تفاجئ الكاتب في منتصف روايته أن الأحداث
والأبطال قد تغيروا فجأة! كيف حدث ذلك ؟ لا يدري .. لعلها المرة الأولى في تاريخ
الأدب أن تُكتب رواية وتتغير الأحداث والأبطال دون تتدخل الكاتب. فالبطل أو الحبيب
سافر إلى بلاد أوروبا بحثاً عن العمل وصارت طباعه حادة على عكس الصورة الهادئة
التي رسمها له الكاتب في بداية الرواية، لعله الجو شديد البرودة أثر على طباعه. أما
عن البطلة أو الحبيبة فقد تنازلت عن أحلامها في السفر وروية العالم وسكنها شيء ما
من خيبة الأمل وتقدم زميلها في العمل –المجتهد في وظيفته- لخطبتها ووافقت كما
توافق الأبنة على طعام أمها التي لا تحبه. أما عن أصدقاء البطل فقد بقى بعضهم في
الوطن وسافر الأخرين بين الشرق والغرب ولم يرافق أحدهم بطل الرواية وبذلك اختفت
صور الصداقة المتينة التي رسمها الكاتب وكيف أنهم كانوا يساعدون البطل أو الحبيب
في الوصول لمحبوبته وكأنهم على استعداد بالتضحية بحياتهم من أجل ذلك، أما الآن
فحتى لو التضحية كانت بثمن محطتين في مترو الأنفاق قد تبدو أكثر من اللازم. وأما أصدقاء البطلة الحبيبة فقد بقوا حولها
ولكنهم كأشباح لا يظهر منهم سوى صور لا فائدة منها وكأن الصداقة قد اختفت تماما من
الرواية.
وجد الكاتب نفسه في مأزق حقيقي كيف، فروايته
الرومانسية الحالمة قد تحولت إلى عمل درامي مؤلم. وليس هذا فحسب، بل فقدت الرواية
عناصرها الأساسية وتفرقت إلى مجموعة قصص مختلفة. أبطال الرواية صارت العلاقة بينهم
في الماضي فما الفائدة من جعلهم أبطال للرواية بل ما الفائدة من جعل تلك القصص
رواية واحدة من الأساس. ظل الكاتب يبحث وسط الأحداث لعله يجد ما يخرجه من ذلك
المأزق. كان يحاول أن يجد رابط ما ، أن يجد ولو نظرة بين الحبيب والحبيبة أو
مغامرة بين البطل وأصدقائه تنتهي بإيقاف تلك الخطبة وعودة المحبين لحبهم. ولكنه لم
يجد أي شيء. وجد نفسه يقترب من حقيقة واحدة، لكن انتهت الرواية ولكن من دون نهاية
..
كانت محاولته الأخيرة في شبه يأس أن يحاول أن
يصل إلى نقطة تحول روايته من النسخة التي كتبها إلى تلك الحالة التي دمرت كل شيء
كان يريده. كانت البداية كلها في يوم مشؤم، قرار طائش من البطل وسط عناد من البطلة
وانتهى كل شيء هو سافر وهي بقت، مر على أحداث كثيرة لا تغير شيء من أساس الرواية _
إن جاز تسمية ما بين يديه رواية _ حتى وصل إلى حدث معين وهو عدد من الرسائل موقعة باسم
البطل ولكن من دون تاريخ ومن دون رد.. حاول أن يصل إلى كلا المعلومتين ولكن من دون
فائدة. حاول أن يعتمد على ما يعرفه عن بطله الذي بدا له أنه لم يتغير كثيراً يبدو
أنه فقط تعلم أن يظهر بشكل مختلف. اكتشف شيء هاما وهو أن عدد الرسائل هو نفسه عدد
الأيام بداية من ذلك اليوم المشؤم إلى يوم كتابة هذه الاحداث في الرواية _ التي
بدأت تعود كرواية _ بعدد أيام يزيد عن عام ونصف العام بقليل. شعر الكاتب بنبضات
قلبه تتسارع، وجدها، وجد الرابط وإن بدى واهيا، وإن كانت رسائل دون رد. ظل يبحث في
الجهة الأخرى، عن رد ما، عن ابتسامة سريعا ما تختفي، عن ضربات قلب بشكل غير منتظم،
عن نظرة اشتياق، ولكنه لم يجد شيء وكأن البطلة نست البطل تماماً وكأن المسافة صارت
أبعد من أن تقاس بمقاييس أرضية، كان يريد أن يصل إلى أي شيء حتى يظل كلامها بطلا
الرواية معا.. كيف ينهي الرواية إذا؟ هل تكون نهاية حزينة وكلنه أراد نهاية سعيدة
_ أو بالأحرى نهاية غير واقعية_ قرر الكاتب أن ينهي هو الرواية بالرغم تغير
الأحداث ، نهاية يعتمد فيها على عرفه عن البطلة في بداية الرواية وأن يقول بأن
البطل كان يصله الرد ولكنه كان رد غير مكتوب، كان ردا يشعر به في أعماق قلبه حتى
ولو خالفه عقله، أنهى الكاتب الرواية سريعا خوفا من أن تتغير الأحداث مرة الأخرى،
انهها لكي يكمل سلسلة رسائله ولعل تكون هذه الرسالة هي التي يحصل فيها على رد
يُرضي عقله وقلبه.
No comments:
Post a Comment