Thursday, November 30, 2017

نهاية حرب

أغمض عينيه لثواني قليلة وحاول أن يوقف الأصوات المرعبة ما بين صراخات الألم وصراخات الخوف والصوت الأكثر رعبا ، صوت الانفجارات البعيدة وهي تقترب. منذ سنوات طويلة درس الطب من أجل ان يساعد الناس وليس من أجل تجميع اشلائهم. فجأة قطع الصمت الذي صنعه لدقائق صوت طائرة اسعاف تخترق الجو.
انفجرت الأفكار في رأسه كمنظر انفجار الدم عندما تصيب احدهم رصاصة طائشة ، وازدادت أفكاره حدة والطائرة تقترب منه وهو يلوح لها كمن فقد عقله ..
"هل حقا شعر بوجودنا أحد؟
كيف حددوا موقعنا؟ ماذا عن الآخرين ؟ كيف سننقذهم وسط كل هذا الدمار؟
لماذا دخلنا هذه الحرب؟ بل من نحارب من الأساس؟"
لم يقطع كل تلك الأفكار غير يد امتدت له من الطائرة، امسك باليد التي امتدت له وقفز إلى الطائرة والتي حلقت لأعلى على الفور ، كان يريد أن ينظر لأسفل ولكنه شعر بالخوف مما سيراه ، حاول أن يشير إليهم بأن هناك أشخاص كثيرون مازالوا في الأسفل ولكن الكلمات هربت منه وأغمض عينيه ونام لساعات وربما لأيام.
لا يدري كم من الوقت مضى ولكنه عاد ليجد كل شيء كما تركه ، الشارع يبدو طويلا كما اعتاده ، سار وهو يرمي السلام يمينا ويسارا وجد الشجرة الوحيدة الموجودة في الشارع أمام النجار كما هي فابتسم لسخرية الموقف كالمتعاد ولمح أمه من بعيد وهو تنشر ملابس أخوته وابيه لكي تجففها الشمس. تساءل لو لمحته من بعيد ؟ بالأحرى قلبها عرف بأنه في نهاية الشارع حتى وإن لم تره. انعطف يمينا وصل إلى تقاطع آخر ثم انعطف يسار وسار مسافة قصيرة ليجد المقهى والكراسي بنفس الترتيب والطاولة الخاصة به في مكانها في تستند على العمود المطل على الشارع الواسع ، ووجده يشغل أحد كراسي الطاولة ولم يطلب الشاي المعتاد بعد. جلس بجانبه وطلب قهوته بسكرها المضبوط وتركه صديقه يطلب الشاي وعود النعناع ، لم يسأله كيف هرب هو الآخر؟ ولا عن اصاباته في المعركة. جلسا سويا لساعات طولية وكأن هناك حوار صامت يدور ، كان يشعر بالدفء لأن صديقه بجانبه وكان على يقين بأن صديقه يشاركه الشعور. ظلا يراقبا حركة الناس والسيارات من امامهم وكأنهم يعيدون تخزين قصص البشر بداخل عقولهم قصص أخرى غير قصص الموت والخوف المستمر. انتهى من قهوته ولكنه نظر إلى صديقه فوجده لم يلمس كوب الشاي فقط أكتفى بوضع عود النعناع والسكر وقام بتلقيبهم وترك الكوب كما هو. نظر إليه ولأول مرة منذ جلستهم على المقهى قرر أن يسأله:
- "لماذا ذهبنا؟ لماذا كانت تلك الحرب؟"
لم يجد إجابة .. ولم يتوقع أجدها هنا ابدا.
أمسك يد صديقه وكانه يريد أن يأخذ شيء منها ، لعل الشيء كان الماضي الذي تركوه وذكرياتهم واحلامهم في فتح المستشفى الخاص بهم ذلك الحلم الذي تبدد ببداية الحرب واطلاق اول رصاصة وسقوط أول شهيد أو قتيل لا أحد يعلم .. صار الأطباء متعهدو دفن وجامعو أشلاء ، طوال سنين الحرب لم يترك أحدهم جانب الآخر ، أصبح كل منهم الأمل في الحياة التي اختفت ..
تركه وسار في نفس الاتجاه تركا بيت طفولته خلفه ، سار طويلا حتى وصل إلى البحيرة واصبح بإمكانه رؤية الشمس وهي تهبط خلف البحيرة والقمر يأخذ مكانه في وسط السماء ، لم يتخيل القمر كملك على عرشه لأن تلك الصورة كانت ستأتي بكثير من الدماء التي هرب منها في عقله. وجدها حيثما توقع عند أكبر صخرة تستقر على جوانب البحيرة ، جالسة وكأنها إحدى جنيات البحر خرجت لتوها من الماء كما في الأساطير والقصص. لحسن حظة تركت مكانا له بجانبها لكي يجلس ، لم تنظر ناحيته وهو يقترب وكأنها تراقبه بطريقة أخرى ، وبمجرد أن جلس احكمت قبضتها على يده وشبكت اصابعها بأصابعه وكأنها تحاول ان تعرف كل ما حدث اثناء غيابه عن طريق لمس اطراف أصابعه ليدها. بدأن هي الكلام ..
- "دقائق قليلة وستختفي الشمس خلف البحيرة ويظهر القمر .. القمر اليوم كامل .. بالتأكيد انت تعلم ذلك"
كان هو يراقب عينيها وحركتهم بين الماء والسمار وهو يرد عليها:
- "الآن فقط اكتمل القمر .. "
- "لماذا رحلت؟"
- "مازالت أحاول أن اعرف، لماذا رحلت ؟ لماذا بدأت تلك الحرب الكئيبة؟ لماذا سرقوا حياتي وحياة كل أولئك البشر؟ لماذا يرحل شخص عاقل تركا تلك العنينين وحدهم ... لماذا لماذا لماذا .."
- " هل عدت حقا؟"
