Sunday, January 20, 2013

رحلة إلى الجنوب





أكتب هذه المقالة بعد رحلة قمت بها بين مدينتي الأقصر و أسوان في مصر كنوع من التسجيل لكل ما رأيته لكن بطريقة مختلفة. فأنت يمكنك أن تلتقط مئات الصور لنفس المكان لكن لا يمكنك أن تلتقط الأفكار أو المشاعر , لا يمكنك أن تقيد التاريخ في صور ثابتة أو حتى متحركة. لم أجد وسيلة أفضل من الكتابة لأسجل بها رحلتي هذه.
 المقالة مقسمة إلى أقسام مختلفة لكل منها عنوان خاص منها و كل قسم يعبر عن فكرة معينة.


السفر



لا أحد يختلف على أهمية السفر في تكوين شخصية الإنسان و تفكيره لكن هذه المرة الموضوع يختلف.  الأقصر و أسوان داخل مصر , هذه ليست رحلة بعيدة للخارج , إنما هي رحلة إلى أعماق الوطن. هذه الرحلة اكتشاف لأرض عشت عليها لسنين و عاشت هي لآلاف السنين. لقد تعلمنا كثيرا في المدرسة عن التاريخ المصري و كثيرا ما كتبنا عن أصالة مصر و الإنسان المصري , لكننا لا نعلم حقا أي شيء عن تاريخ مصر. كان تعاملنا مع التاريخ و كأنه رواية طويل مملة يجب أن نحفظ صافحتها و ننتهي منها. لا أحد يستطيع أن يفهم فعلا هذا التاريخ بدون السفر. أن تسافر فعلا و تتحرك و أن تسافر بعقلك و تعيش بين الشجر , على ماء النيل , تشعر بأنك تتحرك مع أوراق الشجر عندما يمر الهواء عليها , تشعر بأنك تتغذى على الشمس مثل النباتات تماما , أن ترى الطبيعة كاملة و تنسى انك إنسان و تشعر كأنك مجرد عين ترى بها هذا الجمال و تشعر و كأنك أصبحت جزء منه. منظر النيل و الطبيعة من حوله و الصحراء و الجبال كافية بان تجعلك تسافر خارج هذا العالم. تترك كل شيء مادي وتعيش من خلال عينك. جزء آخر من السفر يكون عندما تعود للماضي عندما تقف في معبد أو مقبرة فرعونية , فقط يكفي أن تتخيل شكل و هيبة المكان عندما تم بنائه. أن تعيش مع الكاهن و هو يتقدم بخطوات بطيئة نحو قدس الأقداس , أن تشعر كأنك هو في تسارع نبضاتك و اقشعرار جسدك هيبة للمكان, حينها لن تقدر روعة المكان فقط في شكله و ارتفاعه و لكن ستقدره بقيمته.  ويبقى السفر كما هو مهما تقدم بك العمر عندما تسافر تكتشف المزيد عن نفسك , عما في في عقلك و قلبك , تكتشف المزيد عمن حولك . السفر هو رحلة لاكتشاف حتى الأشياء التي كنت تعتقد انك تعرفها حق المعرفة تكتشفها من جديد.



