Friday, May 19, 2017

ما فعله الخط الفاصل

بمجرد أن يعبر ذلك الخط الفاصل يختلف كل شيء...
بداية من وحدات الزمن، فالوقت يبدو وكأنه سحابة سوداء التفت بالسماء، لا تتحرك وممتدة إلى نهاية السماء. الوقت خرج من كونه ثواني ودقائق تمر، صار ذاكرة لا تمحى، تجاعيد على الوجه، جرح في القلب ، صار كل ذلك ومازال يمتد. فعقارب الثواني صارت لا تتحرك بهدوء كما كانت ، بل أصبحت صرخات تنبه بأن العمر يمضي والسحب السوداء تلتف من حوله ، صرخات تأتيه لتذكره بما خلف ذلك الخط ، وأخرى تهزأ به فعمره يمضي ولكن الوقت لن يمر والسحب لن تبدد فالزمن هنا أبدي. احتار عليه الأمر هل السور الممتد من حوله مصنوع من الطوب أم ذلك الذي كان يسميه بالوقت؟
صارت السماء أكبر من لوحة زرقاء جميلة، صارت السماء نافذة في زنزانة ضيقة،  صارت الحياة أمام الموت. فما يفرضه ضيق المكان ينكسر أمام اتساع السماء. وكلما زاد الوقت من جرح القلب سارعت السماء بغروب أو مطر مفاجئ أو حتى مجموعة سحاب بيضاء فقط تمر من أمام الشمس فيتواضع الوقت ويندمل الجرح ولو مؤقتا. صارت السماء الصديق الذي لا يَمَل، صارت تأتيه بأخبار كل ما هو بعيد حتى وإن كانت الاخبار من صنع خياله. صارت السماء خيال وعالم..
أما الاحلام فتحولت من مجرد صور يراها في المنام إلى طريق هروب. فعقله تصالح معه فحتى وإن عرف بأن ما يراه حلم يتركه ولو دقائق قليلة ليكلمه قبل أن يقوم الوقت بفعلته المعتادة. لم تكون أحلامه كثيرة ولكنها كانت كافية وفي نفس الوقت كانت كسراب في الصحراء، ولكنها كانت سراب لمسافر طال سفره وضل طريقه فصار لا يمانع السراب أنيسا لوحشة طريقه.
تفاجئ من ذاكرته كيف تستطيع أن تأتي له بالصور كاملة، كيف يمكن أن تأتيه بتلك الليالي وكأنها حدثت بالأمس. بالرغم من أن ما يفصله بين تلك الذكريات أكثر بكثير من مجرد وقت مضى إلا أنه شعر بتلك الدماء التي تجري بطريقة غريبة في عروقه و الفراشات التي تطير بداخله حتى ذلك الدوار البسيط وكأنه على وشك السقوط في بحر أمواجه تبدو أجمل من نجوم السماء، كان يستدعي ذلك كله وكأنه أمامه ولكن الوقت يمهله قليلا ثم يصعقه من جديد مذكرا إياه بأن كل ذلك مضى وان الخط الفاصل ممتد كما تمتد السماء فوق الأرض.
أما القمر فمهما دار دورته وظهر واختفى بقى قمرا ، فالقمر كان بداية لحكاية أخرى.. كان القمر بداية حكاية ما عجز الخط الفاصل عن فصله ، كان بداية حكاية عودة الوقت إلى مجرد كونه وحدات زمن ..  القمر ، السماء ، النور ، الاحلام ،  وتلك العينان صاروا حكاية أخرى ..




No comments: