مر الآن 10 سنوات على آخر ظهور للشمس, قليل من يتذكر الآن ذلك اليوم, كأنه حدث منذ 1000 عام وليس عشرة. منذ عشر سنوات أشرقت الشمس كأي يوم عادي بالطبع لم يشعر أي شخص بأن هناك شيء غريب فالشمس تشرق كل اليوم ما الجديد !! مر ساعات ذلك اليوم و جاء وقت الغروب وبالطبع لم يعلم أحد بأن هذا آخر يوم تضيء فيه الشمس الأرض. كانت صدمة كبيرة للعالم في الأيام التالية لهذا الحدث عندما لم تظهر الشمس في السماء و كان تركيز العالم كله على أن تدوم الحياة فوق الأرض فتوالت الاختراعات من مصادر للأكسجين أو مصادر غذاء غير النباتات و اختراعات هائلة عالمية لكي تحافظ على الأرض في موقعها في الفضاء حتى لا تتعرض لأي خطر, وحاول العلماء و رجال الدولة أن يعوضوا نور الشمس بشاشات عملاقة تعلق في الشوارع و لكن مع الوقت وزيادة استهلاك الكهرباء أصبحت الشوارع تميل للظلام , فقط مصابيح صغيرة معلقة في الشوارع.أصبح الإنسان وحيدا على الأرض فالنباتات لم تنجو رغم الاختراعات الحديثة فالنباتات ليس لها غنى عن الشمس و شعر الإنسان بالتهديد من حيوانات و خصوصا أن موارد الأرض بدأت تقل وفي تصرف بشري قبيح فقاموا بقتل الحيوانات بدون أن يهتموا بالحفاظ عليها و كأن الإنسان له الحق في أن يسيطر على الأرض. ومع الوقت أصبح نظر البشر ضعيف ولا يستطيع أن يميز بين الغذاء الغريب المخترع حديثا وأي أداة أخرى موجودة فظهرت نظارة جديدة ليس بها أي ألوان أو أي شيء فقط تميز له بين الغذاء و بين الأشياء التي يملكها و تجعله يسير في طريقه بدون أن يتخبط في الطريق. في عصر كهذا سيطرت شهوات البشر على حياتهم بالكامل فهم قتلوا الحيوانات و كأنهم يأخذون مكانه على الأرض, و أصبحت حياتهم عبارة عن طعام و نوم فقط و العلاقات بين البشر كأنهم الآلات و الزواج و الحب بين الرجل و المرأة كأنه واجب لابد قضائه. بالطبع اختفت كلمة "الجمال" في هذا العصر, لم تعد هناك وألوان أو نور بأي شكل من الأشكال ببساطة أصبح كل شيء كئيب وقبيح.
بمرور الوقت أصبح البشر يعيشون في قرى صغيرة
محدودة بها قليل من الموارد و الآلات التي تضمن حياتهم و باقي الأرض صحراء مظلمة
لا يعيش بها غير الموت! في وسط هذه الصحراء وعلى أطراف مدينة كانت تعيش في بيت
صغير فتاة في بداية الثلاثينيات من عمرها , كانت تخرجت حديثا عندما اختفت الشمس و
كانت تدرس علم النباتات و بعد الظروف الجديدة تحتم عليها أن تدرس علم جديد و هو
علم "بدائل الشمس".استطاعت خلال الخمس سنوات الأولى من الكارثة بمساعدة
عدد كبير من العلماء أن تصنع نظام متكامل لها في بيتها فكان عندها نباتات تأكل
منها و مصابيح صغيرة تضيء لها البيت , المشكلة في هذا النظام انه يحتاج إلى اهتمام
يومي كثير و تطبيقه على مستوى كبير شبه مستحيل و بالطبع لم يعد أحد يهتم بالنباتات
ولا النور فالنظارات الحديثة أغنتهم عن كل ذلك. لكن هذه الفتاة كانت الألوان و
الطبيعة هي كل شيء في حياتها فلم يكن لها أن تستسلم بسهولة و تترك الشمس تختفي
وتأخذ معها النور والألوان و الطبيعة و لكنها ستقف و تموت من أجلهم.
