Friday, November 29, 2013

انعكاس


منذ ذلك اليوم وقرر ألا يقف أمام المرآة أبدا فهو لا يثق في الانعكاس الذي سيظهر له. عاش زمن يهرب من الحوائط ويمشي في وسط الشارع ولا يدخل أي بيت أبدا. عاش هكذا لأعوام طويلة حتى نسي شكله ونسي من يكون ومازال يمشي في وسط الشارع حتى فاجأته مرآة أمامه في الشارع. لم يستطع أن يتحرك أو يهرب أصابه الشلل من فرط المفاجئة. نظر بقوة في المرأة لكنه لم يرى شيئا على الإطلاق. وبدأ حوار عجيب مع المرآة ...
الإنسان: أين انعكاسي؟
المرآة: بل أسأل أين الأصل قبل أن تسأل عن الصورة
الإنسان: ما شاء الله مرآة فيلسوفه يبدو أنني لم أخطأ عندما قررت أن أهرب من أمثالك
المرآة: واضح أنك فشلت في مسعاك هذا
الإنسان: كيف وصلتي إلي ؟ كيف وصلتي إلى منتصف الطريق حيث لا حائط ولا بيت ولا أي شيء؟
المرآة: وهل تظن حقا بأنني جئت إليك وليس العكس
الإنسان: يبدوا أن ذكائك محدود ,أنا أهرب منك منذ أعوام لماذا فجأة أقرر أن آتي إليك؟ّ!
المرآة: لعلك تريد أن تعود
الإنسان: أعود إلى أين ولمن؟ أنا لا أعرف أحد ومكاني في منتصف الشارع
المرآة: هل تعرف أني أستطيع أن أريك أنعاكسها وهي تقف في الشارع الآخر
الإنسان: م م ماذا ؟ ماذا ؟ هل هذا معقول ؟ كيف ؟ ألا يجب توافر الأصل ؟
المرآة: يبدوا أن تعرف أشخاص في النهاية
الإنسان: من فضلك لا تعبثي معي أنا لا أتحمل
المرآة: وهل تعرف حقا إذا ما كنت تتحمل أم لا ؟ هل تعرف أصلا من تكون؟
الإنسان: نعم أعرف جيدا ولذلك قررت أن أهجر المرايا في هذا العالم
المرآة: هل هذا معناه أنك لا تخاف من أن اريك صورتك ؟
الإنسان: عدنا للألعاب من الجديد , من فضلك احترمي سنين عمري التي ضاعت في الهرب
المرآة: من قال أي شيء عن قلة الاحترام
الإنسان: حسنا حسنا كفى مزاح, أريني شكلي الآن مرت أعوام وأعوام وأنا أخاف من هذا اليوم
المرآة: يالك من إنسان ضعيف , أضعت عمرك في الهرب من لوح صغير لامع يشبه الزجاج ولا يريك غير حقيقتك!!
الإنسان: يالا وقاحتك!! من أنت حتى تتهميني بمثل هذه التهم ؟
المرآة: أنا أعرفك من يوم ما كنت تقف أمامي لتقول كلماتك وخطاباتك أمامي قبل أن تلعن الدنيا وما فيها وتقرر الهرب
الإنسان: من فضلك احترمي سرية ذكرياتي وأتركيني أهرب في سلام , أو أريني شكلي .. نعم ,, نعم أريني شكلي
المرآة: هل تريد صورتك أم صورتها ؟ أو صورتكما معا؟
الإنسان: أتمنى أن تحترقي الآن وتشاهدي أنعاكس النار وأنتي في وسطها
المرآة: كل هذا لأني أريد سعادتك؟
الإنسان: أنت تريد موتي هذه المرة , ألا يكفي أن هربت عمري كله!!
المرآة: حسنا حسنا , هل تريد أنت ترى ذلك الطفل ؟ الطفل الذي كان يقف في وسط الحقل ويصيح بأعلى صوته أن هذا الحقل ملكه وقريبا سيكون العالم كله ؟
الإنسان: كم أكره ذلك الطفل , كان أحمق لا يعرف حقيقة العالم , كان يقف أمامك ليلا ونهارا ينظر في عينيه ويتعمق كثيرا وكثيرا حتى يصل إلى أعماق النجوم والمجرات بل ويتعدى الزمن في انعكاساتك الخبيثة وفجأة يجد يغير كل شيء ويقوم بكل شيء ويطير في كل سماء وهو ينظر في انعكاس عينيه, حتى أصابه لعنتك وأصبح يخاف النظر ومن بعدها وهو يهرب لا يريد النجوم ولا المجرات ولا حتى الزمن ,,,, اتركيني في حالي الآن , اتركيني
المرآة: كان قرار أحمق , الطفل الذي كان يقف أمامي كنت أشعر بالخوف أمام نظراته أما أنت لا تقوى حتى على النظر في عينيك
الإنسان: فقط أصمتي واتركيني أهرب , أو أريني انعكاسي لا يهم
المرآة: بقى سؤال يريد إجابة , لماذا لا تستطيع أن ترى صورتك الآن؟
الإنسان: لا أعرف
المرآة: نعم لأنك أحمق, عد لأول إجابة أجبتك بها , أبحث عن الأصل أيها الأحمق



Saturday, November 9, 2013

قد تحن إلى الماضي

تمر الأيام لتثبت لك أن تغير هو الأشياء هو الثابت الوحيد في معادلة الحياة على هذه الأرض. العمر يمر , الشمس تشرق وتغرب , السحاب يتحرك, حتى الأرض نفسها يتغير شكلها , النفوس تتبدل , التفكير يختلف, حتى الكواكب الهائلة ليست ثابتة في مكانها. تتبدل أيام الإنسان وأحواله وبالطبع يأتي يوم يشعر فيه الإنسان بأن الحالة التي وصل إليها هي أفضل حالة أو بكلمات أخرى يشعر أنه قد وصل إلى قمة السعادة فيتمنى المستحيل , يتمنى أن يخالف الشيء الثابت , يتمنى أو يوقف حركة الكون ويمنع أي شيء من أن يتغير. هو ينسى حقيقة واضحة وهي أن لولا حقيقة التغيير لما وصل إلى ما هو فيه, فهو لم يصل إلى سعادته إلا بعد أن تبدلت حالته من حالة سيئة _في وجهة نظرة_ إلى حالة أفضل. لكن بهذا المنطق سيكون الإنسان فريسة الواقع وعليه أن يسلم ويرفع الراية البيضاء لأنه لا يستطيع أن يواجه التغيير. تخيل معي لو ان هناك قطار سريع أن تريد اللحاق به من الممكن أن تقف أمامه وتتمنى أن يتوقف أو تقف في مكان مر به وتتمنى أن يكون القطار في كلا الحالتين أن تنسى حقيقة حركة القطار الثابتة , عليك ان تواجه الحركة بحركة , أن تواجه التغيير بتغيير. أن يتحرك القطار عليك أن تركب سيارتك وتنطلق بأقصى سرعة. عندما تتغير الأيام وتتبدل الأحوال على الإنسان أن يتغير ويتبدل بسرعة توازي سرعة الأيام. كل ما في الأرض يثبت هذه الحقيقة, فالنباتات لا تموت في الليل عندما تختفي الشمس بل تتغير وفقا للواقع بدون أن تمس بكيانها ووظائفها , تتغير بنفس السرعة التي تختفي بها الشمس لكي تحافظ على الحالة التي تريد أن يكون عليها , لكي تحافظ على الحياة.

قد تحن إلى الماضي وتحن إلى تلك الليلة التي قضيتها منتشيا من فرط السعادة بعد نجاحك في ذلك الشيء الذي ظننت أنه من المستحيل النجاح فيه. تخيل لو أنك تستطيع فعلا أن تعود إلى ذلك اليوم , ستصاب بخيبة أمل كبيرة , فالسعادة الحقيقة كانت في الليالي التي سبقت هذه الليلة , كانت في الليالي التي كانت تمر وأنت ليس لديك أي دليل على نجاحك غير ذلك الشعور داخلك , السعادة كانت في كل خطوة تمر بها وكل اكتشاف وتحدي جديد ,السعادة كانت في أيام تشعر وكأنك لست متأكد من أي شيء غير أنك تريد أن تحقق كل شيء. حقيقة الحنين إلى الماضي , هو ليس حنين إلى ساعة معينة ولا يوم معين ولكنه حنين إلى شعور كامل وحياة كاملة , أنت في يدك أن تعيدها ولكن في صورة جديدة في حياتك الآن. 

