بمجرد أن أغلق الباب شعر وكأن الشقة أصبحت أوسع، أوسع
مما يجب. ذلك الهدوء الزائد يجعله يفكر أكثر من المطلوب ويتساءل لو أنه تسرع في
يعيش وحيدا، وليس فقط وحيدا ولكنه وحيد في بلد غريبة وبعيدة عن مدينته. حاول أن
يشغل نفسه بأن يفرغ الحقائب ويضع كل شيء في مكانه، ولكن ذلك الشعور الغريب الذي
بداخله بدى وكأنه مرض يتفشى في داخله. قرر أن يعود للفندق الذي نزل به قبل أن يقوم
بتأجير تلك الشقة وبرر ذلك لنفسه أنه الشقة ليست جاهزة بعد، والتأجيل بالطبع ليس
له علاقة بالشعور الغريب الذي ينتابه. انتهى من ترتيب أشيائه ليلا وقرر أن يغادر
الشقة ليعود للفندق. وهو في طريقه للباب الخارجي قابل سيدة عجوز في الممر الذي بين
باب الشقة والباب الخارجي. حاول أن يشرح لها أنه المستأجر الجديد للشقة ولكنها بدت
أنها لا تفهمه ويبدو أنها لا تتحدث إلا لغة تلك البلد الغريبة ولا تعرف شيء عن
اللغة الإنجليزية. هرب من المكان خوفا من تظن السيدة أنه
شخص جاء ليسرق البيت. بات
هذه الليلة في الفندق، وبعد يومين لم يجد مفر من أن يقضي أول يوم في الشقة الجديدة
وحيدا.
مر نهارأول يوم بسلام وقبل غروب الشمس بقليل، لمح شبح شخص يمر
من أمام نافذة المطبخ، ثم سمع طرق خفيف على الباب. نظر من خلال ثقب الباب فوجد
سيدة عجوز. تفاجئ وازداد ذلك الشعور الغريب بداخله أكثر. فهو شخص مجهول بالنسبة
لسكان هذه المدينة. واستعد لأن يسمع جمل عن أنه لا ينتمي لهذا المكان وربما يسمع
بعض التهديدات. ولكنه تفاجئ بالعكس تماما، وجد سيدة عجوز هادئة، تسأله أسئلة كثيرة
بلغة البلد التي لا يفهم منها شيء. لم تعطه فرصة أن يشرح لها أنه لا يفهم حرف مما
تقول ولكنها كانت تبدو انها تدرك ذلك، ولعلها شعرت بأنه لا بأس بقصة أو اثنتين حتى
لو لم يفهم شيء. بدأت وأنها تحكي عن المكان وربما ترحب به أو تحكي عن أولادها التي سيعرف لاحقا أنهم ثلاثة. لم يستطيع ان يقطع حديثها ولكنه وقف مستمع وحاول أن يستخدم هاتفه لكي يترجم الحديث ولكن السيدة
العجوز لم تفهم الأمر. اكتف بابتسامة وهي ردتها له بابتسامة أخرى أكثر دفئا. ودعته
وتركته وفتحت الباب المقابل له ودخلت شقتها. عندما أغلق الباب اكتشف ان هناك دفء تسلل من الباب
بالرغم من برودة الجو. شعر للمرة الأولى أن تلك الشقة الصغيرة قد أصبحت بيته الجديد.
لم يعرف أسم جارته ولم يعرف أي شيء عنها
تقريبا ولكنه شعر بأن لديها الكثير من الحكايات التي يود أن يسمعها فتلك السيدة قدمت له هديته غالية وجعلته ينام تلك الليلة مرتحا.
No comments:
Post a Comment