- "لا أدري  .. عندما يتمكن الخوف والألم من قلبك يصبح الأمل فعل لا ثقل له، يصبح الأمل كزجاجة مياه فارغة في يوم شديد الحرارة وانت في وسط الصحراء ، لا يهم ما إذا كنت أريد أن العودة أو لا ، لأن بداخلي أعلم بأني فقدت كل شيء وكل شيء قد فقدني.. "
- "لماذا عدت إذا؟ "
- "عدت لكي أقول وداعا، لكي أرى الأسباب التي ستحق قيام حرب حقا."
رأى دمعاتها الصغيرة تأخذ مكاناها في وجهها وكأنه مطر ينزل بطلف عليه وهو في وسط الصحراء فيجد نفسه يرفع الزجاجة الفارغة ويجد فرحته ليست في أنه وجد الماء ولكن لأن إيمانه لم يضع سدى. كانت دمعاتها هي وداعه ، ضغط على يدها هو الآخر ولكن بلطف لأن يدها لطالما بدت صغيرة في يده لم يقو على احتضناها فمن يمكنه أن يفعل ذلك في وداع؟
عاد من حيث أتى ووجد صديقه مازال جالس على المقهى والشاي كما هو ، والدفء يحيط به بالرغم من أن الليلة أصبحت شديدة البرودة.
وصل للمنزل فوجد الجميع فانتظاره وجالسون أمام التلفزيون يشاهدون إحدى المسرحيات القديمة والتي شاهدوها مرارا ولكن لسببا ما مازالت تثير ضحكاتهم. كان الطعام على الطاولة مازال ساخنا وكأنه تم تسخينه للتو، لم تتركه عيني أمه منذ أن دخل من الباب ولم تترك حضنه أيضا وكان ابوه يسرق النظرات الدامعة إليه ويدري تماما شعور أبيه حتى وإن لم يقل كلمة ، وكان اخوته يحيطون به ويكتفون بشعورهم بأنه في وسطهم. كان يمتنى ولو تمتد الليلة للأبد ، كان يتمنى ولو أنه لا يعود أبدا ابدا ، ولكنه لم يأتي لكي يبقى ، بل أتى لكي يودع الجميع ..
عاد صوت المذياع المخيف ، "غارة قادمة من الشمال الغربي ، فليختبئ الجميع ، غارة قادمة" ، فتح عينيه ليجد الأصوات قد عادت بين الصرخات وأصوات النيران وهي تقترب .. وصديقه ممدد أمامه والدماء تغطيه .. مسح دموعه التي خانته وأخذ نفسا طويلا وتحرك نحو صديقه ، وحمله على كتفه ، شعر بصديقه يتحرك ويفتح عينيه ، كان يدري .. كان يدري بأن صديقه يريد أن يعرف كتف من الذي يحمله ، فما أسوأ من أن يموت في أرض غريبة وعلى كتف شخص غريب .. فقال له :
- "لا تقلق يا صديقي .. هذا انا وسأكون دوما انا وانت.."
كانت خطواته بطيئة ولكنها تعرف أين تتجه، سمع صوت صراخ قائده له بأن يعود لأن ما يقوم به هو جنون تام ، فهم قائده بأنه يتجه نحو النقطة الطبية الوحيدة الباقية وسط هذا الدمار , ولكن هذه النقطة كانت بتجاه النيران التي تتقرب. كان يدري بأن قائده لن يفهم أبدا من أنه قرر أن يكف أن الهرب والاختباء ، وأنه ودع من يحتاج تودعيهم .. ودع صديقه الذي يحمله على كتفه ، ودع حبيبته التي تمنى أن يعود لها ويرمي لها كل تلك الليالي ، كل ذلك الخوف والألم فمن غيرها يحمل عنه كل ذلك ، تمنى أن يعود لها ويجد الحياة التي سرقت منه ، ويرى أطفالهم يكبرون أمامهم ويجرون نحوه ويستصدمون بساقه التي تؤلمه من الحرب فيضحك متألما ويشير إلى صديقه ويخبرهم بأن عمه كان معه في الحرب أيضا ولكنه لم يصب بأذى لأن صديقه هو افضل جراح في العالم.. ولكن الأطفال سيكبرون دون أن يعرفوا عمهم بل لن يشبهوه في شيء أصلا ، لا شعره الأسود ولا عينيه الواسعتين ، ولكنه كان يدري أن وادعه سيصلها رغم كل شيء ، كان يدري بأن لو نسيه الجميع ومات كل من ذهب للحرب لم يمنع ذلك أمه من تتنظره في شباك البيت كل يوم تقف صباحا ومساءا منتظرة ذلك الخيال الذي اعتادت رؤيته وهو يعبر المنعطف الأخير قبل أن يظهر امامها ، ستظل تنتظر إلى أن تنتهي الحياة ، وأن أبيه سيخرج على الناس صباحا ويخبرهم أن فخورا بأبنه البطل وأنه ليس هناك ما يحزن عليه فأبنه كما قال بطل ، وعندما يأتي الليل سيغلق باب غرفته جيدا ويجلس على كرسيه ويبكي فكيف له أن يتحمل فقدان سنده في مثل هذا السن دون سبب مقنع ، كيف سيسير وحيدا في تلك الليالي الباردة وبمن سيفتخر وهو يسير وحيدا .. كان يدري بأن اخوته سينتظرونه في نفس المكان الذي اعتادوا اللعب فيه أمام البيت مثبتين أعينهم على نهاية الشارع منتظرون ظهروه ، سيظلون كذلك حتى ولو شابت رؤوسهم وبدا اللعب شيء ساذجا سينتظرون ظهروه ويحمل حقيبته السوداء لكي يفتشوا عما بداخلها من أشياء تسرهم.
قال بصوت ثابت لنفسه : "وداعا إذا .. "
وأكمل مسيرته وهو لا يدري إن كان سيصل أم لا ..