Wednesday, October 9, 2013

قضية اللون الأبيض


أستيقظ العالم على خبر غريب من نوعه فاللون الأبيض قرر الرحيل عن كوكب الأرض وأنه سيختفي من كل مكان. كان ذلك أول تصريح للون الأبيض يقول فيه هذا الرأي العجيب. على فور انعقد اجتماع رفيع المستوى في مقر الأمم المتحدة لكي يناقشوا هذه القضية العجيبة والإجراءات التي يجب أتابعاها لكي يوقفوا ذلك اللون المجنون. انتهى الاجتماع بأنه سيذهب وفد يمثل البشرية اجمع لكي يناقش اللون الأبيض ويحاول أن بثنيه عن قراره ولكن كان هذا الفعل بدون فائدة فيبدوا أن قرار اللون الأبيض كان نهائي وقاطع.
لم  يترك اللون الأبيض الأرض دون وداع ولكنه كتب رسالة طويلة يوجهها لكل البشر. كان مفاد الرسالة هو أنه كان سعيد بالفترة التي قضاها على الأرض وأنه عاش سنوات طويلة كرمز للسعادة والأمل والتفاؤل ولكنه لم يعد له وظيفة بعد الآن فيبدو أن البشر لا يريدون غير اللون الأحمر والأسود وأنه لا يحتمل أن يعيش كاللون من الدرجة الثالثة. وأكمل رسالته بأنه سيذهب إلى القمر وسيجعله تمام البياض ويلمع في الفضاء كل ليلة لكي يذكر البشر بما خطأهم تجاهه لعلهم يشعروا بما فعلوا ولكن للأسف بعد فوات الأوان. وأنهى رسالته بأنه سيترك للون الأخضر مهمة تمثيل التفاؤل والخير وأن قراره ليس فيه أي رجعة وسيبدأ رحلته في الليل وغدا صباحا لن يكون هناك لون أبيض أبدا غير في القمر في السماء بعيد كل البعد عن البشر.
كان الصباح التالي كئيب بطريقة لا تطاق السماء كانت داكنة وضوء الشمس داكن ولا شيء يلمع كل شيء يبدوا كئيب وكأنه الأرض ماتت. خرج العديد من الناس في التلفزيون والجرائد يقولون بأن البشر لن يتأثروا بذلك وأن كل شيء سيكون طبيعي عندما يعتادوا على الحياة بدون اللون الأبيض لكن الموضوع لم يكن بهذه البساطة. حدثت مشاكل دبلوماسية بين الدول وبعضها عندما اختفى اللون الأبيض من علم كل دولة وأصبحت هناك حروب وشيكة بسبب ذلك الأمر. أعتزل كثير من الفنانين عملهم فلم يعد هناك معنى لأي شيء جميل بدون اللون الأبيض لا بحر ولا السماء ولا الطبيعة , كل شيء غير واضح بدون اللون الأبيض. مع الوقت تغير حال البشر أصبح الليل يعني الأمل والحياة , فالليل هو الوقت الوحيد الذي يروا فيها اللون الأبيض يلمع بعيدا في تألق وروعة. ينظر إليه كل شخص وكأنه حبيبته التي تاهت منه منذ مائة عام ووجدها تجلس على قمة القمر, ينظروا للقمر نظرة الأم التي ذهب أبنها للحرب وظنت أنه لن يعود أبدا وبعد الحرب بأعوام وجدته ينظر لها من شباك صغير في القمر. كهذا كان القمر كان يحرك القلوب والعقول والخيال وأيضا الضمير , فالندم يعصر القلوب الآن , كل بشري الآن يتمنى لو أنه لم يجرح الآخر جرح صغير ولم يرى ذلك اللون الأحمر القبيح , كل شخص الآن يتمنى لو أنه لم يجعل حياة أخيه سوداء فالسواد الآن أسوأ من الموت ذاته , كل شخص يتمنى لو أن له فرصة أخرى لجعل كل شيء أبيض.
مرت أعوام وظن الجميع أن البشر سيهلكون من الكئابة لا محال وتساءل الكثير لماذا لا تتحرك بقية الألوان لكي يستأذنوا اللون الأبيض في أن يعود ولو حتى يوم واحد كل أسبوع. راقت هذه الفكرة لكثير من الناس حول العالم وظنوا بأن هناك أمل في عودة اللون الأبيض وتفاءل الكثير بأن اللون الأخضر أو الرمادي سيتحرك لأنهم الأمل الآن بعد ذهاب اللون الأبيض...
وصلت هذه الأخبار للون الأبيض في قمره البعيد وكان بالفعل ينتظر أن يأتي له أي لون لكي يقنعه بالعودة وكان ينتظر كما أنتظر البشر أن يأتي الأخضر أو الرمادي , لكنه تفاجئ بشيء عجيب تفاجئ بأن أحدهم كان يطير بجانبه طول الوقت منذ حياته على الأرض إلى تلك اللحظة إنه اللون الأسود!!
قال الأسود للأبيض أنا أعلم كم هي دهشتك الآن أنني أنا من يتحدث إليك, نعم أنا اللون الأسود جئت إليك أنت اللون الأبيض أدعوك أتعود للأرض... قبل أن تقول أي شيء أسمع ما أقول لك..
أنت لا تعرف ما حقيقة ما فعلت , صدقني أنا .. أنت تكون مع العروس في فستانها الجميل , ولكني أكون معاها عندما تكون أم فقدت أبنها أو زوجة فقدت زوجها , هي تبحث الآن عن لون أبيض في أي شيء ولا ترى إلا اللون الأحمر وأنا !!
أنت حرمت كل شخص من أهم حق, حق الاستسلام, لم يعد هناك رايات بيضاء, كل معركة الآن تنتهي باللون الأحمر وأنا!!
لقد حرمت كل إنسان سقط في حفرة الليل أن يخرج إلى النهار , لقد تركت لي هم كبير لا أستطيع احتماله أنا أسهر دائما مع دموع البشر مع همومهم , مع قلب الحبيب وهو ينتظر محبوبته , مع الأب الذي يحاول أن يدعي أنه مازال يعي ما يحدث حوله وهو ينتظر أبنه المسافر منذ أعوام , أنتظر مع الحالم أن يتحقق حلمه , أمسك بيد روح كل بشري حتى لا أفتك بها في ظلمة الليل , أعطي الأمل بأنني سأهرب بمجرد مجيئك وأنه عليه فقط أن ينتظر , أقول لليل ألا يقسو على البشر لأن النهار ببياضه سيأتي عما قليل وعندها سيكون قاسي على كلانا ...
لقد تركتني الآن أعاني و أعاني أنا كنت أحب عملي كثير , نعم فأنا أحتضن كل شخص في أحزانه , أحتضنه وهو يحترق من الداخل , أحتضنه وهو يظن بأن العالم انتهى وأن الحياة ليس لها معنى بعد الآن , احتضنته وأضمه بشدة لكي يبكي ويبكي دون أن يتوقف و أنا أعلم بأنك ستأتي في الوقت المناسب لكي تجعلني أذهب في هدوء وتمسح الدموع وتجعلهم يقفوا على أرجلهم من جديد..
أنا ادعوك الآن لكي تعود لأني لا تحمل هذه المهمة بعد الآن !!
حدث شيء عجيب لثواني , كل لون أسود في كل مكان أصبح أبيض لامع يفوق الخيال, وعاد كل شيء لطبيعته وجماله المعتاد وعاد الأبيض والأسود إلى عملهم في انسجام تام , ولكن هل يرضى اللون الأحمر بذلك ؟!


Monday, October 7, 2013

النجم يتألم




يلمع في الفضاء في هدوء تام. ضوءه لا ينقطع ويعطي معنى مختلف لليل ...
المشهد الأول ,زوجان يجلسان على الشاطئ في منتصف الليل والموج الأبيض يظهر فجأة ويختفي في سواد الماء. الزوج ينظر لزوجته ويخبرها كيف أن حبه لها مثل حب هذا النجم للنور فبدونه هو ولا شيء , لا يمكنك أن تفرقي حقا بين النور والنجم , النجم والنور , كهذا أنت بالنسبة لي. إذا جاء الوقت واختفى النور فتأكدي بأني سأذبل وأنفجر , سأرسل للفضاء بأكمله بأن النور قد ذهب وبأن حياتي انتهت. حبي ليس كقمر أو كوكب يحتاج للشمس لكي تجعله يلمع ولكنه حب دائم بدوام النور.. أنتي كنور ذلك النجم الجميع يهتدي به لكن من يحاول أن يسجنه يحترق ... من يحاول أن يقترب منه عليه أن يتحمل ذلك الألم في سعادة ... تتحرك الزوجة لكي ترد على كلماته ولكنه يمنعها في هدوء ويقول لها, دعينا نشاهد النجوم فأنت لكي نجوم السماء وأنا لي نجمتي على الأرض ...
مشهد آخر لرجل في الصحراء بعد دقيقة من منتصف الليل. الرجل يبحث في السماء كالمجنون عن النجمة التي يعرفها ,عن النجمة التي تقف فوق وطنه. ينظر يمين ويسار ولا يرى سوى القمر ويبدو وكأنه شخص ما قد دمره أو هو فقط الزمن يفعل فعلته كما في كل شيء. بدأ يفقد الأمل , بدأ نور النجمة التي يعرفها يتلاشى من عينيه وقلبه والجزء المسروق من القمر بدأ تمدد ومع الوقت تحول القمر إلى هلال رفيع. هو الموت إذا لا محال , فيبدو أن القمر أصبح هلال لكي يعطيه تحية أخيرة أو بالأحرى درس في الحياة أن حتى القمر لا يهرب من الزمن. بقى خيط رفيع جدا من القمر, عندها شعر بكره غريب للنور وللنجوم ولكل شيء يلمع في السماء فحتى القمر لم يقدر على أن يقف في هدوء في السماء يسانده في تلك الليلة الظلماء.. ولكن يبدو بأن القمر كان يريد شيء آخر باختفاء الخيط الأخير من القمر ظهرت نجمة الوطن وسط الظلام التام...
مشهد ثالث لطفلان يجلسان بعد ميعاد نومهم بكثير فنحن في الدقيقة الثالثة من منتصف الليل , الطفلان يجلسان في دفء حجرتهما وينظران من الشباك إلى السماء المظلمة. أحد الطفلين يسأل الآخر هل تعرف لماذا هذا النجم يلمع هناك ؟ ويشير بقوة بأصبعه الصغير إلى نجم معين في السماء. فيرد عليه الآخر بحكمة الأطفال الكبار , النجم يلمع لأنه يمتلك الكثير من النور وهو يكره الظلام جدا فهو يريد أن يصبح الكون كله مضيء. فيقول الأول أنا أحب النجوم كثيرا , كم أتمنى أن يكون كل شيء في العالم مثل النجوم عندها لن أخاف أن أغلق باب الغرفة...

مشهد أخير , الدقيقة اللانهائية قبل و بعد منتصف الليل , النجم في الفضاء الواسع المظلم يقف وحيدا , لا تصل إليه نظرات المحبين ولا التائهين ولا حتى نظرات الأطفال البريئة. لا يشعر بالوقت ولا بأي شيء , فهو فقط يشعر بالظلام ويحاول أن يرسل أشارات استغاثة لأي عابر بأن يأتي وينقذه ولكن لا أحد يستجيب , فالكواكب تكتفي بأن تعكس أشاراته إلى كواكب أخرى وباقي النجوم تقف بعيدة مكتوفة الأيدي وترسل رسائل مشابه لرسائله , الوقت لا يمر , الظلام وحده هو الحقيقة الآن.  فجأة شعر بأن دقيقة مرت و أن هناك مشاعر شخصين جاءت متلاحمة , فجأة شعر بدقيقة أخرى وشعر بشخص يجد ضالته ومرت الثلاثة وشعر لأول مرة بصفاء النور الذي يرسله , شعر بأن الوقت الذي يمر وبأن حقيقة وجوده هي عكس الظلام تماما و بأنه لا يحتاج أكثر من يعيش ... 

