"موطني
الجلالُ والجمالُ والسناءُ والبهاءُ في رُباكْ
والحياةُ والنجاةُ والهناءُ والرجاءُ في هواك
هل أراكْ
سالماً منعَّما وغانماً مكرَّما؟
هل أراكْ في علاكْ تبلغ
السِّماكْ؟
موطني"
كلمات جميلة تتحدث عن
الوطن , عن الأرض التي تغنى بها الشعراء وحاربت من أجلها الجيوش ,مات ومازال يموت
الكثير من أجل تراب ذلك الوطن. تلك الكلمات لا تستطيع أن تربطها بوطن محدد فكل منا
يرى فيها وطنه. كل منا يرى وطنه كبلد الجلال والجمال والسناء والبهاء ,فيها الحياة
والنجاة والهناء والرجاء , ونتمنى أن نرى بلادنا سالمة منعمة وغانمة مكرمة ولكن هل
يعني ذلك أن الحياة في وطننا فقط؟ بل بالسؤال الحقيقي أين أو ما هو الوطن؟
أظن بأن الإجابة
التلقائية ستكون البلد التي ولدت بها أو على الأقل التي عشت فيها معظم ما مر من
عمرك. الوطن ما تخرج من أجله الجيوش للحرب ويموت المئات وأحيانا الملايين من أجل
الدفاع عن ترابه فالأرواح تموت والوطن يعيش وهي الفكرة التي لم أستطيع أن أفهمها
في حياتي! كيف أن الأرواح تقارن بتراب! كيف تحارب من أجل خطوط رسمها الإنسان ونقتل
بعضنا البعض من أجل الوطن!
دعنا نناقش الموضوع من
جهة أخرى. تخيل شخص لم يعيش في أي بلد أكثر من عامين بسبب ظروف عمل أهله مثلا. هل
يصبح ذلك الشخص بلا هوية ؟ بلا وطن؟ بلا جيش يدافع عنه؟ العجيب في الأمر هو أن كل
منا لم يختار وطنه. العجيب أننا نقسم بعضنا البعض على مقياس ليس لنا أي تحكم فيه.
فكرة الوطن جميلة في أنها تقرب أبناء البلد الواحد وبالطبع روح المنافسة ضرورية في
كل شيء حتى بين أقطار العالم. ولكن هل من المعقول أن تصل روح المنافسة لأن تقضي
على حقيقة كوننا جميعا بشر! أنا لم أفهم فكرة أنني من المفترض أن أتعامل بطريقة
مختلفة مع شخص فقط لأننا نتشارك نفس الجنسية.
الوطن الذي أعرفه هو
الوطن الذي نصنعه نحن لأنفسنا ونختار من يعيش فيه. أرض ذلك الوطن هو أي أرض تضمنا.
فخطوط الحدود موجودة فقط على الورق الذي صنع بعد قتل أشجار الأرض التي يحاربون من
أجلها!
بالطبع لا يوجد شخص
عاقل يستطيع أن ينكر فكرة الوطن من الأصل. فهو شيء غريزي أن تشعر بالانتماء لمكان
معين فحتى الحيوانات بعضها يهاجر من مكان ويعود إليه. ولكن الطائر يهاجر دون أن
يقتل او يحارب ,نعم قد تجد فيه غريزة الدفاع عن بيته وصغاره لكن لن يهاجم من يعيش
حوله. أما الإنسان فليس عنده هذا المنطق ,يظن أنه يملك الأرض مع أنه لا يملك أكثر
من ورقة دفع فيها الكثير من المال لكي يشتري الأرض "قانونيا". من حق كل
شخص أن يختار وطنه الذي ينتمي إليه ولا يعيش كشخص غريب له حقوق منقوصة. أنت تحب
وطنك لأنه أرض العدل أو الحرية أو التاريخ أو القوة أو أي مكان ؟ ليس هناك مانع من
أن تشارك أي من هذه الأشياء مع غيرك حتى لو لم يولد على هذه الأرض ولا يتحدث لغتك
ولا يشبهك في الشكل أو الحركة أو التصرفات أو أي شيء ولكنكما تتشاركان في أن
كلاكما بشريان وكلاكما أختار هذه الأرض كوطن يعيش عليه.
فلو مات الجميع سيعيش
الوطن لمن ؟ التراب مكانه تحت الأقدام وليس فوق الرؤوس. لا أفهم الحروب من أجل أرض
ولكني أفهم الحروب من أجل البشر. قد يتحمس الكثير لحرب دفاعا عن التراب الوطن ضد
أي عدو فهذا هو السبب الوحيد الذي تخرج من أجلها الجيوش "التراب"
,المادة ,الجماد. قد يكون هناك وطن آخر لشخص آخر لا يختلف عنك كثيرا ولكنه لا يجد
مكان ينام فيه أو وطن آخر لشخص آخر أيضا لا يختلف عنك في الكثير ولكنه في السجن
لأنه أخطأ وطالب بحقوقه. الجيوش لا تتحرك من أجل ذلك أبدا , بل الجيوش للدفاع عن
الحدود. المشكلة الحقيقة تكمن في التعصب لفكرة الوطن التي قد تجعلنا نتغاضى عن أي
شيء طالما يحدث في أرض أخرى وكأن وطننا هو الوطن الوحيد. لا أتحدث هنا عن فقط عن
الوحدة بين مثلا الأوطان العربية بل أتحدث عن العالم بكل بلاده. الأساس أننا بشر
مهما انتمى كل منا لأي وطن ,عرق ,دين أو أي شيء سنظل جميعا بشر نتشارك الهواء
والماء والشمس وحتى التراب الذي نحارب من اجله سنتشاركه جميعا. نحن من صنعنا
الحدود والفوارق بين البلاد والبشر, نحن من أختار أن تكون الحروب من أجل أشياء بلا
روح بدلا من أن تكون دفاعا عن الأرواح.
وطني أينما اخترت أن
يكون كذلك. وطني أينما أجد البشر الذي يصنعونه ,الأهل أو الأصدقاء أو من أحب أو
حتى أشخاص لا أعرفهم من الأساس ولكنهم يصنعون وطني الذي أحلم به. لن أريد أبدا أن
أحارب من كل تراب الوطن ولكني على استعداد دائما أن أحارب من أجل من يعيش على تراب
هذا الوطن أو أي وطن آخر. التراب باقي على الأرض مهما حدث ولكن البشر عمرهم محدود.
المقالة تم نشرها في مجلة AUCTIMES في الجامعة الأمريكية
https://www.facebook.com/auctimes
https://twitter.com/AUCTimes
المقالة تم نشرها في مجلة AUCTIMES في الجامعة الأمريكية
https://www.facebook.com/auctimes
https://twitter.com/AUCTimes
1 comment:
مقال اكثر من رائع
احييك سيدي
آية رياض
Post a Comment