Sunday, July 7, 2019

جار جديد

بالرغم من أن اليوم في منتصف الشتاء إلا أن ذلك لم يمنع الشمس أن ترسل بعض الدفء إلى شرفته التي كان يستند إلى إحدى حوائطها. يضع كوب القهوة في طاولة صغيرة أمامه وبجانبها الراديو الصغير الخاص به وتنبعث منه صوت موسيقى هادئة تكاد تكون غير مسموعة. كان يقرأ إحدى الروايات التي يود أن يقرأها في هذا الشهر. وضع الكتاب بهدوء بجانب كوب القهوة وهو يتساءل كيف للكاتبة أن تجعل النهاية سعيدة إلى هذا الحد وشعر وكأنها أفسدت الكتاب بتلك النهاية. قطع روتين يوم إجازته صوت سيارة نقل كبيرة تقترب من باب البيت ووقفت بجانب العمارة المقابلة لشرفته ونزل منها ثلاثة رجال ووقفوا ينتظرون شخص ما. جاءت هي خلفهم بسيارتها الصغيرة ووقفت أمام السيارة النقل ونزلت وهي وتبحث عما يبدو عن مفاتيح المنزل وهي تشير لهم أن هذا هو المكان وبدأ الجميع بالتحرك لنقل الأثاث من داخل السيارة إلى الشقة. خرج البواب مسرعا من مدخل العمارة وبدا أنه يرحب بالسيدة ترحيب حار. لأول مرة منذ أن بدأ عمله وسكن هذه الشقة – منذ عامين تحديدا – ينفتح باب الشرفة المقابلة لشقته وظهرت هي من خلف الباب. انعقد لسانه وشعر وكأن الكلام قد تبخر من عقله، ومن الواضح أنها شعرت بالحرج فبادرت هي بالحديث وقالت تبتسم:
- صباح الخير، انا جارتكم الجديدة ان شاء الله  
فرد هو سريعا وهو يحاول أن يصلح الأمر:
- صباح النور، حمدلله على السلامة. محتاجين مساعدة أو حاجة؟
ابتسمت من جديد وقالت:
- لا شكراً
وأسرعت للداخل وهي تتحدث لحد الرجال وتشير له بأن يضع قطعة من الأثاث في مكان ما في الغرفة.
دار بنظره في شرفته سريعا فوجد في الركن نباتات يبدو بأنها ماتت منذ وقت طويل والتراب يغطي كل شيء، وتساءل منذ متى والشرفة بهذا المنظر القبيح. أنتظر ان تغلق هي باب الشرفة وقام بتنظيف شرفته سريعا وقام بتغيير كرسيه القديم بآخر جديد كان اشتراه لمكتبه بالشقة وفي صباح اليوم التالي أشترى نبتة جديدة وبعض الزهور ووضعهم في الشرفة، صادف ترتيبه للزهور خروجها من جديد. تظاهر هذه المرة أنه لم يسمع صوت باب الشرفة ولم يرها تخرج، فضل ذلك على أن يعود إلى ذلك الحرج من الجديد. فجأة سمع صوت شيء يسقط من شرفتها وتبعه صوت شيء ينكسر. نظر بسرعة فوجد أنها هي الأخرى كانت تحاول أن تثبت وعاء به زهور على سور شرفتها ولكنه سقط منها. لاحظ ضيقها من الأمر ودخلت مسرعة إلى شقتها. انتهز هذه الفرصة وأخذ زرعته الجديدة وذهب إلى شقتها، وقف أمام الباب وهو يرتب ما سيقوله ، فجأة يفتح الباب وتخرج هي مسرعة وكانت على وشك أن تصطدم به ليقول هو بسرعة:
-احم ، انا جارك هنا
تفاجأت من وجوده، قبل أن تتحول تعابير وجهها وتبتسم عندما تلاحظ النبتة في يده وتفهم لماذا جاء.
- اه، اهلا وسهلا، محتاج حاجة؟
- لا انا شفت الزرعة وقعت وانا كان عندي الورد ده فقلت يبقى هدية الشقة الجديدة
ابتسمت ابتسامة عريضة واخذتها بسرعة قبل أن تشعر بالحرج وتقول:
-معلش اخدتها بسرعة، الورد شكله جميل، بس خليه عندك في البلكونة أحسن
-لا منا هقدر اشوفه من عندي في البلكونة وعلى الأقل هتفتكري تسقيه كل يوم
ظل واقف على باب البيت ساعتين كاملتين يتبادلان الحديث عن كل شيء بداية من السبب مجيئها إلى تلك المدينة لتعمل كمعلمة بالمدرسة مرورا بعمله ككاتب في الجريدة الصغيرة التي بالمدينة ووصولا إلى كل القضايا الفلسفية الهامة وعندما لاحظ أن الشمس بدأت تغيب والليل يقترب أستأذن قائلا
- أنا هرجع الشقة، مش عايز أعطلك
وتبادلا ابتسامة من القلب فكلاهما أدرك أنهم قد تعاطلا بالفعل. مرت الأيام سريعا وهما يتبادلان الحديث من وقت للآخر وكل هما يجلس في شرفته ، كانت الشرفة هي مكان لقائهما.
حتى حدث مشكلة في عمله وأضطر إلى أن يحل محل صديق له لتغطية حدث في مدينة بعيدة وعليه السفر أسبوعا كاملا، عاد إلى البيت وأنتظر في الشرفة ولكن يبدو أنها تأخرت في المدرسة. كان عليه أن يرحل في ذلك اليوم وشعر بالضيق من أنه لم يودعها ولكن لم يجد مفر من ذلك. مر الأسبوع بطيئا عليه وأول شيء فعله عندما عاد إلى البيت هو الخروج إلى الشرفة ولكنه لم يجدها أيضا. مر يومان ولم تظهر، وأخيرا عندما وجد الباب ينفتح كان البواب ودخل وسقا الزرع ودخل من جديد. أستغرب الموضوع كثيرا، هل رحلت؟ وشعر بغبائه أنه لم يسألها عن رقم تليفونها أو عنوانها أو أي وسيلة أتصال بها. نزل من بيته وهو يسير بخطوات بطيئة ، وعندما وصل إلى شقتها طرق الباب ولكن لم يجيب أحد. سئل البواب عن سر اختفاء السيدة فرد عليه:
- والله مش عارف، هي قالتلي أهم حاجة أسقي الزرع كل يوم وأنضف البلكونة وأنها هترجع قريب، غير كده معرفش.
- وفلوسك طيب بتاخدها ازاي؟
- هي دفعتلي الشهر مقدم، وأبوها الله يرحمه خيره عليا كتير فكأن فلوس كل شهر وصلت.
كان يود أن يسأله عنها أكثر ولكنه شعر بأن الأمر سيبدو غريبا فشكره وأنصرف.
كان يوم إجازته هذه المرة بارداً ولكنه أصر أن يخرج كعادته للشرفة وضع القهوة والراديو في مكانهم وبدأ في القراءة. لاحظ عصفور صغير طار من على السور أمامه إلى الشرفة المقابلة ووقف على الزهور الخاص بها - أو به. ابتسم ابتسامة صافية، وعدل من مكان نباتاته ووضعها في الشمس وتأكد من نظافة شرفته. وقال لنفسه وهو يضع الكتاب على الطاولة بعد أن أنهاه:
- النهاية سعيدة برد ... بس مش مشكلة المرة دي.

No comments: