Sunday, March 26, 2017

مأساة طائر


كان الحاج إبراهيم يجلس في شباكه المقابل لسطوح عائلة الحاج ياسين حيث يجلس أوسط أولاده مختار. كان الحاج إبراهيم وزوجته الحاجة نعمة شيخان كبيران لم يرزقهما الله بالأولاد ولكن رزقهم بمختار والذي عدوه كحفيدهم وابنهم الذي لم يأتي. وخصوصا أن آل ياسين انتقلوا بجانبهم ومختار مازال ملفوف في حضن أمه وتجر 3 أخوة وله وأخت صغيرة مازالت في عالم الغيب. حمل إبراهيم ونعمة هم تريبة مختار عن العائلة الكبيرة.
كان مختار يجلس ناظرا للسماء وكأنه يعيد اكتشافها من جديد عندما قاطع تأمله الحاج إبراهيم قائلا:
"يابني كفاية قاعدة كده، قوم كلًك حاجة ونام شوية".
مختار: " يا جدي مينفعش ، مينفعش اكل وانام وانا مش عارف هو راح فين!"
إبراهيم: "يابني هو ابنك تاه منك! ده عصفورة ، اكيد طار بعيد ولا هاجر."
لم يرد مختار واكتفى بنظرة غاضبة اعتلت وجهه الذي مازال يبدو عليه شيء من الطفولة وإن فاجئه الشباب. عاد إبراهيم لحديثه قائلا :
"خلاص متزعلش مني يا مختار، انا بس خايف عليك تتعب. بلاش تاكل انت، اكِّل الحمام طيب. "
مختار: "رمتلهم شوية حبوب الصبح ومليت ليهم المية ، وملتله هو كمان وسبتله أكله من نوع بيحبه."
إبراهيم: "طيب هقولك على حاجة، انزل كل دلوقتي ولما تخلص هطلع العربية النص نقل وندور عليه سوا واركب انت ورا زي ما بتحب."
تهلل وجه مختار قليلا لثواني ولكنه يبدو أنه تذكر ما حدث فاختفت علامات السعادة وقال: "اتفقنا يا جدي."
ظهرت نعمة خلف إبراهيم ويبدو على وجهها أن غير راضية وقالت له : "هتفضل تدلع فيه لامتى يا إبراهيم."
فرد مختار : "كفاية الدنيا عليه يا نعمة ده لسه عيل طيب."
...
كان الفجر هو الجزء الأصعب دائما فذلك هو الوقت الذي قابله فيه لأول مرة. يتذكر تلك الليلة وكأنها أمس ، كيف صعد للسطح وهو حزين ويمسح دموعه كان يشعر بالألم يعتصر قلبه وكأنه مصاب إصابة شديدة. وجده بجانب السور حيث أعتاد أن يجلس وجد جسم صغير يتحرك في ألم فوق السطح. كان طائر صغير مصاب وينزف من صدره يبدو أن طفل أو شخص ما قذفه بشيء حاد فأصابه تلك الإصابة. نسى مختار حزنه وتلاهى عن إصابته بإصابة الطائر. حاول الاعتناء به قدر المستطاع لم يدرك مختار بأنه كان يصرخ ويأن إلا عندما فاجأه جده من الشباك يسأله ما الأمر. ظل مختار والحاج إبراهيم حتى شروق الشمس يعتنوا بالطائر وحدثت مفاجئة مع شروق الشمس... بالرغم من صغر حجم الطائر إلا أنه كان لديه جناحين كبيرين يبدو عليهم القوة وتظهر بألوان لم يروها في حياتهم. كان يبدو وكأنه طائر ولدته السماء بألوانها الخلابة، ظل مختار يحدق به وكأنه يتعرف على حياة من جديد والحاج إبراهيم يراقب مختار بسعادة وكأنه يرى ولادة أبنه مختار من جديد. أصبح ذلك الطائر الذي هبط من السماء صديق مختار الأقرب إلى قلبه وكان يقضي معظم وقته على السطح معه ومع مجموعة من الحمام التي يقوم بتربيتها أيضا.