Sunday, August 11, 2013

لو في حد لسه بيتابع هنا في حاجة كويسة ان شاء الله هتكون على اخر الصيف لو حد حابب يقرا يعني  :)

Thursday, July 4, 2013

يوم جديد


استيقظت من نومها على صوت الشارع يعلو من خلال شباكها الكبير, نظرت إلى الساعة في هتافها بجانب السرير و رأت التاريخ مكتوب على الشاشة فقالت لنفسها بصوت هادئ يخلو من أي مشاعر "يوم جديد إذا يا هند". توجهت هند نحو الشباك وكالعادة فاجئها ضوء الشمس ودخل بقوة إلي عينيها التي مازالت آثر النوم واضحة عليها لكن هذا لم يمنعها من تقلب نظرها في وجوه الناس و تتخيل قصص _قد تكون حقيقة_ لهموم هؤلاء الناس ,فقط من خلال تأملها لنظرات أعينهم وحركتهم.  انتهت من تأملاتها الصباحية عندما سمعت "يا هند" من أمها و الصوت يأتي من المطبخ. غسلت وجهها بماء بارد لعل البرودة تتسرب إلى داخلها وتوقف تصارع الأفكار بداخلها. توجهت إلى أمها وقامت بتقبيل رأسها وأخذت دورها في إعداد الإفطار. دار الحديث بينها وبين أمها في كل أمور الحياة كعادتها, وكما توقعت أنتهي الحديث بذكر أسم أبن عمها وكيف أن أي بنت تتمنى أن تكون عروس له. تركت هند السلطة التي كانت انتهت من إعدادها لتوها و حضت أمها وقبلتها على رأسها وقالت في أذنها وهي تبتسم "لن أكون أبدا واحدة منهم, و أنا على أي حال لا يشغلني الزواج الآن". قالت ذلك وهي ليست على يقين من النصف الثاني من الجملة لكنها على أي حال متأكدة من نصفها الأول. ابتسمت الأم وكانت تشعر بالفخر بأن أبنتها كبرت وأن لها رأيها الخاص في زواج وحاولت أن تخفي ابتسامة الفخر في جملة عتاب مازحة. نادت هند أختها الصغيرة و أبيها و اجتمعوا على مائدة الغذاء وانقطعت هند عن العالم بعد أن دخلت الأسرة في حوار مشترك و صوت التلفزيون مع صوتهم يمثل أفضل غطاء لسفرها في عالم أفكارها العميق. عادت للمائدة مرة على نداء أمها " يا هند , هل انتهيت من طعامك ؟ أختك تريد أن تجمع الأطباق". أشارت برأسها أنها انتهت فهي على أي حال لا تشعر برغبة كبيرة في الأكل. عادت لغرفتها و حاولت أن تنسى أفكارها بأن تقوم بشيء اعتادت عليه وهو أن تجمع قصاصات ورق من مجلات و جرائد جديدة و قديمة, مقالات أو صور وتعلقها على جدار خاص في غرفتها. لكن يبدو أن عقلها لا يريد أن يستسلم بسهولة فيبدو أن جميع القصاصات تعيدها إلى ذلك اليوم الذي تهرب منه منذ أن استيقظت من نومها. يبدو أن جزء منها مازال يعيش ذلك اليوم مرارا وتكرارا فقد عقلها يدرك الحقيقة بكل صعوبة عندما تنظر إلى التاريخ وتعلم أنه جاء يوم جديد. تحاول أن تقنع نفسها أن ما مضى مضى ولكن هيهات أن تسمع أذنها و التي انغلقت منذ ذلك اليوم حتى لا تسمع صوت آخر أو عينيها التي لا تريد أن ترى غير ذلك الحلم الذي أصبح من الصعب رؤيته أو بالطبع قبلها الذي تمرد على كل شيء كانت تؤمن به  وأصبح له منهجه الخاص في الحياة. علقت القصاصات في صمت على الجدار وتركتها وعادت إلى الشباك وجدت الشمس قد تحركت من مكانها, يبدو أن الوقت مر بدون أن تشعر. عادت إلى عيون الناس وهمومهم, وتعجبت كيف أنها لم تفهم هذه العيون وهمومها من قبل و كأنه أنكشف لها سر من أسرار الحياة. اختفت الشمس من السماء تماما معلنة بداية حياة جديدة , بداية الليل, أغلقت الشباك و أمسكت هاتفها و لم تحتاج أن تبحث كثيرا عن رقم صديقتها التي لا تتوقف عن الحديث معها , مرت ساعة من الحديث قبل أن يبدءوا في مراسم انتهاء المكالمة ويتأكدوا من أنه ليس هناك أي شيء لم يتناولوه بكامل تفاصيله. انتهت المكالمة وخرجت هند من غرفتها خوفا من أن تعود أفكارها لها وجلست قليلا مع أسرتها أمام التليفزيون الذي لم يمنعها من أن تعود إلى كل شيء تهرب منه. أمسكت بهاتفها قليلا لكي تتحدث مع أصدقها عن أي شيء و مر الوقت وهي تتحدث مع الأصدقاء و تعلم كل ما هو جديد عند أصدقاءها أو في العالم كله ولكن كل حين تعود إليها أفكارها و كأن فجأة ستظهر لها رسالة من بين رسائل أصدقائها تعيد ترتيب ما دمره إعصار الأفكار. شعرت هند بالتعب وذهبت للشباك من أجل نظرة أخيرة قبل النوم فوجدت القمر يشق الظلام بكل تحدي و يقف في وسط السماء يرسل نوره في كل مكان , نظرت إلى قمر و تخليت همومه و كأنه شخص مثل سكان الشارع الذي تتخيل همومهم يوميا, تخليت القمر شخص طبيعي مثلها يقف في الظلام ونوره الذي يضيء كل مكان هو صوته الذي ينادي به ,فالقمر لم يكن وحيد طول الوقت بل كان هناك نجوم تلمع وتتألق حوله و هو يقف بينهم في كل فخر و منذ أن اختفت النجوم و هو ينادي بضوئه هذا في السماء المظلمة لعل النجوم تعود و ييئس بعد شهر و يختفي ويترك السماء مظلمة ولكن يأسه يختفي وبعود ينادي بضوئه وبعد شهر ييئس و يعود و هكذا.... حتى نظرت هي إليه و قالت بصوتها الهادئ "هون عليك يا قمر إن كانت النجوم تركتك وحيدا في السماء فأنا لن أتركك أبدا و أنت لن تفعل أيضا , أليس كذلك؟" ولكن صوتها لم يصل إلى القمر المضيء البعيد و ذهبت إلى سريرها ونامت مع أفكارها التي لا تنام و في الصباح استيقظت ونظرت إلى التاريخ الذي تغير و قالت بنفس الصوت الهادي "يوم جديد إذا يا هند...".


Monday, July 1, 2013

يوم غريب

يوما ما ستخطئ طريق العودة للبيت. ستتوه عن الطريق إلى مدينتك , أهو يمين أم يسار , أهو ذلك الطريق الفرعي أم الطريق الأخر. ليالي و ليالي حتى تصل للمدينة. ستبدو الشوارع غير الشوارع التي كنت تعرفها , ستبدو البيوت غير البيوت , الناس غير الناس. ستتساءل هل مرت الأيام بهذه السرعة و تغيرت البيوت و الشوارع والناس ؟ أم أنها هي الذاكرة تخونك ؟ ستطاردك الأسئلة كما تطاردك الوجوه الغريبة من حولك. سيبدو البيت ابعد ما يمكن ما انك من المفترض في المكان صحيح. عندها أرجع على نفس الخطوات التي سرت عليها طوال السنوات السابقة فمدينتك تركتها في الماضي ولن تستطيع ان تعود اليها في الوقت الحاضر...  