Sunday, August 27, 2017

رحلة بحث

جلست في فناء منزلها صامتة ، لا تريد أن تدخل البيت خوفا من تدامها تلك الحاملات الفارغة التي كانت المفترض أن تحمل لوحها التي ترسمها بشكل مستمر. لا تدري لماذا توقفت عن الرسم ، كيف يحدث هذا لها وهي ترسم منذ سنين طويلة وباعت مئات من تلك الرسومات. هي لم ترسم أبدا تلبية طلب معين ولكنها لا ترى أي مشكلة في بيع أو اهداء رسوماتها لأنها ترى أن الفن بالنسبة لها ينبغي أن يراه الجميع وليس شيء خاص بها وحدها حتى وإن رسمت هي تلك الرسومات.
سافرت بعيدا وقريبا وحضرت ورش للرسم حاولت أن تبحث على الانترنت عن فنانين وهواه وجاهاتهم نفس المشكلة وفي كل مرة تشعر بأنها لم تجد الحل بعد. شعرت بأنها بحاجة إلى حل أقوى من ذلك حاولت أن تقرأ روايات لعلها تعطيها تلك الصور التي طارت تماما من قلبها وعقلها ولكن بلا فائدة. كلمت إحدى صديقاتها وأخبرتها أنهم ذاهبون إلى البحر غدا صباحا لكي تبحث عن فنها المفقود وأخبرتها أن فقدت عقلها ولم تشعر بأن الجنون صفة سيئة على أي حال. ذهبت للبحر وجلست أمامه وبعد أن أدت التحية لصديقها القديم وحكت له ما فاته عن حياتها ومروا ببعض الذكريات التي تجمعهم ولكنها لم تجد أي لوح أو حتى رسمة صغيرة عند صديقها. وأكدت صديقتها على جنونها بأنهم قطعوا كل ذلك الطريق من أجل لا شيء وأكدت لها أنها تدري جيدا لماذا لا تستطيع الرسم ولكنها لا تهرب من أفكارها. ردت عليها بأنها لعلها لم تجد أي من لوحها عند البحر ولكنها قابلت صديقها القديم كما أن اللون البرونزي مناسب لبشرتها أكثر ، قالت الكلمات الأخيرة وهي تهرب من ردود صديقاتها المتتالية.
كان الليل دائما هو المشكلة ، فهي تنشغل بأشياء كثيرة في النهار ثم يأتي الليل ليذكرها بأن الألوان قد جفت واللوحات البيضاء قد كاسها التراب ، هل عليها أن تعترف بأنها فقدت الرسم ؟ وأن اللوح فرت من حياتها كأشياء كثيرة أخرى.
أمسكت هاتفها واتصلت بصديق قديم كان أول –ومازال الوحيد- من جعلها تكسر قاعدتها في أنها لا ترسم بالطلب.
حكت له المشكلة وأنها فقدت قدرتها على الرسم،
"ما الحل؟ "
"هل تذكرين تلك المرة التي طلبت من رسم لوحة .. طلبت منك رسم صورة لي من خلال عينيك."
"نعم أذكر ، وماذا في ذلك؟"
"لم أجد أي أثر لي في تلك الصورة ، لا من قريب ولا بعيد، بل حتى كانت رسمة خالية من أي شخص ، كانت فقط قمر وبحر وليل وشجر... هل تدرين لماذا؟"
"لماذا؟"
"لأنك تخفين التفاصيل ، وكأنك رجل أمن بارع إذا كُشف أمره فقد كل شيء .. أنت الآن تحاولين أن تخفي نار وسط القش .. ولن تختفي النار إلا إذا هدأت أو احترق كل شيء.."


