراع علي وشدت عليه وقالت له بهدوء بأنها ستنظر معه حتى لو بعد انتهاء المؤن. لم يتكلم علي ليس لأنه لم يجد ما يقوله ولكن لأنه كان يحاول أن يخفي دموعه وشعوره كأنه فقد جزء كبير من قوته ومهمته الأساسية الآن أصبحت صعبة للغاية لان محاولته لحماية نورا الآن قد تعرض حياتها للخطر. لم يكن أمامه اختيارات كثيرة سوى أن يترك لقلبه الحديث وهو يقول أن الليلة ستمر والصباح سيأتي أن شاء الله حتى وإن حركت الرياح الجبل سنكون أصلب منه. 



كانت ساعات الليل أطول مما تخيلا وكانت كل خطوة بمثابة رحلة طويلة شاقة , كانت المسافات تبعد أحيانا ولا يوجد حبل يربط بينهما في ظلام الليل والرياح تشتد , ولكن أحيانا ,, أحيانا يوجد ما يصمد أمام الريح ولا ينكسر بل يميل وأحيانا يطير أيضا , يفترقا أحيانا ولكن يعلمان كيف أنهما معا يكونان في عالم أخر فيمسك كل منهما الصخر من أجل أن يأتي الصباح أسرع. أحيانا تشعر نورا بيد خفية تسندها عندما توشك على الوقوع ولكنها تعرف أنها لا يمكنها أن تعتمد تماما على هذه اليد. أحيانا جيد علي يد صغيرة تنتظره فوق الصخرة التي تعلوه فيمسكها ويصعد ولكن تختفي صورة صاحبتها مع الظلام. ينظر كل منهما إلى الآخر دون كلام , حتى الصباح ...

Sunday, July 6, 2014

سأقطع هذا الطريق

سأقطع هذا الطريق
(قراءة أخرى لقصيدة محمود دوريش)




فجأة شعر بأن قواه قد خارت , لم يعد قادر على تكسير الصخر والمرور كما أعتاد, لم يعد حتى قادر على المسير , ولا حتى قدماه قادرتان على أن تحملاه. يسقط في الأرض يشعر بحبات الرمال وقد تحركت من حوله , يتنفسها , يشعر بالطريق يدخل في أعماقه حبات الرمل تخلل رئتاه. يمسك حبات الرمال من الأرض بقوه ويمسح بها وجه فترى عينياه الصورة بوضوح. تتلاقي حبات الرمال التي على وجهه وعينياه ورئتيه في نقطة واحدة مركزها القلب. فيرى الأمور أكثر وضوحا , يرى الطريق وهو يمتد إلى الملا نهاية ولكن مع ذلك الطريق له آخر فآخره في قلبه ...

"سأقطع هذا الطريق الطويل، وهذا الطريق الطويل، إلى آخرهْ

إلى آخر القلب أقطع هذا الطريق الطويل الطويل الطويل ..."

يعود بذاكرته إلى قريته الصغيرة , إلى البيوت المتراصة على البحر الصغير الممتد , والنخيل الذي يطل على الماء , يتذكر عندما كان النخيل هو الحائط الذي يفصل بينه وبين العالم , يتذكر كل السنين التي مرت بين ذلك اليوم وبين يومه الحاضر , يتذكر كل يوم وكل ليلة وكل ساعة أرق وكل لحظات المعارك وكل لحظة فرح ووصول , يتذكر كل ذرة غبار تنفسها خلال طريقه وكل ذرة غبار نفضها عن نفسه , سيعبر سور النخيل كل يوم لو لزم الأمر , سيعبره كأول مرة ويتخطاه ويمر , يتذكر الجراح التي كانت تأتيه بعد كل سقطة , يتذكر رحيله الأول والثاني والثالث واللانهائي ... يتذكرهم جميعا وكأنهم كانوا الأمس ... سيأتي كل رحيل جديد ولكنه سيكمل لأن نهاية الطريق لم تأتي بعد ...