Friday, June 7, 2013

عندما اختفت الشمس



مر الآن 10 سنوات على آخر ظهور للشمس, قليل من يتذكر الآن ذلك اليوم, كأنه حدث منذ 1000 عام وليس عشرة. منذ عشر سنوات أشرقت الشمس كأي يوم عادي بالطبع لم يشعر أي شخص بأن هناك شيء غريب فالشمس تشرق كل اليوم ما الجديد !! مر ساعات ذلك اليوم و جاء وقت الغروب وبالطبع لم يعلم أحد بأن هذا آخر يوم تضيء فيه الشمس الأرض. كانت صدمة كبيرة للعالم في الأيام التالية لهذا الحدث عندما لم تظهر الشمس في السماء و كان تركيز العالم كله على أن تدوم الحياة فوق الأرض فتوالت الاختراعات من مصادر للأكسجين أو مصادر غذاء غير النباتات و اختراعات هائلة عالمية لكي تحافظ على الأرض في موقعها في الفضاء حتى لا تتعرض لأي خطر, وحاول العلماء و رجال الدولة أن يعوضوا نور الشمس  بشاشات عملاقة تعلق في الشوارع و لكن مع الوقت وزيادة استهلاك الكهرباء أصبحت الشوارع تميل للظلام , فقط مصابيح صغيرة معلقة في الشوارع.أصبح الإنسان وحيدا على الأرض فالنباتات لم تنجو رغم الاختراعات الحديثة فالنباتات ليس لها غنى عن الشمس و  شعر الإنسان بالتهديد من حيوانات و خصوصا أن موارد الأرض بدأت تقل وفي تصرف بشري قبيح فقاموا بقتل الحيوانات بدون أن يهتموا بالحفاظ عليها و كأن الإنسان له الحق في أن يسيطر على الأرض. ومع الوقت أصبح نظر البشر ضعيف ولا يستطيع أن يميز بين الغذاء الغريب المخترع حديثا وأي أداة أخرى موجودة فظهرت نظارة جديدة ليس بها أي ألوان أو أي شيء فقط تميز له بين الغذاء و بين الأشياء التي يملكها و تجعله يسير في طريقه بدون أن يتخبط في الطريق. في عصر كهذا سيطرت شهوات البشر على حياتهم بالكامل فهم قتلوا الحيوانات و كأنهم يأخذون مكانه على الأرض, و أصبحت حياتهم عبارة عن طعام و نوم فقط و العلاقات بين البشر كأنهم الآلات و الزواج و الحب بين الرجل و المرأة كأنه واجب لابد قضائه. بالطبع اختفت كلمة "الجمال" في هذا العصر, لم تعد هناك وألوان أو نور بأي شكل من الأشكال ببساطة أصبح كل شيء كئيب وقبيح.
بمرور الوقت أصبح البشر يعيشون في قرى صغيرة محدودة بها قليل من الموارد و الآلات التي تضمن حياتهم و باقي الأرض صحراء مظلمة لا يعيش بها غير الموت! في وسط هذه الصحراء وعلى أطراف مدينة كانت تعيش في بيت صغير فتاة في بداية الثلاثينيات من عمرها , كانت تخرجت حديثا عندما اختفت الشمس و كانت تدرس علم النباتات و بعد الظروف الجديدة تحتم عليها أن تدرس علم جديد و هو علم "بدائل الشمس".استطاعت خلال الخمس سنوات الأولى من الكارثة بمساعدة عدد كبير من العلماء أن تصنع نظام متكامل لها في بيتها فكان عندها نباتات تأكل منها و مصابيح صغيرة تضيء لها البيت , المشكلة في هذا النظام انه يحتاج إلى اهتمام يومي كثير و تطبيقه على مستوى كبير شبه مستحيل و بالطبع لم يعد أحد يهتم بالنباتات ولا النور فالنظارات الحديثة أغنتهم عن كل ذلك. لكن هذه الفتاة كانت الألوان و الطبيعة هي كل شيء في حياتها فلم يكن لها أن تستسلم بسهولة و تترك الشمس تختفي وتأخذ معها النور والألوان و الطبيعة و لكنها ستقف و تموت من أجلهم.
فقد الجميع كل أنواع الاهتمام و الاشتياق إلى الطبيعة و الألوان فقط انصب اهتمامهم على الطعام و أن يبقوا على قيد الحياة و الغريب في الأمر أن الكل فقد الأمل في اليوم الأول و كأن الشمس لم تكن. ولكن فتاتنا على العكس تماما, فالشمس كانت كل شيء بالنسبة لها, كانت هي الصديق والنور والألوان التي سرقت قبلها على مدار الأعوام, الشمس هي الطبيعة بخضارها و ألوانها الزاهية, الشمس بنورها الأبيض الذي ينشر الدفيء في قبلها وكأنه أعز الأشخاص عليها.اعتادت الفتاة منذ أن كانت طفلة أن تذهب إلى مكان في المدينة مليء بالأشجار و تجلس على الأرض و ترسم غروب الشمس بألوانه الخلابة, كانت تلك هوايتها الخاصة التي طورتها على مدار الأعوام. كان عندها مئات الرسومات والتي تزين جدران بيتها الآن. أصبحت الشمس أعز أصدقائها فبل أن تتم رسمتها كانت تحكي لها كل شيء عما حدث لها في يومها و عما تنوي القيام به  و حتى الطعام شاركت الشمس فيه فكانت لا تتناول الطعام إلا في موقعها هذا. عندما اختفت الشمس تمسكت بكل رسمه قامت برسمها و كانت تقف أمام رسوماتها كل يوم في نفس الوقت تحاول أن تستعيد صديقها و الذكريات التي كانت بينهم.

بمرور الأيام بدأت تشعر بأن الحفاظ على النظام الخاص بها أصبح صعبا جدا و خصوصا أنها بمفردها و بالرغم من تعلقها و عشقها للشمس بدأ اليأس يتسرب لقلبها و لكنها لم تفقد الأمل أبدا. أكثر شيء أقلقها بأنه إذا فشل النظام سيضيع كل الشيء الألوان, الطبيعة, النور و ستتحول إلى كائن بشري بحت يبحث عن شهواته فقط مثل باقي البشر في ذلك الوقت و بالنسبة لها الموت أهون لها على أن تعيش هذه الحياة. لم أمامها كثير من الاختيارات فهي إن بقت في بيتها الصغير, أيام و سيفشل النظام و تبقى في ظلام تام تنتظر الموت. بعد تفكير طويل قررت بأنها ستأخذ صديقها معها , ستأخذ الرسومات الخاصة بالشمس بألوانه الخلابة و تذهب إلى المدينة حيث الجمال و الألوان كلمات ليس لها أي معنى. كان معها مصباحين أحدهم يكفي أن ينير لها الطريق و الآخر يكفي أن يبقى لعدد قليل من الساعات. أخذت تتأمل الرسومات طويلا قبل أن تذهب و تتذكر كيف كان منظر الشمس و هي ترسل نورها في كل مكان و يكفي أن يجعلها في قمة السعادة فكانت تشعر بأنها وجدت صديق كانت تبحث عنه طول حياتها و هو موجود معها كل يوم. بدأت الفتاة رحلتها إلى المدينة و منظر الشمس يدور في رأسها. وصلت إلى المدينة بعد رحلة شاقة في الصحراء تخللها كثير من الأفكار والذكريات, وجدت الفتاة المدينة كما توقعت الضوء قليل جدا و المدينة قبيحة. آمنت بأن هذه هي نهاية كل شيء نهاية الجمال و الألوان و نهاية حياتها. اختارت حائط في شارع من شوارع المدينة وعلقت عليه رسوماتها و هي تغالب دموعها , الآن فقط تشعر بأن فقدت صديقها , عندما اختفت الألوان و الجمال من على الأرض. علقت جميع الرسومات على الحائط وسلطت المصباح الوحيد الذي تملكه على الرسومات. كان متبقي معها قليل من الطعام تناولت وجبة سريعة ونامت على الرصيف أمام الحائط.  نامت بينا أمل وذكريات الماضي و يأس الحاضر و رأت في منامها الشمس كما كانت من قبل بأشعتها البيضاء الجميلة و لكنها رأتها تبكي و الأمطار تغرق الأرض , حاولت أن تجري نحوها ولكنها تفاجئت أن الشمس سقطت فجأة من السماء وأصبحت الأرض في ظلام دامس. استيقظت والدموع تجري على خديها وبدأت تفقد النور المتبقي من أشعة الشمس بداخلها , فكل الأمل و الأفكار و الذكريات بدأ اليأس يحل محلهم , كانت تشعر بأنها لا تستطيع أن تمسك الفرشة و الألوان بعد الآن والأسوأ أن الطعام قد نفذ!! في محاولة يائسة منها جعلت المصباح الذي كان معها ينير لوحها المعلقة على الحائط على أشد ما يمكن و كأنها تريد أن تستعيد صديقها ولو حتى للحظات قليلة. تأملت اللوح لدقائق قبل أن يغلبها التعب و اليأس و تغلق عينيها ببطء... فجأة استيقظت على صوت غريب, صوت زقزقة عصافير !! هي لم تسمع ذلك الصوت منذ سبع سنوات على الأقل , قامت من نومها وحركت الضوء القليل المتبقي من المصباح ناحية الصوت , وجدت مجموعة من البشر يتحركون نحوها. شعرت بالخوف ,بالتأكيد هذه هي نهايتها فهم رأوا الضوء و سيأتون نحوها ليأخذوا منها أي طعام أو مصباح. استسلمت الفتاة فهي في كل الأحوال كانت يئست من أن تعود الشمس أو أن ترى الألوان أو أي شيء جميل من جديد ... و عندما اقتربت مجموعة البشر وجدت أنهم مثلها تماما ولكن لكل شخص قصته فواحد يحمل معه صور كان يلتقطها بكاميراته الخاصة وآخر استطاع أن يحمي مجموعة من العصافير ذات الألوان الرائعة , كل منهم يحاول أن يحتفظ بنور الشمس الأبيض داخله بطريقته , كل منهم مازال يرى الأرض خضراء جميلة واسعة في خياله. كل واحد منهم يضمن بقاء الحلم عند الآخر, عندما يضعف النور عند واحد منهم يعطيه الأخر من نوره.  الشمس لم تشرق من جديد ولا أحد يعلم متى ستشرق وإذا كانت ستشرق أم لا , ولكن فتاتنا تأكدت من أن حلمها لن يموت أبدا و أنها لن تفقد صديقها أبدا , نور الشمس لن يختفي أبدا فهو يعيش بداخلها و بداخل كل رسمه رسمتها و كل نظرة نحو الطبيعة نظرتها من قبل. الشمس اختفت منذ عشر سنوات لكنها مازالت تشرق كل يوم في معادها وتغرب في معادها دون أن تتأخر دقيقة واحدة , مازالت الألوان الرائعة تتألق في البساتين و العصافير تلعب بين الشجر و الحيوانات كما كانت تجري في كل مكان دون خوف كل ذلك في تناغم بين الأصوات و الألوان الجميلة  , مازال النور الأبيض ينير كل شبر على الأرض , مازالت الشمس الصديق والدفء داخل قلب الفتاة و قلب هؤلاء البشر, الشمس لن تموت أبدا حتى لو كانت بعيدة كل البعد عنا ...... 