Saturday, July 22, 2017

ثلاث أسئلة

كم يوم مر على وجودها في تلك الحفرة؟ تحاول أن تغالب ذكرتها ولكنها لا تستطيع أن تحصي تلك الأيام أو بالأحرى الليالي فالليل دائما أقسى من النهار ، فحتى السماء تتركها وحيدة في ذلك السجن فقط القمر يأتي من وقت لآخر كصديق بعيد وكأنه يتفقد أمرها. يتبع ذلك السؤال سؤال آخر ، أين الجميع؟ كانوا خمسة على تلك الجزيرة وكان هو سادسهم كان يبعد خطوات قليلة عندما ركضت هي ناحية ما ظنته البحر فقط لتجد نفسها في قاع تلك الحفرة فقط فرع شجرة لا يقوى على حمل طفل صغير يبقيها حية.. حية جسدا ولكنها تنتظر المجهول ، الذي قد لا يأتي أبدا.
كانت عينيها مثبتة كل يوم على تلك الفتحة ، كانت تنتظر أي شيء وتفكر في كل شيء في العالم ، كل شيء حدث وكل ما يمكن أن يحدث وتحاول أن تتخيل وتتخيل قدومهم أو قدومه أو أن يأتي حتى طائر ضخم ليختطفها. كان جزء منها يشعر وكأنها لو تخيلت لوقت كافي وبصدق كافي سيأتي شيء او شخص من تلك الفتحة سيأتي من أسفل السماء حيث القمر مباشرة في هدوء لينزل ويحملها ويصعد بنفس الهدوء وتعود بعد ذلك للبحر وكأن شيء لم يكن. ولكن الليالي تمر ولا أحد يأتي ولا حتى عصفور يقف على تلك الفتحة.

في وقت ما اكتشفت أن الجميع قد رحل، وأن كل شيء تغير. شعرت بضيق أكثر شعرت وكأن العالم الذي تفتقده قد انهار. لم يمر وقت طويل قبل أن تشعر بيأس تام وتحاول الخروج ولو على حساب تلك الشجرة التي تبقيها حية ولكنها سقطت وهي عند منتصف الحفرة. قضت الليلة تبكي وتتألم وشعرت بأن النهاية قد أتت وأنها لن تخرج ابدا من تلك الحفرة, كانت الدقائق الأولى لشروق الشمس ، كانت تحاول أن تفتح عينيها ببطء وهي تتألم ولكنها رأت شيء يفوق كل خيالها ، رأت شيء يفوق السماء والقمر بل وحتى رؤية وجه مألوف فوق تلك الحفرة ... في أحد أطراف تلك الحفرة ، بعيدا تماما عن تلك الفتحة التي طالما ثبتت عليها عينيها وأمالها ، كان هناك .. نفق .. نفق يختبأ في الظلام ، ظهر سؤال ثالث, هل كان النفق هناك كل ذلك الوقت؟ 

Tuesday, July 11, 2017

نهاية تانية .. مرة أخرى

مر الأسبوع والفتاة في الغابة سعيدة بوجود ذلك الأرنب إلى جانبها فهو كان صديقها في اكتشاف هذا العالم الجديد والغريب. وتماما كما حدث في المرة السابقة في يوم أخبر الأرنب الفتاة أنه يريدها أن تأتي معه ليريها مكان جديد في الغابة حيث يوجد جميع أصدقائه وكانت هي متشوقة لرؤيتهم خصوصا أنها بدأت ترى أن جنس الحيوانات أفضل من الجنس البشر الذي صادقتهم أعواما. أخذها الأرنب إلى مكان جديد رائع في الصحراء ولكنها لم ترى أيا من أصدقاءه في المكان، ضحك الأرنب وأخبرها بأن تنتظره في  ذلك المكان.
أسرع الأرنب لكي يحضر للفتاة الشريط الأخضر لكي يلف به عينيها السوداويتان منتظرا صديقه القمر بتلهف ثم يتركه لها لتجمع به خصلات شعرها التي لم يرى شيء في جمالها قط. وجمع بعض التفاح لأنه كان متأكد من انها ستشعر بالجوع بعد أن يجلسوا على الهضبة ويشاهدوا القمر. ولكن أثناء عدوته فجاه مجموعة من الصيادين بسياراتهم الكبيرة ، ظل يركض ويركض في اتجاه الفتاة وهو يحاول الهروب منهم في نفس الوقت وتشتت انتباهه للحظة وفقد تماما شعوره بالمكان فسقط في حفرة عميقة تبعد خطوات عن الهضبة حيث تجلس صديقته.

