الأمر كله بدأ وانا ما زلت طفل صغير عندما
أعطتني أختي رف في مكتبتها لأضع فيه كتبي العزيزة والتي كانت تعد على أصابع اليد واشترت
لي هي معظمها. وتطور الأمر بعد سنين قليلة وخلال دراستي الإعدادية حصلت على
مكتبتها القديمة والتي كانت تتكون من أربع رفوف صغيرة وبعد ذلك خلال الدراسة
الثانوية أشترى لي أبي مكتبة تشبه القديمة كثيرا ولكنها أوسع وتتسع لكتب أكثر. في
تلك الفترة بدأ تعلقي بالمكتبة والكتب والقراءة يزداد. وكانت مكتبتي مشروع عائلي أيضا،
فأمي كانت تساعدني بإمدادات مالية قبل معرض الكتاب الذي أتشارك رحلته مع أخي
وأختي. أتذكر أني قرأت يوما أن ترتيب الكتب في المكتبة هو نوع من الفلسفة. وقد
بدأت ذلك النوع من الفلسفة في ذلك الوقت.
واستمتعت بها أكثر خلال الدراسة الجامعية عندما طلب أبي من نجار أن يصنع لي
واحدة من تلك المكتبات الكبيرة التي تسكن حائط بأكمله تشبه كثيرا مكتبة أختي
ولكنها تتكون من قطعتين منفصلتين بدلا من واحدة كبيرة. أصبح لدي رفوف واسعة وكثيرة
هذه المرة تسمح بكثير من الفلسفة. فمثلا أضع كتب توفيق الحكيم بجانب نجيب محفوظ
فلكل منهم فلسفته وعبقرية خاصة ولكنهم متفقين بالنسبة لي في المكانة. أضع روايات رضوى عاشور بجانب رواية زوجها مريد
البرغوثي وبجانبهم "رجال في الشمس" لغسان كنفاني فهم أصحاب قضية واحدة.
أذكر أنه كان لي تجارب قليلة مع قراءة الكتب
الإلكترونية عندما لم أجدها متاحة ورقية أو عندما أردت أن أقرأ في المواصلات
وبالأخص خلال الليل. أتذكر قراءاتي لروايات نجيب محفوظ ومسرحيات توفيق الحكيم خلال
رحلة المترو الأسبوعية. كانت وسيلة جيدة لتخفيف رحلة نهاية الأسبوع. لكني لم أشعر
أبدا أني تخليت عن مكتبتي لأن هذه الكتب إما أملكها بالفعل أو لا أجد لها طبعة
ورقية في الأسواق. وكانت مرات قليلة على أي حال.
الأزمة حدثت مؤخرا. عندما سافرت بعيدا عن
مكتبتي ولم أستطيع سوى حمل كتابين أنهيتهم في الأسابيع الأولى واكتشفت المشكلة.
فالمشكلة أنني كنت بحاجة إلى كتب أكثر خصوصا أن المكتبات في البلد الجديدة ليس بها
كتب باللغة العربية والكتب باللغة الانجليزية قليلة جدا. لم أجد حل سوى الكتب
الإلكترونية واكتشفت انه يمكن تحميل Kindle كتطبيق على الهاتف وليس علي شراء الجهاز وأصبح أمامي تشكيلة لا نهائية من
الكتب العربية والإنجليزية بنسختها الأصلية. شعرت بتلك المتعة التي كنت أشعر بها
وأنا أختار وأرتب الكتب الجديدة في المكتبة في البيت وشعرت بخيانة اتجاه مكتبتي
القديمة لأنه أصبح لدي مكتبة أخرى جديدة. أظن بأن الحل الوحيد لتلك الأزمة هو شراء
كتب جديدة لكلا المكتبتين على حد سواء ولكن في الحقيقة يبقى قلبي معلق بالمكتبة
القديمة والكتب الورقية، حيث تشعر بالكتاب بين يديك ورائحة الورق وتشعر بالحزن
عندما ترى الورق المتبقي في الكتاب أصبح قليل وقريبا ستفارق صديق عزيز، حيث تشاهد
الكتب وأغلفتها متراصة في هدوء وجمال، لا أظن بأن هناك شيء سيبدل كل ذلك.
No comments:
Post a Comment