Saturday, June 1, 2013

يوم كامل




استيقظ من نومه على ضوء الشمس يداعب عينيه و قام من سريره نشيطا بعد نال قسطا جيدا من الراحة. استحم سريعا و تناول إفطاره في الحديقة و هو يقرأ الجريدة الصباحية ثم ارتدى ملابس قطنية خفيفة تناسب ذلك الجو الحار. اخذ قليلا من الوقت لكي يختار كتاب مناسب و في النهاية وقع اختياره على رواية لكتابه المفضل و أخذ الكتاب و هو يبتسم. خرج من منزله وسحبته الرياح الخفيفة و راحة البحر نحو الشاطئ. اتخذ مكان بالقرب من البحر ووضع رجليه في الرمال و اخذ يقرأ الرواية التي اختاراها. بالرغم من حرارة الجو لم يستطيع أن يقاوم حبه للشاي فطلب كوبا من الشاي بعد أن تأكد من الرجل سيقوم بأعداده كما يريد تماما. اخذ يتأمل في ضوء الشمس يلمع فوق الماء ويشاهد البحر وحركته المستمرة. دائما ما يجذبه البحر فهو بالنسبة له ليس جماد ولا حتى مجرد شخص بل هو صديق مقرب. ترك صديقه لدقائق وجلس يشاهد الأطفال والناس كيف أن كل منهم يرى صديقه البحر بشكل مختلف ولكن هذا لم يغير رؤيته ناحية البحر. عاد من جديد لكتابه و اندمج في القراءة وبجانبه كوب الشاي و من حوله البحر برائحته و رياحه. للحظة كل شيء يبدوا كاملا ... ترك الكتاب و نظر من جديد للبحر يحاول أن يبحث عن إجابة لسؤال دار بداخله عند صديقه المقرب  , انتظر وقت طويل دون أي إجابة , هو أساسا ليس متأكدا من سؤاله. هو يعلم تمام العلم أن هناك خطب ما , عندما استيقظ من نومه كان هناك شعور آخر غير شعور الراحة الذي يعرفه , تذكر وهو يتردي ملابسه كان يشعر بأن هناك شيء نسيه , وهو يختار الكتاب كان يشعر بأن هناك شيء ناقص. تذكر أنه طلب كوبين من الشاي و ليس كوبا واحدا... ولكنه نظر ووجد كوب الشاي موضوع وحيدا على الكرسي الآخر كما تركه. نظر حوله مرة أخرى ولكنه وجد بان وجوه الناس غريبة عنه وبقى وحيدا مع كرسيه. تذكر بأن الشيء الوحيد الذي كاد أن يجعل من يومه كاملا هو الحلم الذي انتهى باستيقاظه من النوم و بداية "يومه الكامل". 

Saturday, March 30, 2013

في طريق العودة




في طريق العودة



يقف أمام المحطة ينتظر ... ينظر في ساعته و يتساءل هل جاءت الحافلة و فاتته ؟ يرى شخص يجلس على مقعد قريب منه, فيتحرك نحوه و يسأله عن الحافلة. ينظر الرجل الآخر إليه نظرة غريبة و يضحك. فيعود إلى مكانه و ينظر إلى الساعة مرة أخرى و ينظر يمينا و يسرا لعل الحافلة تظهر من أي مكان. يبحث في جيوبه عن أي شيء يسيله لكنه يعلم أنه لن يجد شيء فهو لا يملك غير ثمن الحافلة في جيبه وحقيبة سفره في يده و حتى السجائر لن تفيد فهو لا يدخن. وجد ثمن الحافلة في جيبه كماه هو لكن وجد في الجيب الآخر ورقة أخرى , فشكر الله على المال الإضافي الذي ظهر فجأة. ولكنه تفاجأ عندما وجدها ورقة بيضاء مطوية و قبل أن يرميها بعيدا , لمح كتابة على الورقة سرقت قلبه و كل حواسه قبل أن يدرك عقله أي شيء. هو ذلك الخط الذي أبقاه حيا طوال هذه السنين , هو ذلك الخط الذي جعله يشعر و كأنه لم يسافر بالرغم من أنه على بعد آلاف الأميال من بيته, ذلك الخط الذي كأنه يقرأه بأطراف أصعابه في الليالي المظلمة وهو وحيد. عرف الورقة , ذلك هو آخر خطاب جاء منها. فتح الورقة و قرأه للمرة المائة و لكنه كان يقرأه كأنها هي المرة الأولى و بقى في الختام كالأطفال مثل كل مرة. وسقطت دمعتان من قلبه كان طريقها عينه على ذلك التاريخ على الخطاب فهو يشير بكل وضوح أن الخطاب منذ عامين. أعاد الخطاب بهدوء إلى جيبه لكن قلبه لم يعد كما كان. تذكر كل خطاب كان يأتي منها و تذكر كل حرف كتبته له ... و لكنه تذكر أيضا أنه لم يقرأ منها أي شيء طوال هذين العامين , و تذكر كيف أنه لم يفعل أي شيء طوال هذين العامين غير أنه بعث عشرات الرسائل و هو يعلم أنها لن ترد عليه. أخذ يحرق عقله لكي يرسم لها صورة كاملة في عقله كما تركها آخر مرة لكن الذاكرة تخونه و يشعر بالتراب يغطي رجليه ,فهو سقط على ركبتيه دون أن يشعر و الآن الدموع تجري على خديه دون أن يشعر. يحرق عقله مرة ثانية حتى يقنع نفسه بأنه سيعود و سيجد كل شيء كما هو و سيجدها تنتظره مثل كل مرة أعتاد أن يسافر فيها و ستودعه أيضا مثل كل مرة عندما يسافر مرة أخرى.  و لكنه يشعر بضحكة الرجل مؤلمة , مؤلمة لأنها أعادته إلى المحطة و إلى الأرض التي هي بدونها , ألاف الأميال بعيدا عن بيته. ينظر إلى الساعة مرة أخرى و ينظر للرجل و هو مازال يضحك و فجأة يتوقف عن الضحك و ينظر له و يقول : لقد تأخرت كثيرا ... 