"فما عدت أخسر غير الغبار وما مات مني ، وصفُّ النخيل

يدل على ما يغيبُ . سأعبر صفّ التخيل . أيحتاج جرحٌ إلى شاعرهْ

ليرسم رمانةً للغياب؟ سأبني لكم فوق سقف الصهيل

ثلاثين نافذة للكناية ، فلتخرجوا من رحيلٍ لكي تدخلوا في رحيل".

أحيانا تثقل حبات الرمال داخل صدره , فيضيق النفس ويترنح ويسقط , ولكنه يتذكر بدايته , يتذكر كم قطع من الطريق ,لم يعد لديه ما يخسره من الأساس , ليس أمامه سوى شيء واحد , أن يقطع الطريق , إلى آخره وإلى آخره , ستكون الريح معه تنقله , هو لن يرضى بأقل من ان يصل إلى النهاية التي يعرفها قلبه , يقف على قدميه من جديد ويثبت عينياه على هدف يبدوا بعيد بعيد وقد حدده بدقة في أول يوم له في رحلته , بدأ يشعر بيداه وقد عادت إليهم قوتهم من جديد , وعادت قدماه تحملناه لكي يركض ويركض وتتحول خطواته إلى سهام نافذة تخترق الرمال نحو نهاية الطريق , فلا تجد الريح مفر سوى أن تحمل سهامه وخطواته نحو سهم البداية , نحو آخر الطريق ..

"تضيق بنا الأرض أو لا تضيقُ. سنقطع هذا الطريق الطويل

إلى آخر القوس. فلتتوتر خطانا سهاماً. أكنا هنا منذ وقتٍ قليلْ

وعما قليل سنبلغ سهم البداية؟ دارت بنا الريح دارتْ ، فماذا تقول؟


أقول: سأقطع هذا الطريق الطويل إلى آخري.. وإلى آخره."