كان بإمكانه سماع همساتها والتي تريح قلبه وتنسيه كل الركض والهروب الذي قام به في حياته، حاول أن ينادي عليها ويخبرها بأنه على بعد خطوات منها ولكن الحفرة كانت أعمق والظلام يبدو وكأنه يمنع أي صوت من الخروج إلى الحفرة. كان لا يدري إن كان يسمع صوتها حقا أم ذلك الصوت يخرج من داخله. مرت فصول العام بطيئة فلا شيء أسوأ من الانتظار شيء مجهول ويشعر بالإحباط يتسرب إلى صديقته وهو جالس في قاع الحفرة، مرت الفصول الأربعة وعندما جاء الصيف مرة أخرى لم يعد يسمع سوى صوت الرياح تهب لا هوادة تضرب الصخر وكأنها تريد أن تكسره ولم يعد هناك عينين ولا كفين صغيرين يروضونها، فقط الفراغ تهب فيه كما تشاء. أدرك الأرنب أنه ينتظر السراب، ولكنه وجد الشريطة الخضراء مازالت في يده والقمر مازال يأتيه كل يوم في معاده في فتحة الحفرة يسأله عن اللقاء المنتظر ولكن الأرنب لا يدري كيف يجيبه من صديقته ومحور كل هذه الغابة قد رحلت ...فصار ينتظر الشتاء ببرودته لعل الثلج يتجمع في الحفرة فيخرج هو ولكن جزء ما بداخله يخشى تلك اللحظة لأنه سيخرج وحيدا إلى غابة صارت ملك صديقته التي رحلت .. 

Monday, July 10, 2017

ثلاثة سطور

ثلاثة سطور هذا ما وعد نفسه به. سيمسك القلم ويحاصر الورقة البيضاء بسطورها كحلية اللون كسماء صافية تماما بعد الغروب بساعات قليلة ، سماء صافية وتحمل احتمالات لكل شيء بداية من نيازك ضلت طريقها إلى أفكار ضاقت بصاحبها ففرت إلى تلك السماء. ثلاثة سطور وينتهي الأمر، ينتهي تلك القطيعة بينه وبين القلم وبين القلم والورقة. لماذا كانت القطيعة؟ سؤال لا يجد له إجابة ولكنه يتعب نفسه بالبحث عن واحدة فالمهم أن القلم هادئ في يده هدوء البحر ، يعلو ويهبط فيبدو وكأنه ساكن بالرغم من أن رحالات السفن والسمك فيه لا تنتهي.

زاد الأمر عن ثلاثة سطور ... فثلاثة سطور لا تكفي لتحمل القصة ، وفي الحقيقة الكاتب تائه في القصة فلا يدري متى كانت البداية.. هل كانت عندك ذلك المنعطف الذي تغير بعده كل شيء وكأنه كان منعطف على طريق في زمن آخر ، أم كانت البداية قبل ذلك. هل وصلت العقدة لقمتها أم مازالت القصة في صعود ؟ يبدو بالأحرى أن العقدة والحل أصبحوا صديقين متلازمين فالعقدة يتبعها والحل يتبعه عقدة مما يدمر تكوين القصة فالكاتب سيفقد عقله –إن كان مازال بمكانه- قبل أن يفقد الكاتب عقله محاولا أن يتابع تلك الاحداث. لعل القصة لا تُروى  ولكنها نوع من القصص التي يعيشها صاحبها ويتغير كل شيء بعدها في صمت. ثلاثة سطور تكفي إذا لتلك القصة فما بعد القصة هو ما يحتاج إلى أكثر من ذلك .. 