Sunday, February 3, 2013

مجتمع مشوه



المجتمع المصري هو مجتمع متسامح و متفتح , يعيش فيه جميع الناس مهما اختلفت أشكالهم و ثقافاتهم في جو رائع من الحب و الوئام . المجتمع المصري هو مجتمع ديني بطبعه, و يمكن ملاحظة ذلك بسهولة من خلال تعاملات المصريين اليومية و ما يظهر من صفات رائعة من خلالها...
لا أظن بأن هناك شخص مصري لم يسمع او يقرأ شيء يشبه في معناه السطور السابقة, فهذا دائما ما نتغني به امام العالم , كيف ان المجتمع المصري عريق و عظيم , و لكن الحقيقة المرة هي اني لا أصدق كلمة واحدة من السطور السابقة ,, الحقيقة المرة هي ان المجتمع المصري مجتمع مشوه . أرجوا ألا يسيء أحد فهم ما سوف أكتبه الان , انا مصري و لا أتمنى ابدا ان أرى بلدي بصورة سيئة , لكن هذا هو الواقع , يمكن نصوره بشكل جميل في الكتب و التليفزيون لكن تبقى الحقيقة القبيحة موجودة على الأرض.
لم أصل إلى استنتاج ان مجتمعنا مجتمع مشوه بدون اسباب مقنعة و بدون تجربة و تفكير طويل. بالطبع الموضوع يحتاج إلى دراسة عميقة للمجتمع و كل ما أطرحة هو مجرد استنتاجات و اراء شخصية. هناك اسباب كثيرة بالطبع للحالة التي وصل إليها مجتمعنا لكن بالطبع هناك عوامل اوضح و اكثر تاثيرا من الأخرى. أكبر الأسباب هي اعتقدنا الخاطئ بأننا مجتمع متدين. المصيبة هي أننا تركنا الدين و أبتعدنا كل البعد عما يدعوا إليه أي دين. تمسكنا بالمسميات فقط و خلطنا بين العادات و التقاليد و الدين. أصبح مفهوم الدين عندنا مشوه و لذلك جاز أن نطلق على المجتمع أنه مشوه. نعم , نحن "شعب متدين" لكني أشك بأن الجميع مؤمن بأن الدين هو الحل الصحيح في عصرنا الحالي. الاقتناع و الايمان يختلف تماما عن الحالة التي نحن فيها , أبسط سؤال ان تسأل أي شخص لماذا هو على هذا الدين , ستجد الاجابة تافهة لأي شخص ينظر للكلام بصورة حيادية.  قد يكون كلامي غريب , لكنها الحقيقة . المشكلة هي اننا تعلمنا الدين , انا ولدت مسلم و لم يكن في يدي أي اختيار , لكن بالنسبة لي الرحلة كانت أكبر من هذا بكثير حتى أكتشف معنى أن اكون مسلم. لقد أصبحنا الآن نشعر بالعار من الدين , فنحن نريد أن نكون "شعب متدين" بمعنى أننا نتعامل مع بعض بطريقة جيدة , و هل الدين هو تعامل فقط ؟ او عبادات فقط ؟ يجب ان ندرك الدين بعقولنا و قلوبنا وجميع الحواس. أكتر ما أكره هو محاولة أظهار الدين بانه يتجاوب مع كل ما يدعوا إليه الغرب أو بالمعني الأحرى تغريب الدين  و جعله و كأنه ينتمي للثقافة الغربية  , و في هذه المحاولة لم نجد أي مشكلة في ان نتخلي عن كثير من ثوابتنا من أجل أن نظهر بشكل عصري و أننا لا نقل عن المجتمع غربي "حضاريا". المشكلة هي أن الدين أصبح لوحة جميلة في بناء غريب بدلا من ان يكون هو بناء كامل . الدين أصبح منظر , يجوز أو لا يجوز , يجب و لا يجب , و في النهاية لا نعرف شيء عن الدين.  نتحدث كثيرا عن الوحدة الوطنية و لكن فكرتنا عن الوحدة غريبة جدا.  نحن نحب أن نظهر أننا نعيش في حب و كل شيء لكن الحقيقة ان بداخل شخص يظن ان الاخر خطأ. لا أعلم من أعطى الحق لانسان أن يحكم على انسان مثله ؟ الوحدة الوطنية تبدأ بأن تصدق بقبلك أولا قبلا أن تقوم بأي فعل. نحن نهتم بأن نظهر "الوحدة الوطنية" و لكن لا نشعر بذلك حقا لذلك تظهر المشاكل كل مدة و بدلا من نتوقف و ندرك الموقف ندفن كل شيء بدعوة ان المجتمع المصري به وحدة وطنية لا مثيل لها. الوحدة الوطنية هي ألا تحكم على أي شخص من خلال دينه , أن تتعامل مع كل شخص على انه قائم بذاته يعبر ان افكاره و مبادئه , ليست الفكرة ان تبالغ في اظهار ذلك , كل الفكرة ان تتعامل بشكل طبيعي و ان تكون مؤمن حقا من دخالك اننا في نهاية نعيش على نفس الأرض بدون أي اختلاف او تفضيل.
سبب اخر في تشويه مجتمعنا هو اننا نفختر بحضارتنا و ثقفاتنا ظاهريا لكن بداخل كل شخص ايمان تام بأن الغرب وصل إلى القمة و أنهم قادرون على كل شيء نحن لا نستطيع ان نقوم به , نحن نتخيل و كأن التقدم و الحضارة تعني الغرب , وان ثقافتنا و حضارتنا بل و حتى الدين هي أشياء من الماضي , هي كصورة جميلة , لكنها قديمة نعلقها على الحائط حتى نتذكر الماضي..  أصبحت قبلتنا الان هي الغرب , في كل شيء , التعليم , الأكل , الملبس , و حتى الثقافة و الفن . فعندما نريد ان ننتحدث عن نهضة و تقدم نأتي بالغرب وكأنه هو الشمس التي نتهدي بها , أصبحنا مجتمع مشهوه لأننا ننادي بالحضارة و الثقاقة المصرية و العربية و الأسلامية و نحن نريد ان نكون مجتمع غربي خالص.  التقدم و الحضارة لا تقاس فقط بالسيارات و التكنولوجيا , التقدم مختلف تماما عن مفهومنا الحالي , التقدم الان يتحول بالانسان إلى الة. لا أظن بأن ما وصل إليه الغرب الان يعتبر تقدم على كل الحضارات السابقة , بل وحتى أنه لا يقترب من مستوى حضارات سابقة وصلت إلى ما هو أرقى مما نظنه القمة الان. نحن نضع ثقتنا في الغرب و نريد ان نكون دولة عربية , فاصبحنا مجتمع مشوه. و جميع الدول العربية الآن هي في احتلال حقيقي أسوا من احتلال الحرب و السلاح. فمثلا وقت الاحتلال الانجليزي كنا نعرف عدونا و نعرف ما يقوم به و نعرف انه يحاول ان يسرق كل شيء و يدمر اي شيء. اما الان فنحن في احتلال خفي , يسيطر على كل شيء بدون ان نشعر , يقوم بكل ما يريده بدون أن يجعل من نفسه عدو يجب التخلص منه بل و يجعل من نفسه مثال للكمال. فنظرة سريعة تجعلنا ندرك ما وصلنا إليه و قام به هذا الاحتلال , نحن نثق ثقة تامة في وسائل الاعلام الاجنبية , في الكتب الاجنبية , في المنتجات , أو في أي شيء ينتمي للغرب , التعليم الذي يبني الثقاقة بداخل كل فرد أصبح أجنبي. كل هذا يجعل الشخص اما اختيارين أن يسافر و يعيش الحياة التي يثق فيها او لاي ظرف من الظروف يعيش في بلده و يحاول ان يتصور وكانه مواطن غربي و ينتهي بنا بمجتمع مشوه.
نتقل الان إلى جزء آخر , إذا كانت هذه هي الأسباب فما هي نتائج هذه الأسباب , سأقوم بسرد بعض الصور التي توضح ما أقول , هي بعض المواقف التي قبلتها بطريقة أو بأخرى ..
مع أننا مجتمع واحد إلا أنه أصبح مما يجلب العار أن تكون من محافظة معينة , أو ان تعيش في قرية , أو في مدينة معينة. كثير من الناس يؤمن بهذه النظرية , لا أعلم كيف بدأ هذا المرض بالانتشار , لا أفهم يكون مسقط رأس أي شخص له علاقة بأي شيء , و السؤال المنطقي هل كان للشخص اي اختيار ؟ أشعر بالأسى عندما أرى هذا الموقف , فهذا يشير إلى مدى التدهور الذي وصل إليه مجتمعنا , أصبحنا نقيس الناس على مقاييس غريبة مثل المدينة التي يأتي منها , أو ملابسه أو طريقة كلامه. أصبحنا نحكم على الأشخاص من خلال المظاهر الخارجية و أيضا من خلال اقتراب الشخص من ان يكون مواطن في دولة غريبة او بالأحرى صورة المواطن الغربي في عقولنا.
اللغة العربية أصبحت تقليد قديم و ممل و من لا يتقن على الأقل اللغة الانجليزية فهو شخص رجعي. لا أعلم كيف يمكن لشخص أن يعتقد أن لغته الأم هي شيء غير مهم بل و أحيانا يشعر بالعار منها. من المؤكد ان تعلم اللغات الأجنبية و بالأخص الانجليزية هو أمر ضروري في وقتنا الحالي لكن هذا لا يقلل من أهمية اللغة العربية. لا أظن بأن هناك أي أدب يمكن أن يقارن بالأدب في اللغة العربية. اللغة العربية هي جزء لا يمكن من فصلة من ثقافتنا وحضارتنا.
الموضوع يحتاج إلى توضيح و كتابة أكثر مما قمت به بكثير لكني أعتبر هذه كمحاولة لتوضيح فكرة عندي 

Friday, January 25, 2013

مشكلة التعليم في مصر من بعد آخر


في البداية منذ سنوات كنت أعتقد أن مشكلة التعليم تتمثل في الفوارق بين نظام التعليم المصري و نظام التعليم الخاص بأي بلد أوربي أو أمريكا مثلا. لكن مع الوقت بدأت أدرك بأن جزء من المشكلة هو أننا نحاول أن نكون نسخة من هذا النظام. و هذه الفكرة دمرت نظام التعليم عندنا لسببين مهمين , أولا التعليم بهذا الشكل في أوروبا جاء متوازي مع تطور الحياة و تطور البلاد , فهم لم يأتوا بهذا النظام من الخارج أو لم يكتشفوه فجأة , ثانيا هو أن هذا النظام ملائم لثقافتهم و طبيعة حياتهم فالتعليم كما قلت يكون موازي لأسلوب الحياة عامة. و عندما حاولنا تقليد هذا النظام ظهرت عندنا ظواهر اجتماعية غريبة , فنحن فمصر لم نصل بعد للتطور التي وصلت إليه هذه الدول كما أن النظم الأجنبية تلغي تماما الثقافة و التاريخ المصري , أصبح عندنا نظام حكومي للتعليم متهم أنه متخلف تماما عن الخارج و خلال محاولته لرد هذه التهم و أن يلحق بأنظمة أوروبا و أمريكا أصبح فاشل تماما , فليس هو نظام عربي خالص نابع من ثقافتنا و لا هو و لن يكون أبدا مطابق للنظم الأجنبية. و أصبح عندنا مدارس أجنبية و كأنها نقلت من أوروبا إلى مصر دون أي تعديل سوا أنه من الممكن أن يدرس بعض من المناهج المصرية و كأنها مناهج غريبة تماما عنهم.
يعتقد الكثير بأن المدارس الأجنبية هي الحل, و أنا لا أرى ذلك نهائيا. من الناحية العلمية أنا متأكد بأن النظام التعليم الحكومي قادر على تخريج طلبة كفئ من الناحية العملية مثل المدارس الأجنبية و أحيانا يكون أفضل. نعم , صدق أو لا تصدق نظام التعليم المصري الفاشل ليس بهذا السوء من الناحية العلمية. لكن العلم ليس كل شيء خصوصا في مرحلة التعليم الأساسي و حتى الثانوي. في رأيي بأن المدارس الأجنبية تقدم خدمة جليلة للبلد التابعة لها و ثقافتها , لأنك بعد أن تنهي دراستك ستكون متعلق بهذا البلد أو على الأقل ستفقد جزء من هويتك العربية و ستبتعد عن ثقافتك كمصري و عربي. و هذه نقطة في غاية الخطورة.  ما فائدة التعليم إذا لم يرتبط مباشرة بكل شيء ننتمي إليه , الثقافة , التاريخ و حتى عاداتنا و تقاليدنا , لا أريد أن يخطأ أحد في فهمي و يعتقد بأنني أدعوا إلى نظام تعليم متخلف و جامد. 
التعليم ليس أساس كل شيء لكن إذا كانت الأسرة تعتمد على المدرسة في كل شيء و المجتمع به كثير من المشاكل التي تؤثر سلبا على كل طفل , يصبح التعليم هو كل شيء لأنه هو المصدر الوحيد لتغيير أجيال كاملة. نحن بحاجة إلى تعليم جيد في مصر ليس الهدف منه هو إكساب الطالب معلومات, نعم الصراع الآن هو صراع علم , لكن هناك عامل دائما ننساه هو الإنسان. من الممكن أن تكون المدارس الأجنبية ستهدف الإنسان و لكنها لا ستهدف الإنسان المصري , و المدارس الحكومية لا تتعامل مع الإنسان بل تتعامل مع الورق فقط. يتم تقييمك من خلال مجموعة من الأوراق الأسئلة فيها ثابتة لكل شخص مهما كانت الفروق بينهم ثم بعد ذلك تحصل على ورقة أيضا تثبت من كتبته في الورق الآخر.
حتى لا أكون ظالم للمدارس أجنبية فيجب أن اقو لان هناك ميزة كبيرة ليست موجودة في المدارس الحكومية و هي ميزة الحب و الكره. في المدارس الحكومية هناك طريق واحد ليس هناك أي اختيار , يجب أن تذاكر و تذاكر و بعد ذلك تقوم بأداء جيد في الامتحانات و يستمر ذلك أعوام و أعوام , ثم يجئ اختيار بين هندسة أو طب يقوم به المجتمع و العائلة و ليس أنت , و إذا " لقدر الله " لم تستطيع دخول طب أو هندسة ليس هناك اختيار أيضا بل تبحث عن اقرب كلية بأعلى مجموع مناسب لك , إذا تقريبا 12 عام بدون اختيارات , عليك أن تحب كل المواد التي تتعلمها و إن لم تحبها فأنت غبي , عليك أن تحفظ كل شيء , و حتى الاختيار الوحيد الذي تقوم به ستجد العائلة تضغط عليك و المجتمع كله حتى تدخل كلية معينة إلا حالات قليلة يكون ذلك الاختيار متاح لك.
يبقى السؤال , يكون كيف التعليم في مصر ؟ ما أتصوره عن شكل التعليم في مصر هو كالتالي: نظام تعليم قائم على جميع الثقافات المصرية و التاريخ المصري , بمعنى انه يغرز داخل كل طالب شعور حقيقي بأنه مصري و ليس مجرد كلام نتغنى به. تاريخنا أكثر من مجرد كلام يحفظه كل طالب دون أن يشعر بكلمة منه. يجب أن يكون نظام التعليم نابع من كل ما يؤمن به الإنسان المصري. يجب أن يعتمد بصورة رئيسية على اللغة العربية لأنها هي لغتنا. بعد أن يكون في التعليم المصري كل ما هو يجعل الإنسان المصري مصري حقيقة يكون هناك مساحة لكي يستطيع الطالب أن يستوعب العالم كله , فهم ينطلق من ثقافته الخاصة كبداية لكي يرى كل ما وصل إليه العالم و يتعلم منه ما يريد لكن في النهاية هو يرى العالم بعينيه هو , عينيه المصرية العربية و لا يرى العالم كما يريد العالم أن يراه. يجب أن يكون هناك اختيارات أكثر تزداد بزيادة عمر الطالب لان إدراكه يزداد و يكون هناك مراعاة للفروق بين الطلاب , لأنه مستحيل أن تجد طالبين متماثلين في كل شيء _ لك أن تتخيل نظام يعتبر ملايين الطلاب نفس الشخص _  المدرسة يجب أن تكون مكان لتطوير عقل الطالب و لكنها لا تزرع بداخله أفكاره معينة. يجب أن يخرج الطالب من يومه الدراسي بالكثير من الأسئلة فالمدرسة لا تعطيه أي إجابات ولكنها تجعله يفكر أكثر و يتساءل أكثر ثم ترشده لبعض الطرق و هو يختار. المدرسة أكثر بكثير من مصدر للمعلومات, المعلومات هي جزء من عملية التفكير. لا يمكن أن نلخص عملية التعليم في المناهج و الكتب. المدرسة تبني إنسان , يكفر و يشعر و يتخذ قرارات , المدرسة بشكلها الحالي تصنع مجموعة أوراق , بمعني آخر تصنع آلة.
الطريق طويل جدا من أجل الوصول لنظام تعليم مناسب لنا, نظام تعليم مصري من اجل بناء إنسان , مصري...