حتى تلك الليلة الكئيبة، كانت في وسط الشتاء والجو شديد البرودة. وكان من المعتاد في هذه الليالي أن مختار يترك صديقه يطير بحرية وفي الليل يغطي العش الخاص به الذي تركه دون غطاء او قفل ولكنه يغطيه فقط في الليالي شديدة البرودة ليحميه من الجو والمطر. ولكنه في ليلة نسي أن يصعد له، وكانت المطر شديد في تلك الليلة وظلت الرياح والمطر مستمرة طول الليل تقتلع كل شيء أمامها حتى صداقة مختار. صعد مختار في اليوم التالي وقلبه يرتجف ويشعر بالمصيبة التي حدثت، وأسئلة كثيرة تشغل عقله ، كيف لصديق أن يتخلى عن صديقه في ليلة كتلك الليلة؟ كيف ينساه ويتركه؟ ولكنه لم يجد إجابة، فقط وجد العش وقد تكسر ولم يجد صديقه هناك ، فقط مجموعة من الحمام المذعور. كانت الليالي التالية أصعب ليالي مرت على مختار ، كان يقضي النهار على السطح ناظرا نحو السماء منتظرا صديقه وفي الليل أمام الشباك. حاول كثيرا أن يجده مرة أخرى سواء في رحلاته مع جده أو استخدامه لتلك الراية الكبيرة التي كان يستخدمها عندما كان صديقه مازال صغيرا حتى يعرف بيته. ولكن كل محاولاته بآت بالفشل. بالرغم من ذلك لم يتوقف يوما عن وضع الطعام والماء في المكان المخصص له بل وأعاد بناء العش وجعله أفضل من السابق. لم يدري هل يفعل ذلك منتظرا عودته أو ان الحياة أصبحت غير منطقية بدونه بالأحرى كان كلا السببين معا.
...
ذات يوم سأل مختار جده: " هل رحل صديقي إلى الأبد يا جدي؟"
حاول إبراهيم أن يبتسم ورد بقلق: "بالطبع لا يا مختار، سيعود قريبا انا متأكد."
رفعت نعمة وجهها ونظرت لمختار وكأنها شعرت بأنه حان الوقت لتقول له الحقيقة. انتهزت فرصة أن مختار قام ليشرب الماء ووجهت كلامها لابراهيم قائلة:
" انت دلعته كتير يا إبراهيم ، مختار كبر ، هو اه قلبه ابيض وطيب بس هو كبر. مختار مش طفل بيحب عصفور ويلعب معاه وبس. لا ، الطير ده كان صاحبه وشباكه على الدنيا المحتار فيها.
رد إبراهيم بحدة ولكن من دون غضب: "منا عارف يا نعمة، بس هقول للواد ايه؟ انا بخاف عليه من الهوا !"
نعمة: "طيب سيبهولي انت وانا هكلمه."
نادت نعمة على مختار وأشارت له أن يصعد خلفها إلى السطح.
وبمجرد أن رأته أشارت له وقالت: " تعالى يا مختار، عايزة اكلمك شوية.. انا عارفة انك زعلان وحاسس بوجع بس انا مش عايزة اضحك عليك زي جدك..
انت غلطت يا مختار ، وطبيعي صاحبك ميرجعش مش لأنه كرهك أو كره المكان بس لأنه ممكن مش شايف الطريق خلاص فهيرجع ازاي او فين؟
فكر كده لو انت كنت مكانه كنت هتحس بايه؟ انا مش بقولك كده عشان اضايقك بس بقولك كده عشان تاخد بالك من اصحابك بعد كده وتاخد بالك من كل حد بتحبه عشان دول دونيتك وحياتك. ولو غلط يبقى استحمل غلطك انت كبرت وبقيت راجل خلاص. قعدتك وحطت ايدك على خدك مش هتصلح المكسور.
مش هقولك أنك هتلاقيه او تلاقي طير زيه، بس راقب السما يا مختار محدش عارف ايه هيحصل..."
لم يتكلم مختار أو جدته واكتفيا بمراقبة السماء واسراب الطيور من بعيد ومختار يحلل كلام جدته ولم يستطيع ان يقاوم دمعتين نزلت من عينيه. فاحتضنته جدته بقوة وقالت:
" لم أخبرك بسر آخر، الحب لا يموت.. لا يمنعه سماء ولا تراب ولا طرق .. لا تقلق حبك باقي ويصل لقلب من تحب .."
قال مختار وهو يتحدث داخل حضن جدتك:
"انا بحبك يا جدتي اوي ، ربنا يخليكي ليا .. انا هنزل اجيبلك انت وجدي بسبوسة انهاردة عشان انتوا اصحابي وهعمل بكلامك وهاخد بالي من اصحابي."
ضحكت نعمة ضحكة صافية وهي تراقب مختار والسعادة بدأت تظهر عليه.
في اليوم التالي لف مختار الراية وواضعها في صندوق وفك العش الخاص بصديقه ووضعه في جانب السطح كما أنه باع الحمام لأحد جيرانه. غير السطح واختلفت نظراته القلقة إلى السماء. فمختار ارتاح إلى أن حبه سيحيى رغم كل شيء، وأصبح ينتظر باطمئنان صديقه ان يعود يوما ويكمل حديثهم الذي لم ينتهي ويقتسما الدنيا من جديد ويراقب السماء منتظرا أن تكشف له عن سر جديد...