Friday, May 19, 2017

ما فعله الخط الفاصل

بمجرد أن يعبر ذلك الخط الفاصل يختلف كل شيء...
بداية من وحدات الزمن، فالوقت يبدو وكأنه سحابة سوداء التفت بالسماء، لا تتحرك وممتدة إلى نهاية السماء. الوقت خرج من كونه ثواني ودقائق تمر، صار ذاكرة لا تمحى، تجاعيد على الوجه، جرح في القلب ، صار كل ذلك ومازال يمتد. فعقارب الثواني صارت لا تتحرك بهدوء كما كانت ، بل أصبحت صرخات تنبه بأن العمر يمضي والسحب السوداء تلتف من حوله ، صرخات تأتيه لتذكره بما خلف ذلك الخط ، وأخرى تهزأ به فعمره يمضي ولكن الوقت لن يمر والسحب لن تبدد فالزمن هنا أبدي. احتار عليه الأمر هل السور الممتد من حوله مصنوع من الطوب أم ذلك الذي كان يسميه بالوقت؟
صارت السماء أكبر من لوحة زرقاء جميلة، صارت السماء نافذة في زنزانة ضيقة،  صارت الحياة أمام الموت. فما يفرضه ضيق المكان ينكسر أمام اتساع السماء. وكلما زاد الوقت من جرح القلب سارعت السماء بغروب أو مطر مفاجئ أو حتى مجموعة سحاب بيضاء فقط تمر من أمام الشمس فيتواضع الوقت ويندمل الجرح ولو مؤقتا. صارت السماء الصديق الذي لا يَمَل، صارت تأتيه بأخبار كل ما هو بعيد حتى وإن كانت الاخبار من صنع خياله. صارت السماء خيال وعالم..
أما الاحلام فتحولت من مجرد صور يراها في المنام إلى طريق هروب. فعقله تصالح معه فحتى وإن عرف بأن ما يراه حلم يتركه ولو دقائق قليلة ليكلمه قبل أن يقوم الوقت بفعلته المعتادة. لم تكون أحلامه كثيرة ولكنها كانت كافية وفي نفس الوقت كانت كسراب في الصحراء، ولكنها كانت سراب لمسافر طال سفره وضل طريقه فصار لا يمانع السراب أنيسا لوحشة طريقه.
تفاجئ من ذاكرته كيف تستطيع أن تأتي له بالصور كاملة، كيف يمكن أن تأتيه بتلك الليالي وكأنها حدثت بالأمس. بالرغم من أن ما يفصله بين تلك الذكريات أكثر بكثير من مجرد وقت مضى إلا أنه شعر بتلك الدماء التي تجري بطريقة غريبة في عروقه و الفراشات التي تطير بداخله حتى ذلك الدوار البسيط وكأنه على وشك السقوط في بحر أمواجه تبدو أجمل من نجوم السماء، كان يستدعي ذلك كله وكأنه أمامه ولكن الوقت يمهله قليلا ثم يصعقه من جديد مذكرا إياه بأن كل ذلك مضى وان الخط الفاصل ممتد كما تمتد السماء فوق الأرض.
أما القمر فمهما دار دورته وظهر واختفى بقى قمرا ، فالقمر كان بداية لحكاية أخرى.. كان القمر بداية حكاية ما عجز الخط الفاصل عن فصله ، كان بداية حكاية عودة الوقت إلى مجرد كونه وحدات زمن ..  القمر ، السماء ، النور ، الاحلام ،  وتلك العينان صاروا حكاية أخرى ..




Thursday, April 20, 2017

على الطريق

لا يتذكر المرة الأولى التي قطع فيها هذا الطريق. ولكن بإمكانه أن يتخيل كيف تغير الطريق مع الوقت.
في البداية كان الطريق مرتبط بتجربة جديدة أو بسفر أو عودة مسافر .. كان الطريق غريب
بعد ذلك صار مألوفا أكثر، صار طريق العودة بعد السفر
وفي وقت كان الطريق يبدو وكأنه موصول للسماء مرورا بالقمر
بعد ذلك بدأ الطريق يعود غريبا ، فطريق العودة صار غير واضح ، أصبح الطريق سفر فقط
وأصبح أكثر غربة عندما حمله إلى أماكن يختفي فيها القمر

وصار الأمر الآن شيء ما بين الألفة والغرابة ، فالماضي الذي بينه وبين الطريق يجعله من أفضل أصدقائه فيشعر وكأن قلبه يسافر في الطريق قبل أن يسافر جسده نحو وجهة ما ويرحل عقله إلى صور وخيالات كثيرة، ومع ذلك يبدو الآن شديد الغرابة فشيء في ملامح الطريق اختلفت وربما شيء في ملامحه هو الذي اختلفت