Sunday, January 20, 2013

رحلة إلى الجنوب





أكتب هذه المقالة بعد رحلة قمت بها بين مدينتي الأقصر و أسوان في مصر كنوع من التسجيل لكل ما رأيته لكن بطريقة مختلفة. فأنت يمكنك أن تلتقط مئات الصور لنفس المكان لكن لا يمكنك أن تلتقط الأفكار أو المشاعر , لا يمكنك أن تقيد التاريخ في صور ثابتة أو حتى متحركة. لم أجد وسيلة أفضل من الكتابة لأسجل بها رحلتي هذه.
 المقالة مقسمة إلى أقسام مختلفة لكل منها عنوان خاص منها و كل قسم يعبر عن فكرة معينة.


السفر



لا أحد يختلف على أهمية السفر في تكوين شخصية الإنسان و تفكيره لكن هذه المرة الموضوع يختلف.  الأقصر و أسوان داخل مصر , هذه ليست رحلة بعيدة للخارج , إنما هي رحلة إلى أعماق الوطن. هذه الرحلة اكتشاف لأرض عشت عليها لسنين و عاشت هي لآلاف السنين. لقد تعلمنا كثيرا في المدرسة عن التاريخ المصري و كثيرا ما كتبنا عن أصالة مصر و الإنسان المصري , لكننا لا نعلم حقا أي شيء عن تاريخ مصر. كان تعاملنا مع التاريخ و كأنه رواية طويل مملة يجب أن نحفظ صافحتها و ننتهي منها. لا أحد يستطيع أن يفهم فعلا هذا التاريخ بدون السفر. أن تسافر فعلا و تتحرك و أن تسافر بعقلك و تعيش بين الشجر , على ماء النيل , تشعر بأنك تتحرك مع أوراق الشجر عندما يمر الهواء عليها , تشعر بأنك تتغذى على الشمس مثل النباتات تماما , أن ترى الطبيعة كاملة و تنسى انك إنسان و تشعر كأنك مجرد عين ترى بها هذا الجمال و تشعر و كأنك أصبحت جزء منه. منظر النيل و الطبيعة من حوله و الصحراء و الجبال كافية بان تجعلك تسافر خارج هذا العالم. تترك كل شيء مادي وتعيش من خلال عينك. جزء آخر من السفر يكون عندما تعود للماضي عندما تقف في معبد أو مقبرة فرعونية , فقط يكفي أن تتخيل شكل و هيبة المكان عندما تم بنائه. أن تعيش مع الكاهن و هو يتقدم بخطوات بطيئة نحو قدس الأقداس , أن تشعر كأنك هو في تسارع نبضاتك و اقشعرار جسدك هيبة للمكان, حينها لن تقدر روعة المكان فقط في شكله و ارتفاعه و لكن ستقدره بقيمته.  ويبقى السفر كما هو مهما تقدم بك العمر عندما تسافر تكتشف المزيد عن نفسك , عما في في عقلك و قلبك , تكتشف المزيد عمن حولك . السفر هو رحلة لاكتشاف حتى الأشياء التي كنت تعتقد انك تعرفها حق المعرفة تكتشفها من جديد.



الحضارة و الإنسان



منظر نهر النيل الرائع و الطبيعة من حوله من أشجار و جبال بعيدة كخلفية لوحة رائعة جعلني أفكر في مفهوم "التقدم و الحضارة الإنسانية". هل كل فكرتنا عن التقدم و عن الحضارة ينحصر في العلم و الاختراعات الجديدة و أن يتحول كل شيء لعلم مدروس يتقدم مع الوقت ؟ لا أشعر أبدا بأن التقدم الإنساني و الحضارة الإنسانية لها أي علاقة بالإنسان. حضاراتنا هي حضارات مادية بحتة. فنحن ندمر كل ما هو جميل من اجل صنع ماديات قبيحة. فحتى عندما نحاول أن نصنع ما هو جميل يكون في نهاية نسخة مقلدة لا ترتقي إلى مستوى الطبيعة. نظرة بسيطة للفرق بين منظر نهر النيل في القاهرة و في الصعيد تفهم المصيبة التي نظن أنها تقدم " إنساني". لا أعلم من الذي جعل الطبيعة عدو الإنسان؟ من الذي أعطى الحق للإنسان أن يدمر الطبيعة باسم الحضارة؟ مثلا فكرة حديقة الحيوان و المحميات الطبيعية, فجأة أصبحت الحيوانات هي كائنات إضافية على الكوكب و أصبح من حق الإنسان أن يحبسها بعيدا عن الطبيعة التي تحافظ هي عليها أكثر مما يحافظ عليها الإنسان نفسه. تأمل منظر الحيوانات على ضفاف النيل بين الخضرة و الماء تعرف المعني الحقيقي للحرية , ثم تجد في أكثر الدول التي تتغني باسم الحرية الحيوانات تعيش في أقفاص حتى يتمتع الإنسان بمشاهدتها و الطبيعة تكون في الصور و الأفلام . لا أستطيع أن افهم معنى الحرية في عالم مادي , لا استطيع أن أتخيل الحرية بدون طبيعة جميلة واسعة , لا أستطيع أن أربط بين الحرية و القيود المادية في نفس الوقت. في رأيي أن الدافع وراء كل تقدم في كل دولة هو أن تزداد قوة و سيطرة بالنسبة لباقي دول العالم , فالحديث عن تقدم إنساني و حضارة إنسانية هو كلام لا يصدقه عقل فببساطة كل ما هو جميل على الأرض هو ما لم تمسه يد الإنسان , كل ما هو جميل هو ما ابتعد عن التقدم الإنساني , نحن ببساطة نصنع المشكلات ثم نبحث عن حلها , الأمراض تزداد بصنع الإنسان ثم نبحث عن أدوية جديدة , و خلال بحثنا عن حل للمشكلات القديمة نوجد مشكلات جديدة و تزداد القائمة و في نهاية نظن بأننا ألان في قمة التقدم الحضري , نظن بأننا وصلنا إلى ما لم يصل إليه إنسان من قبل , الحقيقة هي كالتالي نحن نقترب من قمة الجبل لأننا ندمر الجبل من الأسفل و ننظر وصول القمة للقاع , من كانوا من قبلنا حاولوا الوصول للقمة و لكننا نحن نحاول أن ندمر الجبل بجهلنا و نعتقد بأننا سنصل للقمة و لكن الحقيقة هي أننا سنساوي بين القمة و القاع!!



الفراعنة



الفراعنة قاموا بما هو أكثر من حضارة نفتخر بها فقط ,  ما قاموا به مثل متسلقين الجبال الذين يضعون أعلام بلادهم فوق الجبال. الفراعنة قاموا بوضع علامة في التاريخ لكي نعرف انه مهما مر الوقت و مهما حدث بأن الإنسان المصري قادر على أن يصنع المستحيل على نفس هذا التراب, وضعوا علامة على أن الإنسان المصري قادر على أن يغير مجرى العالم. هذه العلامة تتخطها كونها علامة مصرية , فهلا علامة للبشر جميعا ,  أن الإنسان قادر على صنع المعجزات بعيدا عن الحرب و الدم. علامة على أن البشر قادرون على أن يحطمون قانون الموت و أن يعيشوا لآلاف السنين بدلا من عشرات السنين . يجب أن نتوقف لنرى ما هي العلامة التي سنتركها كأفراد و كشعب. عندما يأتي الأحفاد و أحفاد الأحفاد ما هي العلامة التي سنتركها لهم و أين ستكون. سنترك لهم المرض و الفقر و الدم , سنترك لهم تاريخ اسود عن أحلام ضاعت , عن الأرض التي لم نستطيع أن نحافظ عليها , عن تاريخنا و تراثنا الذي لوثناه , سنترك لهم أهوام حضارة و تقدم , سنترك لهم جهل اسود لا يمر منه الضوء أبدا , و بدلا من ضع لهم علامة على القمة , نضع لهم أفخاخ في الطريق حتى يبقوا  في القاع . علينا أن نتوقف لحظات و نرى إلى أي درجة أصبحت الصورة قاتمة السواد , و فإننا كإفراد أو شعوب عمرنا قصير ينتهي بعد موتنا بأعوام قليلة بعكس الفراعنة فهم مازالوا أحياء حتى بعد موتهم بآلاف السنين. فالفراعنة ضمنوا بقائهم ببقاء الأرض بعكس بقائنا الذي ينتهي بعمرنا القصير.