الحضارة و الإنسان



منظر نهر النيل الرائع و الطبيعة من حوله من أشجار و جبال بعيدة كخلفية لوحة رائعة جعلني أفكر في مفهوم "التقدم و الحضارة الإنسانية". هل كل فكرتنا عن التقدم و عن الحضارة ينحصر في العلم و الاختراعات الجديدة و أن يتحول كل شيء لعلم مدروس يتقدم مع الوقت ؟ لا أشعر أبدا بأن التقدم الإنساني و الحضارة الإنسانية لها أي علاقة بالإنسان. حضاراتنا هي حضارات مادية بحتة. فنحن ندمر كل ما هو جميل من اجل صنع ماديات قبيحة. فحتى عندما نحاول أن نصنع ما هو جميل يكون في نهاية نسخة مقلدة لا ترتقي إلى مستوى الطبيعة. نظرة بسيطة للفرق بين منظر نهر النيل في القاهرة و في الصعيد تفهم المصيبة التي نظن أنها تقدم " إنساني". لا أعلم من الذي جعل الطبيعة عدو الإنسان؟ من الذي أعطى الحق للإنسان أن يدمر الطبيعة باسم الحضارة؟ مثلا فكرة حديقة الحيوان و المحميات الطبيعية, فجأة أصبحت الحيوانات هي كائنات إضافية على الكوكب و أصبح من حق الإنسان أن يحبسها بعيدا عن الطبيعة التي تحافظ هي عليها أكثر مما يحافظ عليها الإنسان نفسه. تأمل منظر الحيوانات على ضفاف النيل بين الخضرة و الماء تعرف المعني الحقيقي للحرية , ثم تجد في أكثر الدول التي تتغني باسم الحرية الحيوانات تعيش في أقفاص حتى يتمتع الإنسان بمشاهدتها و الطبيعة تكون في الصور و الأفلام . لا أستطيع أن افهم معنى الحرية في عالم مادي , لا استطيع أن أتخيل الحرية بدون طبيعة جميلة واسعة , لا أستطيع أن أربط بين الحرية و القيود المادية في نفس الوقت. في رأيي أن الدافع وراء كل تقدم في كل دولة هو أن تزداد قوة و سيطرة بالنسبة لباقي دول العالم , فالحديث عن تقدم إنساني و حضارة إنسانية هو كلام لا يصدقه عقل فببساطة كل ما هو جميل على الأرض هو ما لم تمسه يد الإنسان , كل ما هو جميل هو ما ابتعد عن التقدم الإنساني , نحن ببساطة نصنع المشكلات ثم نبحث عن حلها , الأمراض تزداد بصنع الإنسان ثم نبحث عن أدوية جديدة , و خلال بحثنا عن حل للمشكلات القديمة نوجد مشكلات جديدة و تزداد القائمة و في نهاية نظن بأننا ألان في قمة التقدم الحضري , نظن بأننا وصلنا إلى ما لم يصل إليه إنسان من قبل , الحقيقة هي كالتالي نحن نقترب من قمة الجبل لأننا ندمر الجبل من الأسفل و ننظر وصول القمة للقاع , من كانوا من قبلنا حاولوا الوصول للقمة و لكننا نحن نحاول أن ندمر الجبل بجهلنا و نعتقد بأننا سنصل للقمة و لكن الحقيقة هي أننا سنساوي بين القمة و القاع!!



الفراعنة



الفراعنة قاموا بما هو أكثر من حضارة نفتخر بها فقط ,  ما قاموا به مثل متسلقين الجبال الذين يضعون أعلام بلادهم فوق الجبال. الفراعنة قاموا بوضع علامة في التاريخ لكي نعرف انه مهما مر الوقت و مهما حدث بأن الإنسان المصري قادر على أن يصنع المستحيل على نفس هذا التراب, وضعوا علامة على أن الإنسان المصري قادر على أن يغير مجرى العالم. هذه العلامة تتخطها كونها علامة مصرية , فهلا علامة للبشر جميعا ,  أن الإنسان قادر على صنع المعجزات بعيدا عن الحرب و الدم. علامة على أن البشر قادرون على أن يحطمون قانون الموت و أن يعيشوا لآلاف السنين بدلا من عشرات السنين . يجب أن نتوقف لنرى ما هي العلامة التي سنتركها كأفراد و كشعب. عندما يأتي الأحفاد و أحفاد الأحفاد ما هي العلامة التي سنتركها لهم و أين ستكون. سنترك لهم المرض و الفقر و الدم , سنترك لهم تاريخ اسود عن أحلام ضاعت , عن الأرض التي لم نستطيع أن نحافظ عليها , عن تاريخنا و تراثنا الذي لوثناه , سنترك لهم أهوام حضارة و تقدم , سنترك لهم جهل اسود لا يمر منه الضوء أبدا , و بدلا من ضع لهم علامة على القمة , نضع لهم أفخاخ في الطريق حتى يبقوا  في القاع . علينا أن نتوقف لحظات و نرى إلى أي درجة أصبحت الصورة قاتمة السواد , و فإننا كإفراد أو شعوب عمرنا قصير ينتهي بعد موتنا بأعوام قليلة بعكس الفراعنة فهم مازالوا أحياء حتى بعد موتهم بآلاف السنين. فالفراعنة ضمنوا بقائهم ببقاء الأرض بعكس بقائنا الذي ينتهي بعمرنا القصير.