Sunday, March 26, 2017

مأساة طائر


كان الحاج إبراهيم يجلس في شباكه المقابل لسطوح عائلة الحاج ياسين حيث يجلس أوسط أولاده مختار. كان الحاج إبراهيم وزوجته الحاجة نعمة شيخان كبيران لم يرزقهما الله بالأولاد ولكن رزقهم بمختار والذي عدوه كحفيدهم وابنهم الذي لم يأتي. وخصوصا أن آل ياسين انتقلوا بجانبهم ومختار مازال ملفوف في حضن أمه وتجر 3 أخوة وله وأخت صغيرة مازالت في عالم الغيب. حمل إبراهيم ونعمة هم تريبة مختار عن العائلة الكبيرة.
كان مختار يجلس ناظرا للسماء وكأنه يعيد اكتشافها من جديد عندما قاطع تأمله الحاج إبراهيم قائلا:
"يابني كفاية قاعدة كده، قوم كلًك حاجة ونام شوية".
مختار: " يا جدي مينفعش ، مينفعش اكل وانام وانا مش عارف هو راح فين!"
إبراهيم: "يابني هو ابنك تاه منك! ده عصفورة ، اكيد طار بعيد ولا هاجر."
لم يرد مختار واكتفى بنظرة غاضبة اعتلت وجهه الذي مازال يبدو عليه شيء من الطفولة وإن فاجئه الشباب. عاد إبراهيم لحديثه قائلا :
"خلاص متزعلش مني يا مختار، انا بس خايف عليك تتعب. بلاش تاكل انت، اكِّل الحمام طيب. "
مختار: "رمتلهم شوية حبوب الصبح ومليت ليهم المية ، وملتله هو كمان وسبتله أكله من نوع بيحبه."
إبراهيم: "طيب هقولك على حاجة، انزل كل دلوقتي ولما تخلص هطلع العربية النص نقل وندور عليه سوا واركب انت ورا زي ما بتحب."
تهلل وجه مختار قليلا لثواني ولكنه يبدو أنه تذكر ما حدث فاختفت علامات السعادة وقال: "اتفقنا يا جدي."
ظهرت نعمة خلف إبراهيم ويبدو على وجهها أن غير راضية وقالت له : "هتفضل تدلع فيه لامتى يا إبراهيم."
فرد مختار : "كفاية الدنيا عليه يا نعمة ده لسه عيل طيب."
...
كان الفجر هو الجزء الأصعب دائما فذلك هو الوقت الذي قابله فيه لأول مرة. يتذكر تلك الليلة وكأنها أمس ، كيف صعد للسطح وهو حزين ويمسح دموعه كان يشعر بالألم يعتصر قلبه وكأنه مصاب إصابة شديدة. وجده بجانب السور حيث أعتاد أن يجلس وجد جسم صغير يتحرك في ألم فوق السطح. كان طائر صغير مصاب وينزف من صدره يبدو أن طفل أو شخص ما قذفه بشيء حاد فأصابه تلك الإصابة. نسى مختار حزنه وتلاهى عن إصابته بإصابة الطائر. حاول الاعتناء به قدر المستطاع لم يدرك مختار بأنه كان يصرخ ويأن إلا عندما فاجأه جده من الشباك يسأله ما الأمر. ظل مختار والحاج إبراهيم حتى شروق الشمس يعتنوا بالطائر وحدثت مفاجئة مع شروق الشمس... بالرغم من صغر حجم الطائر إلا أنه كان لديه جناحين كبيرين يبدو عليهم القوة وتظهر بألوان لم يروها في حياتهم. كان يبدو وكأنه طائر ولدته السماء بألوانها الخلابة، ظل مختار يحدق به وكأنه يتعرف على حياة من جديد والحاج إبراهيم يراقب مختار بسعادة وكأنه يرى ولادة أبنه مختار من جديد. أصبح ذلك الطائر الذي هبط من السماء صديق مختار الأقرب إلى قلبه وكان يقضي معظم وقته على السطح معه ومع مجموعة من الحمام التي يقوم بتربيتها أيضا.
حتى تلك الليلة الكئيبة، كانت في وسط الشتاء والجو شديد البرودة. وكان من المعتاد في هذه الليالي أن مختار يترك صديقه يطير بحرية وفي الليل يغطي العش الخاص به الذي تركه دون غطاء او قفل ولكنه يغطيه فقط في الليالي شديدة البرودة ليحميه من الجو والمطر. ولكنه في ليلة نسي أن يصعد له، وكانت المطر شديد في تلك الليلة وظلت الرياح والمطر مستمرة طول الليل تقتلع كل شيء أمامها حتى صداقة مختار. صعد مختار في اليوم التالي وقلبه يرتجف ويشعر بالمصيبة التي حدثت، وأسئلة كثيرة تشغل عقله ، كيف لصديق أن يتخلى عن صديقه في ليلة كتلك الليلة؟ كيف ينساه ويتركه؟ ولكنه لم يجد إجابة، فقط وجد العش وقد تكسر ولم يجد صديقه هناك ، فقط مجموعة من الحمام المذعور. كانت الليالي التالية أصعب ليالي مرت على مختار ، كان يقضي النهار على السطح ناظرا نحو السماء منتظرا صديقه وفي الليل أمام الشباك. حاول كثيرا أن يجده مرة أخرى سواء في رحلاته مع جده أو استخدامه لتلك الراية الكبيرة التي كان يستخدمها عندما كان صديقه مازال صغيرا حتى يعرف بيته. ولكن كل محاولاته بآت بالفشل. بالرغم من ذلك لم يتوقف يوما عن وضع الطعام والماء في المكان المخصص له بل وأعاد بناء العش وجعله أفضل من السابق. لم يدري هل يفعل ذلك منتظرا عودته أو ان الحياة أصبحت غير منطقية بدونه بالأحرى كان كلا السببين معا.
...
ذات يوم سأل مختار جده: " هل رحل صديقي إلى الأبد يا جدي؟"
حاول إبراهيم أن يبتسم ورد بقلق: "بالطبع لا يا مختار، سيعود قريبا انا متأكد."
رفعت نعمة وجهها ونظرت لمختار وكأنها شعرت بأنه حان الوقت لتقول له الحقيقة. انتهزت فرصة أن مختار قام ليشرب الماء ووجهت كلامها لابراهيم قائلة:
" انت دلعته كتير يا إبراهيم ، مختار كبر ، هو اه قلبه ابيض وطيب بس هو كبر. مختار مش طفل بيحب عصفور ويلعب معاه وبس. لا ، الطير ده كان صاحبه وشباكه على الدنيا المحتار فيها.
رد إبراهيم بحدة ولكن من دون غضب: "منا عارف يا نعمة، بس هقول للواد ايه؟ انا بخاف عليه من الهوا !"
نعمة: "طيب سيبهولي انت وانا هكلمه."
نادت نعمة على مختار وأشارت له أن يصعد خلفها إلى السطح.
وبمجرد أن رأته أشارت له وقالت: " تعالى يا مختار، عايزة اكلمك شوية.. انا عارفة انك زعلان وحاسس بوجع بس انا مش عايزة اضحك عليك زي جدك..
انت غلطت يا مختار ، وطبيعي صاحبك ميرجعش مش لأنه كرهك أو كره المكان بس لأنه ممكن مش شايف الطريق خلاص فهيرجع ازاي او فين؟
فكر كده لو انت كنت مكانه كنت هتحس بايه؟ انا مش بقولك كده عشان اضايقك بس بقولك كده عشان تاخد بالك من اصحابك بعد كده وتاخد بالك من كل حد بتحبه عشان دول دونيتك وحياتك. ولو غلط يبقى استحمل غلطك انت كبرت وبقيت راجل خلاص. قعدتك وحطت ايدك على خدك مش هتصلح المكسور.
مش هقولك أنك هتلاقيه او تلاقي طير زيه، بس راقب السما يا مختار محدش عارف ايه هيحصل..."
لم يتكلم مختار أو جدته واكتفيا بمراقبة السماء واسراب الطيور من بعيد ومختار يحلل كلام جدته ولم يستطيع ان يقاوم دمعتين نزلت من عينيه. فاحتضنته جدته بقوة وقالت:
" لم أخبرك بسر آخر، الحب لا يموت.. لا يمنعه سماء ولا تراب ولا طرق .. لا تقلق حبك باقي ويصل لقلب من تحب .."
قال مختار وهو يتحدث داخل حضن جدتك:
"انا بحبك يا جدتي اوي ، ربنا يخليكي ليا .. انا هنزل اجيبلك انت وجدي بسبوسة انهاردة عشان انتوا اصحابي وهعمل بكلامك وهاخد بالي من اصحابي."
ضحكت نعمة ضحكة صافية وهي تراقب مختار والسعادة بدأت تظهر عليه.
في اليوم التالي لف مختار الراية وواضعها في صندوق وفك العش الخاص بصديقه ووضعه في جانب السطح كما أنه باع الحمام لأحد جيرانه. غير السطح واختلفت نظراته القلقة إلى السماء. فمختار ارتاح إلى أن حبه سيحيى رغم كل شيء، وأصبح ينتظر باطمئنان صديقه ان يعود يوما ويكمل حديثهم الذي لم ينتهي ويقتسما الدنيا من جديد ويراقب السماء منتظرا أن تكشف له عن سر جديد...