Friday, May 23, 2014

سر شهر مايو

(دي مش قصة )
عانيت مؤخرا فترة من توقف الكتابة , توقف القلم في يدي "الكيبورد تحت صوابعي" لمدة طويلة. يأتي إلي هذا الشعور من وقت لآخر أحيانا يكون نتيجة لأن عقلي قد توقف عن العمل وقرر الاستسلام لحاجة خمول تام مع افكار خفيفة او سبب على النقيض تماما الافكار كثيرة ومتشابكة ولكنها ترفض الخروج و أحيانا أخرى تكون الأمور هادئة داخل عقلي ولكن هناك تفكير آخر لا يشغل العقل أو فقط هو قلم قد قرر أن يحصل على بعض الراحة. على أي حال _الحمد لله_ قرر قلمي أن يتحرك ويساعدني في نقل بعض الافكار للورق.
أثناء فترت توقفي عن الكتاب بدأت في قراءة بعض كتاباتي القديمة ولفت انتباهي أني نشرت كتابات في كل شهور السنة إلا شهر واحد ,هو شهر مايو. المصادفة أو بالأحرى السبب الحقيقي وراء عدم كتابتي في ذلك الشهر هو انه يحمل بين أيامه يوم مولدي. أظن بان السبب البديهي هو أنني أحاول الهروب من تلك الذكرى التي تعني كل مرة أني اكتسبت عام جديد ولكن بعد قليل من التفكير أجد السبب على النقيض تماما , انا فقط احاول الهروب من تلك الفكرة حتى لا يلصق أحد بي هذه  التهمة. دعونا نتخيل شيء آخر , ماذا لو قررت أن في الصباح التالي سأعتبر ان عمري 18 عام عكس ما تثبته الأوراق الرسمية ؟ ليبقى كما يريدون على الأوراق ولكن في عقلي كما أريد , سأجعل عمري يزيد عام كل ثلاثة أعوام. لا يهم كم عمري بحساباتي او حسابات الورق عندما تأتي تلك الليلة, فهي ستأتي سواء كنت صغير او كبير بأي حساب , فالحقيقة هي أنه لم ولن يفر أحد من الموت ولم ولن يعود أحد من الموت إلا عندما يشاء الله سبحانه وتعالى.
نعم, لا يمكنني أن ألغي حقيقة أن مع الوقت يصبح الفشل أصعب ويترك أثارا أكبر, مع الوقت يصبح الفراق صعب , مع الوقت صبح الصعود أصعب وأصعب والنزول يبدوا سهلا, مع الوقت تصبح المفاجئات مقلقلة حتى ولو كانت سعيدة.  ولكن الفكرة هي أن تأثير الوقت يكون كذلك عندما يمر على القلب. مع الوقت صبح الفشل أصعب بالتأكيد ولكن مع الوقت ستجد نفسك قادرا على الوقوف من جديد, فأنا سقط مئات المرات من قبل ووقفت ستكون هذه السقطة مثلهم, الفراق يصبح أصعب ولكنك تقابل من يجعلونه أهون وأسهل وهو ما يحدث مع الوقت فقط , أن تقابل من تحب.
عندما أنظر إلى المرآة من وقت لآخر قد أرى خطوط جديدة تظهر كل يوم وقريبا سأرى الشعر الأبيض أو قد لا أراه على الاطلاق لن يهم حقا ولكن ما يهم هو أنني لن أرى أبدا عمري مكتوب على جبيني وبجانبه قائمة بالأشياء التي أستطيع أن أقوم بها والأشياء التي لا أستطيع ان أقوم بها. لكل شخص كامل حريته في اختيار حساب عمره والأشياء التي تناسب هذا العمر وأنا أيضا من حقي أن أرفض هذا النظام تماما ! ليس هناك أشياء تناسب عمري وأخرى لا بل هناك أشياء تناسب حياتي وأخرى لا. أن أحكم على نفسي بأن الوقت قد ولى لكي أفعل شيء معين هو حكم سريع وليس بطيء بالموت , هو موت فوري دون تردد. ليس هناك شيء معنى لكلمة "متأخرا" في حياة نحن نصنعها , نحن نصنع الوقت والعمر, لقد تأخر الوقت لفعل أي شيء فقط عندما يحين أجل الإنسان عندها لا يمكن فعل شيء ولكن قبل أن تعرف أن النهاية قد أتت بثواني قليلة أنت لديك الوقت كله لديك الحياة كلها, حتى قبل معرفتك بالنهاية بثواني قليلة كلمة "متاخرا" لا تعني شيء.
سأكتب في شهر مايو من كل عام دون خوف لا يهم الرقم الذي سيظهر بجانب كلمة "العمر:" فذلك الرقم لن يتعدى حقيقة كونه رقم يستخدم للعد فقط وليس وسيلة لتحديد الحياة , لن اجعل لرقم من اختراع البشر بان يحدد حياتي , ليكون كما يكون يزيد أو ينقص النهاية ثابتة اعلم ذلك ولكن كل شيء قبل هذه النهاية يعني كل شيء ولن أترك لرقم أو شخص بان يسرق هذه الحقيقة مني باني قد تأخرت .

التأخير يكون عندما يفوت أوان الشيء , وأوان الحياة لا تفوت إلا بالموت !! 