12 comments:

Anonymous said...

اولا دي من اجمل المدونات اللي كتبتها ف رأي .. جميله جدا ..
ثانيا احنا بنكتفي نبص ع الفراعنه و الحضاره و نبقي مبسوطين جدا لاننا عايشين ف الماضي و خلاص و ف ناس تانيه بتعمل تاريخ بتبص لقدام
فحتي الفراعنه كفكره احنا بستخدمها غلط للاسف :(
عجباني جدا جداا جداا

Abdelrhman Eldallal said...

شكرااا :)

Anonymous said...

You described what i felt during my visit to the temples , but at some point i felt that your look towards our daily life is a really dark one and pessimistic somehow.However, overall i enjoyed your article so much. Chapue :)

Unknown said...

انا فخور ان ليا صديق مثلك من اجمل ما قرات عن وصف مصر انتا فوت سليم حسن والجبرتى يا راجل :]

Abdelrhman Eldallal said...

شكرا على تعليقك :) مش كئيبة اوي اد ما هي واقعية , يعني لو بصينا للصورة كاملة هنلاقي اننا بندمر مش بنبني حاجة , مش عارف اذا كان ده بيبان في كتاباتي ولا لا بس عامة انا بكون متفائل بالجاي يعني :D

Abdelrhman Eldallal said...

الله يخليك يا سيدوا :D شفت بقى اني بقدرك لما بقولك يا صعيدي

ثمار الجنة said...

رائعة يا عبد الرحمن بجد ، بداية ممتازة لأدب الرحلات ، و فكرة التقسيم فكرة ابداعية جميلة ، و فكرة اننا بنكسر الجبل و فاكرين اننا بكده بنقترب من القمة تمثيل جيد جدا للواقع ، استمر

Abdelrhman Eldallal said...

شكرا يا نهلة :)

Nesma Hossam said...

طريقتك فى وصف الأشياء ادانى احساس انى كنت عايشة مع الفراعنة من ألاف السنين. طريقتك فى تشخيص الحاجة والتشبيه بيها زى النبات مثلا فكرتنى باحساسى وانا قاعدة هناك اتفرج على الشمس و النيل و الغروب, المناظر الطبيعية بس اعذرنى انا ماليش فى النوع دا من الابداع فمقدرتش اوصفها بالعمق دا. قسم السفر اقوى جزء بالنسبالى علشان ادانى شعور حلو لما اختلطت كلماتك مع افكارى. و جزء التخيل بتاع الأماكن دى اول ما تم بنائها من اجمل الأجزاء .

Abdelrhman Eldallal said...

ما تعليقك زي الفل اهو , شاطرة بس تقوليلي انك مش عندك خبرة و مش عارف ايه :D

شكرا :)

Anonymous said...

المقالة بالفعل وصفت اللى جواك لما رحت هناك وده كان ملاحظ
اد ايه صادقة هى المقالة لانها معبرة عن المشاعر الداخلية
اتمنى بالفعل انك تكون متفائل

Abdelrhman Eldallal said...

انا متفائل :) والمقالة كانت بتعبر عن حاجات شفتها فعلا