Saturday, March 25, 2017

قصة بدون قصة



اعتدلت في جلستها وأمسكت كوب اللبن الدافئ وتخيلت لدقائق أنه فنجان القهوة اليومي الخاص بها بالرغم من أن القهوة تؤلم معدتها ولكن بالطبع لا تؤلم خيالها. وبحركة سريعة أمسكت قطعة الشكولاتة وكأنها سيجارة الصباح ونظرت إلى الورق الموضوع أمامها نظرة تأمل وقالت لنفسها بصوت هادئ في مشهد تحاول أن تجعله سينمائي : " حان وقت الكتابة".
بدأت تكتب "كان القمر في تلك الليلة .." ثم توقفت وبدا على وجهها علامات الغضب ونظرت إلى سور البلكونة فوجدت عصفور صغير صبت عليه غضبها وقالت له: "القمر من جديد ! كل القصص عن القمر ! بدلا من أن أكون أديبة فيلسوفة أو أديبة الحارة المصرية أصبح أديبة القمر .. أي سذاجة تلك! رد أيها العصفور .. رد." عادت للكتابة وبدأت من جديد وكتبت:" كان البحر غاضبا والسماء مظلمة و.." ثم نظرت للعصفور من جديد وقالت : " ولا أدري حقا ، ما فائدة البحر والسماء بدون القمر. كأنني أكتب قصة الفرسان الثلاثة بفارسين فقط، بالطبع لا يجوز!". ظلت تنظر إلى العصفور والسماء وهي تشرب كوب القهوة المتخفي في شكل كوب لبن والسيجار الشكولاتة وكانت تنظر إلى السماء وهي تغرب منتظرة قدوم القمر لتناقش معه المشكلة وجها لوجه. مرت على وجهها نسمة هواء باردة تحمل رائحة الربيع.  نظرت إلى العصفور من جديد وقالت له متسائلة: "كعصفور ، ما رأيك في حل هذه المشكلة ؟ كيف أكتب بدون أن يظهر القمر في وسط القصة؟" ولكن العصفور طار قبل أن يجيبها ...
كانت السماء رائعة كعدتها وترسم ابتسامة جميلة بالنجوم اللامعة .. لم يأتي القمر ، هل يشعر بالحزن؟ هكذا تساءلت وهي تنهي كوب اللبن. قامت من مكانها واستندت على سور البلكونة ونظرة إلى السماء حيث الابتسامة مرسومة وقالت بصوت هادئ: "اعتذر لك يا صديقي ، سأترك لك باقي الشكولاتة و أظن بأني لن أكتب اليوم سأنتظرك في الغد .. أو بعد الغد .. أو مهما طال الأمر .. " رأت عصفور يطير بعيد فلوحت له وتركت الورق والاقلام وهي تبتسم ابتسامة تشبه تلك التي في السماء. وتركت ورقة بيضاء تظهر عليها رسمة قمر كبير وكتبت تحتها على القارئ تخيل قصة مناسبة لأن الكاتب لم يجد واحدة..



Wednesday, March 22, 2017

قالت - رسائل مقتبسة

اقتباسات من كتاب "قالت" للشاعر فاروق جويدة. 
من الجميل أن نجد الكلمات التي هربت منا موجودة على أوراق أخرى فنجمعها ونبعث بها في رسالة. 

- كنت أريد أن أبقيها في نفسي .. كنت أريد أن أجعلها شيئا في داخلي .. كنت أريد أن تظل صورتها بكل ملامح الجمال والدفء والعطاء فيها.

- الحب الحقيقي لا يموت .. يتوارى في داخلنا .. يشعر بتجاهلنا له .. ولكنه فجأة يصيح في داخلنا .. 