فقد الجميع كل أنواع الاهتمام و الاشتياق إلى
الطبيعة و الألوان فقط انصب اهتمامهم على الطعام و أن يبقوا على قيد الحياة و
الغريب في الأمر أن الكل فقد الأمل في اليوم الأول و كأن الشمس لم تكن. ولكن
فتاتنا على العكس تماما, فالشمس كانت كل شيء بالنسبة لها, كانت هي الصديق والنور
والألوان التي سرقت قبلها على مدار الأعوام, الشمس هي الطبيعة بخضارها و ألوانها الزاهية,
الشمس بنورها الأبيض الذي ينشر الدفيء في قبلها وكأنه أعز الأشخاص عليها.اعتادت الفتاة منذ أن كانت طفلة أن تذهب إلى مكان في
المدينة مليء بالأشجار و تجلس على الأرض و ترسم غروب الشمس بألوانه الخلابة, كانت
تلك هوايتها الخاصة التي طورتها على مدار الأعوام. كان عندها مئات الرسومات والتي
تزين جدران بيتها الآن. أصبحت الشمس أعز أصدقائها فبل أن تتم رسمتها كانت تحكي لها
كل شيء عما حدث لها في يومها و عما تنوي القيام به و حتى الطعام شاركت الشمس فيه فكانت لا تتناول
الطعام إلا في موقعها هذا. عندما اختفت الشمس تمسكت بكل رسمه قامت برسمها و كانت
تقف أمام رسوماتها كل يوم في نفس الوقت تحاول أن تستعيد صديقها و الذكريات التي
كانت بينهم.
بمرور الأيام بدأت تشعر بأن الحفاظ على
النظام الخاص بها أصبح صعبا جدا و خصوصا أنها بمفردها و بالرغم من تعلقها و عشقها
للشمس بدأ اليأس يتسرب لقلبها و لكنها لم تفقد الأمل أبدا. أكثر شيء أقلقها بأنه
إذا فشل النظام سيضيع كل الشيء الألوان, الطبيعة, النور و ستتحول إلى كائن بشري
بحت يبحث عن شهواته فقط مثل باقي البشر في ذلك الوقت و بالنسبة لها الموت أهون لها
على أن تعيش هذه الحياة. لم أمامها كثير من الاختيارات فهي إن بقت في بيتها الصغير,
أيام و سيفشل النظام و تبقى في ظلام تام تنتظر الموت. بعد تفكير طويل قررت بأنها
ستأخذ صديقها معها , ستأخذ الرسومات الخاصة بالشمس بألوانه الخلابة و تذهب إلى
المدينة حيث الجمال و الألوان كلمات ليس لها أي معنى. كان معها مصباحين أحدهم يكفي
أن ينير لها الطريق و الآخر يكفي أن يبقى لعدد قليل من الساعات. أخذت تتأمل
الرسومات طويلا قبل أن تذهب و تتذكر كيف كان منظر الشمس و هي ترسل نورها في كل
مكان و يكفي أن يجعلها في قمة السعادة فكانت تشعر بأنها وجدت صديق كانت تبحث عنه
طول حياتها و هو موجود معها كل يوم. بدأت الفتاة رحلتها إلى المدينة و منظر الشمس
يدور في رأسها. وصلت إلى المدينة بعد رحلة شاقة في الصحراء تخللها كثير من الأفكار
والذكريات, وجدت الفتاة المدينة كما توقعت الضوء قليل جدا و المدينة قبيحة. آمنت
بأن هذه هي نهاية كل شيء نهاية الجمال و الألوان و نهاية حياتها. اختارت حائط في
شارع من شوارع المدينة وعلقت عليه رسوماتها و هي تغالب دموعها , الآن فقط تشعر بأن
فقدت صديقها , عندما اختفت الألوان و الجمال من على الأرض. علقت جميع الرسومات على
الحائط وسلطت المصباح الوحيد الذي تملكه على الرسومات. كان متبقي معها قليل من الطعام
تناولت وجبة سريعة ونامت على الرصيف أمام الحائط.