Sunday, January 13, 2013

جدتي



لا أظن بأنني أدرك كم من الأيام او الشهور او حتى الأعوام على سماعي لهذا الخبر , خبر وفاة جدتي. يمكنك بان تحكم من صغر سني النسبي بأن كلامي ليس له معنى لكنه على الاقل كذلك بالنسبة لي. اعتقد بانه مر وقت طويل منذ ذلك اليوم لكن لا أظن بأني ادرت فعلا الخبر حتى الان. فما يحدث بعد مثل هذا الخبر هو صدمة في البداية ثم يبدأ النسيان في جعل جميع الذكريات تتاكل حتى تختفي الصدمة و تبقى ذكريات قليلة لا تقوى على أن تجعلك تسترجع الصورة كاملة, هذا ما يحدث في غالب الأمر. لكن لا أظن بأني مررت بهذه المراحل .  فجدني مازالت في بيتها كما هي. عندما ادخل البيت اشعر بالدفئ بالرغم من برودة الجو , اشعر بان بالحركة و الترحاب في المكان بالرغم من ان كل شيء هادئ و ساكن تماما. اتذكر ذلك الشعور منذ ان كنت صغير , شهور بمزيج من الهدوء و السعادة عندما اكون في صحبة جدتي, لا أعلم حتى الان كيف كانت تستطيع ان تدير حوار كامل مع طفل ثقافته مختلفة تماما ,  كل ما اتذكره عن جدتي هي ذكريات جميلة رقيقة. لا أعلم ما حقا ما اشعر به الان فان تفتقد شخص يجب ان تشعر بان خرج من حياتك , يجب ان تشعر بانه لم يعد موجود و هذا بعيد عما اشعر به الان. اظن بان كل ما يمكن ان اقوله
ا وان ادعوا به هو ان يرحم الله جدتي. 

Friday, January 11, 2013

الرقم خطئ







نعم .. هذه المقالة تتحدث عن الاتصالات الهاتفية التي تأتي بالخطأ  لك الحق في أن تتخيل أني مجنون او حتى تغلق الصفحة و تكمل تجولك في صفحات أخرى , دعنا من كل ذلك و لنتحدث قليلا في الموضوع ..
كل منا لديه قصصه التي لم تنتهي بعد. كل الروايات بطريقة او أخرى لها نهيتها , فالصفحة الأخيرة في كل كتاب تضمن ذلك ضمان لا رجعة فيه , فأنت لن تجد فجاة الكتاب زاد صفحة و ان شيء تغير او النهاية لم تعد النهاية. هذا في الكتب و الروايات لكن في حياة لا يمكن  ان تضمن النهاية , لا يمكن ان تضمن لهذه القصة ان تنتهي , لا يمكن حتى ان تتوقع افعال البشر من هم قريبين منك او بعيدين عنك ..
هناك ذلك الاختراع الذي يمكن ان يعتبر انه قرب او بعد البشر عن بعضهم , اعتقد كما تريد , انه التليفون. التليفون كان هو أساس كثير من الروابط بين البشر الذي لسبب او لاخر لم يجمعهم نفس المكان. و يمر الوقت و يحدث ما يحدث و يتباعد الاصدقاء عن بعضهم , يتباعد الاهل عن بعضهم , حتى الشخص نفسه احيانا يتباعد عن ذاته , عن وطنه. و يبقى الامل في ربط بسيط عن طريق التليفون , ياتي ذلك الأمل الخاطف , عندما يظهر رقم غريب على شاشة التليفون , لم يتم تسجيل الرقم على التليفون إذن هو على الأغلب متصل عن طريق الخطأ او اتصال غير مهم, لكن ذلك لا يخفي ذلك الأمل ابدا , ان يكون ذلك الاتصال هو الحل السحري لمشاكل العمر , ان يكون في هذا الاتصال نهاية مئات القصص التي لم تنتهي , ان يكون هذا الاتصال هو الرابط بين مئات الاشخاص الذين ابتعدوا , ان يكون هذا الاتصال هو الكلمة الاخيرة في كثير من الاشياء المتعبة , و بالطبع اهم شيء ان يكون هذا الاتصال هو الحلم الذي ظل يحلم به طوال عمره , لكن في النهاية نجيب بكل أسى و لو ان الاجابة متوقعة " الرقم خطأ"
.

Wednesday, January 9, 2013

دائما في القلب



الصورة من فلسطين التي "دائما في القلب " 

هكذا يحي الشعب العربي ذكرى أي نكبة أو أي مصيبة تقع بأن يضعها في قلبه.  خمسة و ستون عاما و فلسطين في القلب. و أنا أتساءل أليس هناك حق لهذا الذي يسكن القلوب ؟؟ انظر إلى حال اللاجئين طول الأعوام السابقة, تكفي كلمة لاجئ فهي تضع علامة على شخص تفيد بأنه دون وطن و أن هذا اللاجئ الفلسطيني مهما كان يعيش في قلبك هو خطر عليك. فلسطين دائما في القلب , لكن ذلك لم يمنع الكيان الصهيوني من سرقة الأرض و الدم كل يوم , فلسطين في القلب بعد صلاة الجمعة أمام المساجد , في هتافات المصليين , و ينام المصلون ليلا و قلبهم مطمئن بالرغم من فلسطين التي تسكن قلبوهم تسبح في الدماء و الألم. يتغني العرب دائما بحق العودة , هل يستطيع كل عربي ان يرم خريطة فلسطين التي يريد العودة إليها , هل يعرف فلسطين التي تسكن قلبه ؟ هل توقف لحظة و قام بأي شيء غير الهتاف ؟
و بالطبع قلب العربي يتسع للكثير , " فداك أبي و أمي يا رسول الله " . دائما أتساءل كيف نقوم بذلك ؟ و ما هي نتيجة هذه التضحية ؟ بعد ظهور الرسوم و الفيديوهات و التي كان هدف منها الإساءة للإسلام و المسلمين و ليس للرسول عليه الصلاة والسلام. فثقافة القلوب التي نعيش بها كافية لان تحول هذه الأعمال التافهة إلى أعمال تجعلنا نسيء إلى الدين الذي ننتمي إليه. لم أرى في أي من هذه الأعمال أي شيء يستحق أن نغضب غير حالنا. حتى عندما فكرنا في الدفاع عن هذه "الهجمة" كانت بالشعارات و الهاتفات و نخرج بعد صلاة الجمعة و نهتف و ننام ليلا. و نكتب في كل مكان ان الرسول عليه الصلاة و السلام في قلوبنا.  المحزن في الأمر هو أننا لا نعلم حقا سيرة الرسول , أنا لا أتكلم فقط عن الأحداث و إنما أتكلم هل نعرف كيف حقا كف كانت دعوة الرسول عليه الصلاة و السلام, هل اكتفي بأن يجعل الإسلام في قلبه و مضى يهتف في الشوارع , أم ان الإيمان ملأ قلبه حقا فكان ذلك الإيمان ظاهر في كل أفعاله عليه الصلاة و السلام. هكذا نتصرف عندما يكون هناك ما يملأ قلوبنا حقا نعيش من أجله , ليس فقط بالشعارات و الهتافات. عندما نؤمن بشيء بالكامل نستعد أن نضحي بأي شيء من أجعله فعلا و ليس فقط بالشعارات. هكذا قام الإسلام بالإيمان في القلب و العمل يساوي هذا الإيمان تماما.

و جاءت سوريا و بالطبع كما يحدث دائما كان هناك جزء في قلوب الملايين العرب لسوريا و أهل سوريا. ليفعل بشار و ما يريد و ستبقى سوريا في القلب. ليموت كل اليوم العشرات من النساء و الأطفال و الرجال و ستبقى سوريا في القلب. ليعيش السوريون في رعب و ستبقي سوريا في القلب.  لا تسأل نفسك كيف يسكت العرب و الدول العربية بكل ما نملكه من قوة كوحدة واحدة أمام هذا الطاغي الذي يقتل شعبه, فنحن نعرف ثقافة دائما في القلب فقط.
لو فكرنا للحظة فسنعلم أننا من صنعنا إسرائيل ووضعنها في قلب البلاد العربية , فقلوبنا اصبحت مريضة على أي حال. نحن من صنعنا الطغاة في بلدنا. نحن من صنعنا الجهل و المرض و الفقر. فببساطة نحن لا نعرف ثقافة العمل , لا نستطيع ان نتخذ خطوة للأمام بدون ان نخاف من أي عواقب , ذلك الخوف جعل الأمراض تظهر و تتمكن من الجسد العربي. 
لا أتمنى شيء بقدر ما أتمنى ان تتوقف عن وضع كل شيء في قلوبنا , ان يختفي الجهل , ان أري العرب يتحركون , ان تكون أفعالنا بقدر الهتافات و الكلام و نتوقف عن الهتافات حتى. 
أنا فقط اعرف بأني سأفعل أي شيء من أجل كل ما أحبه و كل ما يسكن قلبي. يجب أن نعرف بأن الهتافات و الكلام و الدعاء و الصور و الإعلام كلها ليست أفعال , المرض ينتشر و ينتشر و نحن نتكلم و نتكلم , و سيبقى دائما "الحلم العربي " في القلب !!!