-  دائما أنت بقلبي .. 
رغم أن الأرض ماتت ..
رغم أن الحلم مات ..
ربما ألقاك يوماً ..
في دموع الكلمات ..

- لقد أعطانا هذا العام شيئا من الدفء رغم أن صقيع أيامنا كان طويلا .. سوف نذكر لهذا العام أنه أعطانا أشياء كثرة جاءت على غير انتظار .. وأجمل الأفراح هي تلك التي تجئ على غير انتظار .. وأسوأ الأحزان هي أيضا تلك التي تجئ على غير موعد .. 

- لم يبق غير ذلك الوجه الصبوح المشرق الذي أحببته فيك .. لم يبق غير كلماتك بعذوبتها وتهورها .. صدقيني اشتقت كثيرا لجنونك وتهورك. ولقد استكنت بعدك .. إن ورافد الأنهار تتعلم الثورة من تدفق النهر الكبير.. ومنذ رحلت هدأت في داخلي واستكان بعدك.. كانت ثورتي بعض ثورتك .. وكان جنوني من جنونك .. كيف أعيدك يا جنوني .. يا ثورتي .. لا أدري كيف أفعل ذلك ..

- وذا كان ولابد من أن تغير قلبك .. فعليك أن تختار قلب طفل صغير لم تدنسه بعد أقدام هذا الزمان العابث الردئ..
إذا كنت تريد أن تستبدل قلبك فحاول أن تختار قلباً لم يحمل هموم هذا العالم أحزاناً واحباطا ويأسا ..
إذا كنت تريد أن تغير قلبك حاول أن تختار قلبا لم يتعلم الكراهية بعد .. حتى يمكن أن تحب ..

- أحاول أن أبعد طيفك عن طريقي ولا أتذكرك .. ولا يعني ذلك أنني أصبحت أكرهك الآن. مازلت أحب كل شيء فيك أيامك .. أخطاءك .. ثورتك .. حماقتك .. وجنونك. ولكنني لا أريد أن أتذكرك حتى لا ذكر أيام الأحلام الكبيرة التي مازلت أتحسر عليها.
إنني أعيش الآن زمن الأحلام المزيفة والعملات الرديئة .. لقد ماتت كل الأحلام الصادقة والجميلة..
أصبحت الآن فقيرا  .. أفلست خزائني. وأصبح الدائنون يطارودنني في كل مكان .. لأنني لا أستطيع سداد أحلام اقترضتها من الناس وعجزت عن سدادها.

- اعذريني  .. كنت فيما مضى أنظر في عينيك وأنسى أشياء كثيرة: الهموم العابرة .. ومتاعب الحياة .. وزماننا الضائع ..
كان بريق عينيك قاربا صغيرا يحملني إلى بر الأمان فألتقط بعض أنفاسي وأعود أسبح من جديد .. وأستكمل الرحلة
كنت أشعر في عينيك أن هناك مساحة صغيرة جدا في هذا العالم يمكن أن تحتويني وأشعر فيها بالأمان ..
كثيرا ما كنت أدخل عينيك وأغلق خلفي جميع الأبواب وأشعر أن جيوش الأرض ومباحث الكون لن تصل إلي .. مادمت في عينيك ..
ولكنني قررت من الآن ألا أهرب إلى عينيك مرة أخرى، لم يعد من العمر يسمح بالهروب. سوف أظل واقفا في مكاني أمام التيار أواجه قدري بدون عينيك ولن أهرب إلى الشاطئ مرة أخرى.

- فجأة ألتقط بقاياها من فوق أرصفة الحياة .. أهرب بها من صقيع الطرقات وأنزوي في ركن صغير من أركان بيتي بعيدا عن الناس.  أجلس أمام مدفأتي الصغيرة أحاول أن أجمع أشلائي المتناثرة لأصنع منها ذلك الإنسان القديم الذي أحببته في داخلي.


- الانسان لابد أن يتعود على الوحدة حتى لا ينسى حقيقته الأولى التي ولد بها ولابد أن يرحل معها.. فنحن نولد وحدنا ونموت أيضا وحدنا. وبين الولادة والموت لا ينبغي للإنسان أن ينسى حقيقة أنه وحيد.

- إنه مثل حركة القطارات، المهم أن يلتقي المسافران في وقت واحد .. وعلى محطة واحدة .. فقد يهبط أحدهما في لحظة يغادر فيها الآخر .. وقد يلتقيان على غير موعد .. وقد لا يلتقيان أبدا ..
وهذا هو الحب. مصادفة تأتي بدون ترتيب وعلى غير موعد ؟؟
ثم ترحل أيضا بدون إنذار .. وعلى غير موعد ..