نامت بينا أمل وذكريات الماضي و يأس الحاضر و رأت في منامها الشمس كما كانت
من قبل بأشعتها البيضاء الجميلة و لكنها رأتها تبكي و الأمطار تغرق الأرض , حاولت
أن تجري نحوها ولكنها تفاجئت أن الشمس سقطت فجأة من السماء وأصبحت الأرض في ظلام
دامس. استيقظت والدموع تجري على خديها وبدأت تفقد النور المتبقي من أشعة الشمس
بداخلها , فكل الأمل و الأفكار و الذكريات بدأ اليأس يحل محلهم , كانت تشعر بأنها
لا تستطيع أن تمسك الفرشة و الألوان بعد الآن والأسوأ أن الطعام قد نفذ!! في
محاولة يائسة منها جعلت المصباح الذي كان معها ينير لوحها المعلقة على الحائط على
أشد ما يمكن و كأنها تريد أن تستعيد صديقها ولو حتى للحظات قليلة. تأملت اللوح
لدقائق قبل أن يغلبها التعب و اليأس و تغلق عينيها ببطء... فجأة استيقظت على صوت غريب,
صوت زقزقة عصافير !! هي لم تسمع ذلك الصوت منذ سبع سنوات على الأقل , قامت من
نومها وحركت الضوء القليل المتبقي من المصباح ناحية الصوت , وجدت مجموعة من البشر
يتحركون نحوها. شعرت بالخوف ,بالتأكيد هذه هي نهايتها فهم رأوا الضوء و سيأتون نحوها
ليأخذوا منها أي طعام أو مصباح. استسلمت الفتاة فهي في كل الأحوال كانت يئست من أن
تعود الشمس أو أن ترى الألوان أو أي شيء جميل من جديد ... و عندما اقتربت مجموعة
البشر وجدت أنهم مثلها تماما ولكن لكل شخص قصته فواحد يحمل معه صور كان يلتقطها بكاميراته
الخاصة وآخر استطاع أن يحمي مجموعة من العصافير ذات الألوان الرائعة , كل منهم
يحاول أن يحتفظ بنور الشمس الأبيض داخله بطريقته , كل منهم مازال يرى الأرض خضراء جميلة
واسعة في خياله. كل واحد منهم يضمن بقاء الحلم عند الآخر, عندما يضعف النور عند
واحد منهم يعطيه الأخر من نوره. الشمس لم
تشرق من جديد ولا أحد يعلم متى ستشرق وإذا كانت ستشرق أم لا , ولكن فتاتنا تأكدت
من أن حلمها لن يموت أبدا و أنها لن تفقد صديقها أبدا , نور الشمس لن يختفي أبدا فهو
يعيش بداخلها و بداخل كل رسمه رسمتها و كل نظرة نحو الطبيعة نظرتها من قبل. الشمس
اختفت منذ عشر سنوات لكنها مازالت تشرق كل يوم في معادها وتغرب في معادها دون أن تتأخر
دقيقة واحدة , مازالت الألوان الرائعة تتألق في البساتين و العصافير تلعب بين
الشجر و الحيوانات كما كانت تجري في كل مكان دون خوف كل ذلك في تناغم بين الأصوات
و الألوان الجميلة , مازال النور الأبيض
ينير كل شبر على الأرض , مازالت الشمس الصديق والدفء داخل قلب الفتاة و قلب هؤلاء
البشر, الشمس لن تموت أبدا حتى لو كانت بعيدة كل البعد عنا ......
2 comments:
رااااااااااااااااااااااااااااااااائع
ولااجد ما يستحق النقد
ليس الا راااااااااااااااااائع
شكرا شكرا :) مفيش حاجة جديدة ليكي ؟
Post a Comment