Friday, November 29, 2013

انعكاس


منذ ذلك اليوم وقرر ألا يقف أمام المرآة أبدا فهو لا يثق في الانعكاس الذي سيظهر له. عاش زمن يهرب من الحوائط ويمشي في وسط الشارع ولا يدخل أي بيت أبدا. عاش هكذا لأعوام طويلة حتى نسي شكله ونسي من يكون ومازال يمشي في وسط الشارع حتى فاجأته مرآة أمامه في الشارع. لم يستطع أن يتحرك أو يهرب أصابه الشلل من فرط المفاجئة. نظر بقوة في المرأة لكنه لم يرى شيئا على الإطلاق. وبدأ حوار عجيب مع المرآة ...
الإنسان: أين انعكاسي؟
المرآة: بل أسأل أين الأصل قبل أن تسأل عن الصورة
الإنسان: ما شاء الله مرآة فيلسوفه يبدو أنني لم أخطأ عندما قررت أن أهرب من أمثالك
المرآة: واضح أنك فشلت في مسعاك هذا
الإنسان: كيف وصلتي إلي ؟ كيف وصلتي إلى منتصف الطريق حيث لا حائط ولا بيت ولا أي شيء؟
المرآة: وهل تظن حقا بأنني جئت إليك وليس العكس
الإنسان: يبدوا أن ذكائك محدود ,أنا أهرب منك منذ أعوام لماذا فجأة أقرر أن آتي إليك؟ّ!
المرآة: لعلك تريد أن تعود
الإنسان: أعود إلى أين ولمن؟ أنا لا أعرف أحد ومكاني في منتصف الشارع
المرآة: هل تعرف أني أستطيع أن أريك أنعاكسها وهي تقف في الشارع الآخر
الإنسان: م م ماذا ؟ ماذا ؟ هل هذا معقول ؟ كيف ؟ ألا يجب توافر الأصل ؟
المرآة: يبدوا أن تعرف أشخاص في النهاية
الإنسان: من فضلك لا تعبثي معي أنا لا أتحمل
المرآة: وهل تعرف حقا إذا ما كنت تتحمل أم لا ؟ هل تعرف أصلا من تكون؟
الإنسان: نعم أعرف جيدا ولذلك قررت أن أهجر المرايا في هذا العالم
المرآة: هل هذا معناه أنك لا تخاف من أن اريك صورتك ؟
الإنسان: عدنا للألعاب من الجديد , من فضلك احترمي سنين عمري التي ضاعت في الهرب
المرآة: من قال أي شيء عن قلة الاحترام
الإنسان: حسنا حسنا كفى مزاح, أريني شكلي الآن مرت أعوام وأعوام وأنا أخاف من هذا اليوم
المرآة: يالك من إنسان ضعيف , أضعت عمرك في الهرب من لوح صغير لامع يشبه الزجاج ولا يريك غير حقيقتك!!
الإنسان: يالا وقاحتك!! من أنت حتى تتهميني بمثل هذه التهم ؟
المرآة: أنا أعرفك من يوم ما كنت تقف أمامي لتقول كلماتك وخطاباتك أمامي قبل أن تلعن الدنيا وما فيها وتقرر الهرب
الإنسان: من فضلك احترمي سرية ذكرياتي وأتركيني أهرب في سلام , أو أريني شكلي .. نعم ,, نعم أريني شكلي
المرآة: هل تريد صورتك أم صورتها ؟ أو صورتكما معا؟
الإنسان: أتمنى أن تحترقي الآن وتشاهدي أنعاكس النار وأنتي في وسطها
المرآة: كل هذا لأني أريد سعادتك؟
الإنسان: أنت تريد موتي هذه المرة , ألا يكفي أن هربت عمري كله!!
المرآة: حسنا حسنا , هل تريد أنت ترى ذلك الطفل ؟ الطفل الذي كان يقف في وسط الحقل ويصيح بأعلى صوته أن هذا الحقل ملكه وقريبا سيكون العالم كله ؟
الإنسان: كم أكره ذلك الطفل , كان أحمق لا يعرف حقيقة العالم , كان يقف أمامك ليلا ونهارا ينظر في عينيه ويتعمق كثيرا وكثيرا حتى يصل إلى أعماق النجوم والمجرات بل ويتعدى الزمن في انعكاساتك الخبيثة وفجأة يجد يغير كل شيء ويقوم بكل شيء ويطير في كل سماء وهو ينظر في انعكاس عينيه, حتى أصابه لعنتك وأصبح يخاف النظر ومن بعدها وهو يهرب لا يريد النجوم ولا المجرات ولا حتى الزمن ,,,, اتركيني في حالي الآن , اتركيني
المرآة: كان قرار أحمق , الطفل الذي كان يقف أمامي كنت أشعر بالخوف أمام نظراته أما أنت لا تقوى حتى على النظر في عينيك
الإنسان: فقط أصمتي واتركيني أهرب , أو أريني انعكاسي لا يهم
المرآة: بقى سؤال يريد إجابة , لماذا لا تستطيع أن ترى صورتك الآن؟
الإنسان: لا أعرف
المرآة: نعم لأنك أحمق, عد لأول إجابة أجبتك بها , أبحث عن الأصل أيها الأحمق