- جمعنا لقاء عابر بعد سنوات فراق طالت ..
كنت أريد أن أقول لها أن الأيام بعدك تشابهت وأصبحت أغنية مكررة مملة وثقيلة .. وأن الوجوه تشابهت وفقدت ملامحها ونبضها وبساطتها ..
- كنت أريد أن أقول لها أنني فتشت عنك في كل امرأة عابرة .. فتشت عن عيونك .. وأيامك .. وعطرك وثرثرتك وأحلامك التي لا تتحقق وأمانيك التي شردتنا في أرض الله ..
كنت أطارد وجهك في كل الوجوه وأشم عطرك وتفصلني عنك آلاف الأميال.

- كنت أريد أن أقول لك أنني أحبك بأعلى صوتي .. فما زلت سابحة في دمي .. ومازلت واقفة في آخر كل طريق أسكله .. كأنك ظلي .. أو قدري .. أو سنوات عمري ..

- وأجمل الأشياء أن تترك البيت بكل الاشياء الجميلة قبل أن نرحل عنها .. إن ذلك يذكرني بدمار الحروب .. التي تقتل كل شيء في الإنسان ..

- وجدت نفسي في عينيك. لأول مرة يفارقني إحساسي القديم بالخوف. والخوف إحساس متوارث ورثناه عن آبائنا وأجدادنا..

- إننا نقابل في حياتنا عشرات الوجوه .. ولا يبقى في أعماقنا إلا وجه واحد نذكره، نحفظ في أجندة تليفوناتنا عشرات الأرقام .. ولكن الذي يظل في ذاكرتنا رقم واحد، وحتى حينما نحزن نتمنى لو أن شخصا واحدا يشاركنا هذا الحزن .. ونحلم عشرات الاحلام وقد نحققها جميعا ونعيش العمر تعساء من أجل حلم واحد لم نحققه ..

- ثقيلة أيامي من غيرك .. بطيئة النبض .. كئيبة الملامح .. أعيدي لأيامي نبضها المسافر 

- وتحقق حلمك .. تصل إلى ما تمنيت .. ويصبح الأمل حقيقة .. ولكنك في لحظة سعادتك بحلمك تشعر بلحظة شقاء عنيفة لأنك حققت حلمك وحيدا ..
لأنك حينما وصلت إلى نهاية المطاف تلفت حولك في لحظة تعب وإرهاق فلم تجد الإنسان الذي حلمت أن تكون معه في هذه اللحظة .. لحظة الوصول إلى الحلم.
شيء مرهق أن نحلم .. وأكثر إرهاقا من الحلم ان نصل إليه وحدنا. 

- إننا في أحزننا ندرك كم هي جميلة وعظيمة لحظة السعادة .. 

- نتصور أحيانا أن ماضينا هو أجمل أيام عمرنا .. وهو التذكارات التي جمعناها لكي نعيش عليها .. ثم ندرك بعد ذلك أن الغد جاء على غير ما توقعنا .. لقد جاء أكثر جمالا من كل رصيد ذكرياتنا. 

- حزينة أنت .. أعرف كم أنت حزينة وأنا مثلك أكثر حزنا .. لكن الأيام علمتني أن أجمل ما فيها أمل نغرسه وفرحة ننتظرها ولقاء نسافر من أجله آلاف الأميال ..  

- مازلت اؤمن رغم المسافات التي تركتنا بقايا أن الزمن سوف يلملم كل هذه الجراح . وسوف تعود كل الأشياء الجميلة تجمعنا مرة أخرى .. أعلم كم أنت حزينة .. وكم أنا مثلك حزين ..
لكن دعينا نبتسم لأن ابتسامتنا ميلاد جديد ..

-  أجلس الآن أمامك وأنا أتخيل غدا من غيرك أشعر أنه شيء مظلم كئيب .. أتخيل عيني بدون بريق عينيك .. أتخيل شعري بلا صوتك .. أتخيل أيامي بعيدا عنك .. كل هذا يدور في رأسي كأنك بعدت عني .. أشعر أن العالم ينتهي .. وأن الكرة الأرضية قد تغيرت مكوناتها وملامحها .. هناك بركان يتفجر داخلي الآن