Wednesday, April 16, 2014

مشهد

كان الموج يعلو ويهبط أمامه وكأن هناك عاصفة هادئة تداعب البحر

من خلف الأمواج كانت الجبال العالية

خلف الجبال يتربع القمر في هدوء على عرشه حول النجوم

حول النجوم تبدو المجرات والكواكب واضحة تماما بألوانها التي تصيبه بجنون الجمال

بين المجرات والكواكب كان هناك عصافير صغيرة تطير بين الأشجار والكواكب


  ثم أغلقت عينيها ونامت وأختفى العالم وكل شيء من حوله من حوله  

Saturday, March 29, 2014

أنا وهو


كنت معه في البداية عندما ولد , كنت عالقا وحيدا في ساعة بين ظلام الليل ونور النهار
كنت خائفا أو حيدا أو قلقلا ... أو منتظرا , أكنت منتظره؟ لست متأكدا
جاء ببطء أو جاء سريعا ,جاء وكأننا سويا منذ ولدت
سهرنا سويا تلك الليلة وكل ليلة , تغيرت وتغير هو
أصبح مني وأصبحت منه, صدقني وصدقته ولم نتردد مرة
تعاهدنا ...
مرت السنوات والشهور الأيام
كبرنا , لا لا بل كبرت أنا , وبقى هو كما هو
أو صغر
تغيرت وتغير ولم نصبح كما كنا , لم أصبح منه ولا هو مني
افترقنا .. ولكن بقى العهد
أبتعدت وأبتعد ولكن تظاهرنا بأننا كما كنا
تقابلنا ..
بكى وبكيت وتعاتبنا
سألته ولم يجيب وسألني ولم أقل كلمة
سهرنا في ليلة لم نعشها منذ أعوام
ابتعدنا كثيرا ,لم نعد كما كنا
نقترب كثيرا ,نقترب من أن تم عهدنا ولكن فجأة نكتشف لسنا هناك بعد
حتى وإن اختلفنا من أكون بدونه ومن هو بدوني
كان يلمع دائما ,حتى في النهار يلمع ,حتى أمام شمس أو خلفها يلمع ..
كنا دائما نسمع بأن هذا اللمعان ضار
لكن لم نبالي
مازالت أعرفه وهو يعرفني مهما اختلفنا وكبرنا أو صغرنا
أحيانا نحن إلى تلك الساعة بين النهار والليل ,لم أعرفه ولم يعرفني ولكننا كنا نفس الشخص





