بدأ كل شيء عندما كانت تبحث عن الحياة وليس
كما يعتقد الجميع بأنها تفر من الموت. برغم من صغر سنها إلا أنها أدركت حقيقة
الموت وأنه لا مفر منه ولكن هناك دائما طريق للحياة. كانت تركض بخطوات أسرع من أن
يدركها العالم ,تحمل أخيها على كتفها بثبات أم تحمل أبنها المصاب في المحرب نحو المشفى
وبنفس قلق الأم أيضا وخوفها. كانت تقفز كما يقفز الأطفال في سنها ولكن قفزها كان
فوق الحواجز، أو فوق الصخور باحثة عن حياة نتفجر من وسطها. سارت لأيام وأيام حتى
وجدت ما تمنت أن يصبح بيت لها ولأخيها الصغير. وضعت أخيها وهمومها التي أصبحت أكبر
بكثير من جسمها الصغير على جانب من تلك الخيمة التي لا تتعدى المترات القليلة
وتتشاركها مع أشخاص شاركوها قصتها أيضا وإن اختلفت الأحداث. مرت الأيام بطيئة
وكانت دائما ما تحتفظ بجزء كبير من طعمها –إن تمكنت بالحصول على طعام_ لأخيها
الصغير فلا أحد يدري ما سيحدث غدا. حتى جاء الشتاء ببرودته التي ذكرتها بوحدتها
وأفتقدها ليد أمها أو أبيها تمسح على وجهها فينتشر الدفيء بداخلها. لم تجد حضن
أمها ليلا تنام بداخله لتختبأ من الأمطار والبرد وكل شرور العالم. فقط يديها
الصغيرتين وأمامها كل العالم والآن جاء البرد. شعرت بقلق على أخيها فلم تجد حل إلا
أن تخبأه بداخلها وكأنها تتمسك بالحياة من خلال أنفاسه. كان كل يوم يبدوا أكثر برودة
من اليوم الذي يسبقه بالرغم من صغر سنها إلا أنها كانت تدرك أن تلك هي الطبيعة
ولكن ما لم تفهمه هي وحدتها الباردة وبرودة البشر في هذا العالم. كانت ليلة كئيبة
عندما أشدت الريح وقلعت سقف هذه الخيمة ولكن لم يكن هناك ريح قوية كفاية لتقتلع تمسك
طفلة أصبحت أم بالحياة. كانت تشعر ببرد شديد ولكن صراخ أخيها يجعلها تنسى كل برد
ولكن فجأة خانتها أعضائها، فجسدها مازال جسد طفلة فتغلب على عاطفة الأم والحياة
بداخلها. بدأ جسمها يسكن بعد أن كانت ترتعش وبدأ جفنيها يثقلان وكانت نظراتها
مثبتة على أخيها وكأنها تحاول أن ترسل له روحها حتى يكمل هو الطريق. كان بداخلها
ذلك الأمل الذي لم يفارقها منذ أن تركت بيتها بعد القصف، ذلك الأمل الذي لم يضعف
أو يتبدل رغم الأخبار التي كانت تتوالى عن القتلى كل يوم، الأمل أن ترى أبيها
وامها وكأنهما ما زلا على قيد الحياة فتحملها أمها من وسط هذا الثلج وتحتضنها في
رفق فيذوب كل البرد ويختفي استحياء من ذلك الحب ... نامت الطفلة في الهدوء في رحلة
أكثر سلاما، عائدة إلى أبيها وأمها تاركة ذلك العالم والبارد وفي رقبته دين ثقيل...
No comments:
Post a Comment