عاد إلى نفس المكان الذي بدأ منه كل شيء ، تطارده بعض الذكريات والأحلام والكثير من الأسئلة المؤلمة التي يهرب من كثير منها، تظهر له بعض النجوم والأقمار اللامعة تطمئنه بأنه مازال على وعده وأن كل ما في الأمر أنه دخل منعطف جديد وقطع مسافة كبيرة من الطريق وتغير الأمر ولم يعد هناك طريق للعودة...
تذكر تلك الليلة أو الليالي لا يدرى ، كان كل شيء مازال أخضرا وكان القلب مازال أبيض والعقل مازال مشتعلا بالأفكار والاحلام ، كان يرضى بأي شيء وينتظر كل شيء.. لم يدخل أي من معاركه بعد ، كان مازال يجلس على الشاطئ أو أبعد من الشاطئ .. يجلس ناظر للسماء متسائل عما سيحدث في المستقبل؟ كيف لطفل صغير أن يحمل حلم كبير؟ كان يتساءل لو يجب عليه أن يرضى بالواقع أن يستسلم لأشباح العالم؟ أن يحفظ ويحفظ ويحفظ لمدة عامين كاملين من أجل ورقة تؤهله للدخول لمكان لآخر لمدة خمسة أعوام من أجل ورقة أخرى؟! كان الأمر يبدوا وكأنه أسوا كابوس وكأن العالم يريد أن يقتل الحلم والأمل يقتل لمعان عينيه ، جلس في نفس البقعة التي جلس فيها الآن وتذكر وعده للقمر منذ طفولته وقام بعمل معاهدة جديدة سيرضى بالواقع ويحفظ ما يريدون حفظه ولكنه سيتعلم المقاومة ، سيقاوم ويطارد أحلامه ، كان بإمكانه أن يرى الطريق ممتد ولكن هناك حائظ هائل لا بداية ولا نهاية له يسد أمامه الطريق ولكنه لم يشعر بالقلق من هذا الحائظ كان يدري أن الأمر بسيط وقت وسيمر وسيعبر وسيجد البحر خلف الشاطئ بموجه ورماله يأخذه إلى أحلامه...
مرت الليالي تباعا تباعا ، الحائط اختفى ، تغير الأمر ، أصبح الضباب يملأ الطريق وتشعب لمئات من الطرق ، اختفت رائحة البحر والقمر لم يعد يظهر كل ليلة كما أعتاد ، اصبحت الحياة مخيفة ، لم يعد الوقت صديق له كما أعتاد بل أصبح عدو يقف فوق كتفه ويضحك كلما رآه يسقط ، يضحك كلما رآه يتعثر ويبكي ، يضحك ويضحك ويمضي في طريقه هازئا منه ، يحاول دائما أن يعود لوعوده ، يعود للمقاومة التي تعلمها ولكن الأمر صار صعبا وكأنه مقاتل نسي حمل السيف بعد سنوات طويلة من الراحة... ولكنه أيضا أكتشف شيء جديد ، أكتشف أن الحمل الثقيل من الممكن أن يحمله أثنان وأن القارب من الممكن أن يسيره أثنان ، فجأة أكتشفها تجلس بجانبه على كرسي القطار وهو يعبر الطريق ، كيف ومتى ومن أين؟ أسئلة كثيرة تدوب اجابتها في عينيها ، لم يعرف غير الوحدة ولم يألف غير صوت الصمت الممزوج بأفكاره هكذا يقول لنفسه أن يهرب من القطار ويختفي الظلام ولكنه قبل أن ينقفذ ينظر إلى القمر فيراها ويرى أحلامه ويرى البحر ورائحته ويرى الرمال والقمر والنجوم ... تماما كتلك الليلة التي بدأ منها كل شيء ... فيتمسك بالمقعد ويدري بأن من هذه اللحظة لم يعد وحيدا في تلك الرحلة وصار من يشاركه قطاره الليلي ... ولكن أحيانا احيانا تهرب منه بين عربات القطار ، أحيانا تأخذ احلامه وقمره ونجومه وبحره وتهرب ومع كل هروب تترك علامة واضحة على قلبه لا تتحرك ...
يحاول أن يوقف كل شيء حوله .. كل شيء .. يتذكر كيف بدأ .. يهدأ .. يجدد وعوده .. يفكر أن بأن المعارك تجدد وتكبر كما يكبر هو وأن القوي هو من يستمر والضعيف هو من يستسلم .. ينظر خلفه يرى طريق طويييل قد قطعه يرى جبال وبحار قد قطعها وينظر بجانبه فيراها ،، فيدرك أن عليه أن يهدأ ويتفهم معركته الجديدة ويعود لخطته الأولى وعده مع القمر والمقاومة ....
No comments:
Post a Comment