Saturday, November 9, 2013

قد تحن إلى الماضي

تمر الأيام لتثبت لك أن تغير هو الأشياء هو الثابت الوحيد في معادلة الحياة على هذه الأرض. العمر يمر , الشمس تشرق وتغرب , السحاب يتحرك, حتى الأرض نفسها يتغير شكلها , النفوس تتبدل , التفكير يختلف, حتى الكواكب الهائلة ليست ثابتة في مكانها. تتبدل أيام الإنسان وأحواله وبالطبع يأتي يوم يشعر فيه الإنسان بأن الحالة التي وصل إليها هي أفضل حالة أو بكلمات أخرى يشعر أنه قد وصل إلى قمة السعادة فيتمنى المستحيل , يتمنى أن يخالف الشيء الثابت , يتمنى أو يوقف حركة الكون ويمنع أي شيء من أن يتغير. هو ينسى حقيقة واضحة وهي أن لولا حقيقة التغيير لما وصل إلى ما هو فيه, فهو لم يصل إلى سعادته إلا بعد أن تبدلت حالته من حالة سيئة _في وجهة نظرة_ إلى حالة أفضل. لكن بهذا المنطق سيكون الإنسان فريسة الواقع وعليه أن يسلم ويرفع الراية البيضاء لأنه لا يستطيع أن يواجه التغيير. تخيل معي لو ان هناك قطار سريع أن تريد اللحاق به من الممكن أن تقف أمامه وتتمنى أن يتوقف أو تقف في مكان مر به وتتمنى أن يكون القطار في كلا الحالتين أن تنسى حقيقة حركة القطار الثابتة , عليك ان تواجه الحركة بحركة , أن تواجه التغيير بتغيير. أن يتحرك القطار عليك أن تركب سيارتك وتنطلق بأقصى سرعة. عندما تتغير الأيام وتتبدل الأحوال على الإنسان أن يتغير ويتبدل بسرعة توازي سرعة الأيام. كل ما في الأرض يثبت هذه الحقيقة, فالنباتات لا تموت في الليل عندما تختفي الشمس بل تتغير وفقا للواقع بدون أن تمس بكيانها ووظائفها , تتغير بنفس السرعة التي تختفي بها الشمس لكي تحافظ على الحالة التي تريد أن يكون عليها , لكي تحافظ على الحياة.

قد تحن إلى الماضي وتحن إلى تلك الليلة التي قضيتها منتشيا من فرط السعادة بعد نجاحك في ذلك الشيء الذي ظننت أنه من المستحيل النجاح فيه. تخيل لو أنك تستطيع فعلا أن تعود إلى ذلك اليوم , ستصاب بخيبة أمل كبيرة , فالسعادة الحقيقة كانت في الليالي التي سبقت هذه الليلة , كانت في الليالي التي كانت تمر وأنت ليس لديك أي دليل على نجاحك غير ذلك الشعور داخلك , السعادة كانت في كل خطوة تمر بها وكل اكتشاف وتحدي جديد ,السعادة كانت في أيام تشعر وكأنك لست متأكد من أي شيء غير أنك تريد أن تحقق كل شيء. حقيقة الحنين إلى الماضي , هو ليس حنين إلى ساعة معينة ولا يوم معين ولكنه حنين إلى شعور كامل وحياة كاملة , أنت في يدك أن تعيدها ولكن في صورة جديدة في حياتك الآن.