Monday, March 17, 2014

عن الوطن


"موطني             
الجلالُ والجمالُ      والسناءُ والبهاءُ                   في رُباكْ
والحياةُ والنجاةُ       والهناءُ والرجاءُ                  في هواك
هل أراكْ                         
سالماً منعَّما           وغانماً مكرَّما؟                  
هل أراكْ  في علاكْ             تبلغ السِّماكْ؟
                        موطني"
كلمات جميلة تتحدث عن الوطن , عن الأرض التي تغنى بها الشعراء وحاربت من أجلها الجيوش ,مات ومازال يموت الكثير من أجل تراب ذلك الوطن. تلك الكلمات لا تستطيع أن تربطها بوطن محدد فكل منا يرى فيها وطنه. كل منا يرى وطنه كبلد الجلال والجمال والسناء والبهاء ,فيها الحياة والنجاة والهناء والرجاء , ونتمنى أن نرى بلادنا سالمة منعمة وغانمة مكرمة ولكن هل يعني ذلك أن الحياة في وطننا فقط؟ بل بالسؤال الحقيقي أين أو ما هو الوطن؟
أظن بأن الإجابة التلقائية ستكون البلد التي ولدت بها أو على الأقل التي عشت فيها معظم ما مر من عمرك. الوطن ما تخرج من أجله الجيوش للحرب ويموت المئات وأحيانا الملايين من أجل الدفاع عن ترابه فالأرواح تموت والوطن يعيش وهي الفكرة التي لم أستطيع أن أفهمها في حياتي! كيف أن الأرواح تقارن بتراب! كيف تحارب من أجل خطوط رسمها الإنسان ونقتل بعضنا البعض من أجل الوطن!
دعنا نناقش الموضوع من جهة أخرى. تخيل شخص لم يعيش في أي بلد أكثر من عامين بسبب ظروف عمل أهله مثلا. هل يصبح ذلك الشخص بلا هوية ؟ بلا وطن؟ بلا جيش يدافع عنه؟ العجيب في الأمر هو أن كل منا لم يختار وطنه. العجيب أننا نقسم بعضنا البعض على مقياس ليس لنا أي تحكم فيه. فكرة الوطن جميلة في أنها تقرب أبناء البلد الواحد وبالطبع روح المنافسة ضرورية في كل شيء حتى بين أقطار العالم. ولكن هل من المعقول أن تصل روح المنافسة لأن تقضي على حقيقة كوننا جميعا بشر! أنا لم أفهم فكرة أنني من المفترض أن أتعامل بطريقة مختلفة مع شخص فقط لأننا نتشارك نفس الجنسية.
الوطن الذي أعرفه هو الوطن الذي نصنعه نحن لأنفسنا ونختار من يعيش فيه. أرض ذلك الوطن هو أي أرض تضمنا. فخطوط الحدود موجودة فقط على الورق الذي صنع بعد قتل أشجار الأرض التي يحاربون من أجلها!
بالطبع لا يوجد شخص عاقل يستطيع أن ينكر فكرة الوطن من الأصل. فهو شيء غريزي أن تشعر بالانتماء لمكان معين فحتى الحيوانات بعضها يهاجر من مكان ويعود إليه. ولكن الطائر يهاجر دون أن يقتل او يحارب ,نعم قد تجد فيه غريزة الدفاع عن بيته وصغاره لكن لن يهاجم من يعيش حوله. أما الإنسان فليس عنده هذا المنطق ,يظن أنه يملك الأرض مع أنه لا يملك أكثر من ورقة دفع فيها الكثير من المال لكي يشتري الأرض "قانونيا". من حق كل شخص أن يختار وطنه الذي ينتمي إليه ولا يعيش كشخص غريب له حقوق منقوصة. أنت تحب وطنك لأنه أرض العدل أو الحرية أو التاريخ أو القوة أو أي مكان ؟ ليس هناك مانع من أن تشارك أي من هذه الأشياء مع غيرك حتى لو لم يولد على هذه الأرض ولا يتحدث لغتك ولا يشبهك في الشكل أو الحركة أو التصرفات أو أي شيء ولكنكما تتشاركان في أن كلاكما بشريان وكلاكما أختار هذه الأرض كوطن يعيش عليه.
فلو مات الجميع سيعيش الوطن لمن ؟ التراب مكانه تحت الأقدام وليس فوق الرؤوس. لا أفهم الحروب من أجل أرض ولكني أفهم الحروب من أجل البشر. قد يتحمس الكثير لحرب دفاعا عن التراب الوطن ضد أي عدو فهذا هو السبب الوحيد الذي تخرج من أجلها الجيوش "التراب" ,المادة ,الجماد. قد يكون هناك وطن آخر لشخص آخر لا يختلف عنك كثيرا ولكنه لا يجد مكان ينام فيه أو وطن آخر لشخص آخر أيضا لا يختلف عنك في الكثير ولكنه في السجن لأنه أخطأ وطالب بحقوقه. الجيوش لا تتحرك من أجل ذلك أبدا , بل الجيوش للدفاع عن الحدود. المشكلة الحقيقة تكمن في التعصب لفكرة الوطن التي قد تجعلنا نتغاضى عن أي شيء طالما يحدث في أرض أخرى وكأن وطننا هو الوطن الوحيد. لا أتحدث هنا عن فقط عن الوحدة بين مثلا الأوطان العربية بل أتحدث عن العالم بكل بلاده. الأساس أننا بشر مهما انتمى كل منا لأي وطن ,عرق ,دين أو أي شيء سنظل جميعا بشر نتشارك الهواء والماء والشمس وحتى التراب الذي نحارب من اجله سنتشاركه جميعا. نحن من صنعنا الحدود والفوارق بين البلاد والبشر, نحن من أختار أن تكون الحروب من أجل أشياء بلا روح بدلا من أن تكون دفاعا عن الأرواح.
وطني أينما اخترت أن يكون كذلك. وطني أينما أجد البشر الذي يصنعونه ,الأهل أو الأصدقاء أو من أحب أو حتى أشخاص لا أعرفهم من الأساس ولكنهم يصنعون وطني الذي أحلم به. لن أريد أبدا أن أحارب من كل تراب الوطن ولكني على استعداد دائما أن أحارب من أجل من يعيش على تراب هذا الوطن أو أي وطن آخر. التراب باقي على الأرض مهما حدث ولكن البشر عمرهم محدود.

المقالة تم نشرها في مجلة AUCTIMES في الجامعة الأمريكية 
https://www.facebook.com/auctimes
https://twitter.com/AUCTimes