في البداية منذ سنوات كنت أعتقد أن مشكلة التعليم تتمثل
في الفوارق بين نظام التعليم المصري و نظام التعليم الخاص بأي بلد أوربي أو أمريكا
مثلا. لكن مع الوقت بدأت أدرك بأن جزء من المشكلة هو أننا نحاول أن نكون نسخة من
هذا النظام. و هذه الفكرة دمرت نظام التعليم عندنا لسببين مهمين , أولا التعليم
بهذا الشكل في أوروبا جاء متوازي مع تطور الحياة و تطور البلاد , فهم لم يأتوا
بهذا النظام من الخارج أو لم يكتشفوه فجأة , ثانيا هو أن هذا النظام ملائم
لثقافتهم و طبيعة حياتهم فالتعليم كما قلت يكون موازي لأسلوب الحياة عامة. و عندما
حاولنا تقليد هذا النظام ظهرت عندنا ظواهر اجتماعية غريبة , فنحن فمصر لم نصل بعد
للتطور التي وصلت إليه هذه الدول كما أن النظم الأجنبية تلغي تماما الثقافة و
التاريخ المصري , أصبح عندنا نظام حكومي للتعليم متهم أنه متخلف تماما عن الخارج و
خلال محاولته لرد هذه التهم و أن يلحق بأنظمة أوروبا و أمريكا أصبح فاشل تماما ,
فليس هو نظام عربي خالص نابع من ثقافتنا و لا هو و لن يكون أبدا مطابق للنظم
الأجنبية. و أصبح عندنا مدارس أجنبية و كأنها نقلت من أوروبا إلى مصر دون أي تعديل
سوا أنه من الممكن أن يدرس بعض من المناهج المصرية و كأنها مناهج غريبة تماما
عنهم.
يعتقد الكثير بأن المدارس الأجنبية هي الحل, و أنا لا
أرى ذلك نهائيا. من الناحية العلمية أنا متأكد بأن النظام التعليم الحكومي قادر
على تخريج طلبة كفئ من الناحية العملية مثل المدارس الأجنبية و أحيانا يكون أفضل.
نعم , صدق أو لا تصدق نظام التعليم المصري الفاشل ليس بهذا السوء من الناحية
العلمية. لكن العلم ليس كل شيء خصوصا في مرحلة التعليم الأساسي و حتى الثانوي. في
رأيي بأن المدارس الأجنبية تقدم خدمة جليلة للبلد التابعة لها و ثقافتها , لأنك
بعد أن تنهي دراستك ستكون متعلق بهذا البلد أو على الأقل ستفقد جزء من هويتك
العربية و ستبتعد عن ثقافتك كمصري و عربي. و هذه نقطة في غاية الخطورة. ما فائدة التعليم إذا لم يرتبط مباشرة بكل شيء ننتمي
إليه , الثقافة , التاريخ و حتى عاداتنا و تقاليدنا , لا أريد أن يخطأ أحد في فهمي
و يعتقد بأنني أدعوا إلى نظام تعليم متخلف و جامد.
التعليم ليس أساس كل شيء لكن إذا كانت الأسرة تعتمد على
المدرسة في كل شيء و المجتمع به كثير من المشاكل التي تؤثر سلبا على كل طفل , يصبح
التعليم هو كل شيء لأنه هو المصدر الوحيد لتغيير أجيال كاملة. نحن بحاجة إلى تعليم
جيد في مصر ليس الهدف منه هو إكساب الطالب معلومات, نعم الصراع الآن هو صراع علم ,
لكن هناك عامل دائما ننساه هو الإنسان. من الممكن أن تكون المدارس الأجنبية ستهدف الإنسان
و لكنها لا ستهدف الإنسان المصري , و المدارس الحكومية لا تتعامل مع الإنسان بل
تتعامل مع الورق فقط. يتم تقييمك من خلال مجموعة من الأوراق الأسئلة فيها ثابتة
لكل شخص مهما كانت الفروق بينهم ثم بعد ذلك تحصل على ورقة أيضا تثبت من كتبته في
الورق الآخر.
حتى لا أكون ظالم للمدارس أجنبية فيجب أن اقو
لان هناك ميزة كبيرة ليست موجودة في المدارس الحكومية و هي ميزة الحب و الكره. في
المدارس الحكومية هناك طريق واحد ليس هناك أي اختيار , يجب أن تذاكر و تذاكر و بعد
ذلك تقوم بأداء جيد في الامتحانات و يستمر ذلك أعوام و أعوام , ثم يجئ اختيار بين
هندسة أو طب يقوم به المجتمع و العائلة و ليس أنت , و إذا " لقدر الله "
لم تستطيع دخول طب أو هندسة ليس هناك اختيار أيضا بل تبحث عن اقرب كلية بأعلى
مجموع مناسب لك , إذا تقريبا 12 عام بدون اختيارات , عليك أن تحب كل المواد التي
تتعلمها و إن لم تحبها فأنت غبي , عليك أن تحفظ كل شيء , و حتى الاختيار الوحيد
الذي تقوم به ستجد العائلة تضغط عليك و المجتمع كله حتى تدخل كلية معينة إلا حالات
قليلة يكون ذلك الاختيار متاح لك.
يبقى السؤال , يكون كيف التعليم في مصر ؟ ما
أتصوره عن شكل التعليم في مصر هو كالتالي: نظام تعليم قائم على جميع الثقافات
المصرية و التاريخ المصري , بمعنى انه يغرز داخل كل طالب شعور حقيقي بأنه مصري و
ليس مجرد كلام نتغنى به. تاريخنا أكثر من مجرد كلام يحفظه كل طالب دون أن يشعر
بكلمة منه. يجب أن يكون نظام التعليم نابع من كل ما يؤمن به الإنسان المصري. يجب
أن يعتمد بصورة رئيسية على اللغة العربية لأنها هي لغتنا. بعد أن يكون في التعليم
المصري كل ما هو يجعل الإنسان المصري مصري حقيقة يكون هناك مساحة لكي يستطيع
الطالب أن يستوعب العالم كله , فهم ينطلق من ثقافته الخاصة كبداية لكي يرى كل ما
وصل إليه العالم و يتعلم منه ما يريد لكن في النهاية هو يرى العالم بعينيه هو ,
عينيه المصرية العربية و لا يرى العالم كما يريد العالم أن يراه. يجب أن يكون هناك
اختيارات أكثر تزداد بزيادة عمر الطالب لان إدراكه يزداد و يكون هناك مراعاة
للفروق بين الطلاب , لأنه مستحيل أن تجد طالبين متماثلين في كل شيء _ لك أن تتخيل
نظام يعتبر ملايين الطلاب نفس الشخص _
المدرسة يجب أن تكون مكان لتطوير عقل الطالب و لكنها لا تزرع بداخله أفكاره
معينة. يجب أن يخرج الطالب من يومه الدراسي بالكثير من الأسئلة فالمدرسة لا تعطيه
أي إجابات ولكنها تجعله يفكر أكثر و يتساءل أكثر ثم ترشده لبعض الطرق و هو يختار. المدرسة
أكثر بكثير من مصدر للمعلومات, المعلومات هي جزء من عملية التفكير. لا يمكن أن
نلخص عملية التعليم في المناهج و الكتب. المدرسة تبني إنسان , يكفر و يشعر و يتخذ
قرارات , المدرسة بشكلها الحالي تصنع مجموعة أوراق , بمعني آخر تصنع آلة.
الطريق طويل جدا من أجل الوصول لنظام تعليم
مناسب لنا, نظام تعليم مصري من اجل بناء إنسان , مصري...
No comments:
Post a Comment