Saturday, March 25, 2017

قصة بدون قصة



اعتدلت في جلستها وأمسكت كوب اللبن الدافئ وتخيلت لدقائق أنه فنجان القهوة اليومي الخاص بها بالرغم من أن القهوة تؤلم معدتها ولكن بالطبع لا تؤلم خيالها. وبحركة سريعة أمسكت قطعة الشكولاتة وكأنها سيجارة الصباح ونظرت إلى الورق الموضوع أمامها نظرة تأمل وقالت لنفسها بصوت هادئ في مشهد تحاول أن تجعله سينمائي : " حان وقت الكتابة".
بدأت تكتب "كان القمر في تلك الليلة .." ثم توقفت وبدا على وجهها علامات الغضب ونظرت إلى سور البلكونة فوجدت عصفور صغير صبت عليه غضبها وقالت له: "القمر من جديد ! كل القصص عن القمر ! بدلا من أن أكون أديبة فيلسوفة أو أديبة الحارة المصرية أصبح أديبة القمر .. أي سذاجة تلك! رد أيها العصفور .. رد." عادت للكتابة وبدأت من جديد وكتبت:" كان البحر غاضبا والسماء مظلمة و.." ثم نظرت للعصفور من جديد وقالت : " ولا أدري حقا ، ما فائدة البحر والسماء بدون القمر. كأنني أكتب قصة الفرسان الثلاثة بفارسين فقط، بالطبع لا يجوز!". ظلت تنظر إلى العصفور والسماء وهي تشرب كوب القهوة المتخفي في شكل كوب لبن والسيجار الشكولاتة وكانت تنظر إلى السماء وهي تغرب منتظرة قدوم القمر لتناقش معه المشكلة وجها لوجه. مرت على وجهها نسمة هواء باردة تحمل رائحة الربيع.  نظرت إلى العصفور من جديد وقالت له متسائلة: "كعصفور ، ما رأيك في حل هذه المشكلة ؟ كيف أكتب بدون أن يظهر القمر في وسط القصة؟" ولكن العصفور طار قبل أن يجيبها ...
كانت السماء رائعة كعدتها وترسم ابتسامة جميلة بالنجوم اللامعة .. لم يأتي القمر ، هل يشعر بالحزن؟ هكذا تساءلت وهي تنهي كوب اللبن. قامت من مكانها واستندت على سور البلكونة ونظرة إلى السماء حيث الابتسامة مرسومة وقالت بصوت هادئ: "اعتذر لك يا صديقي ، سأترك لك باقي الشكولاتة و أظن بأني لن أكتب اليوم سأنتظرك في الغد .. أو بعد الغد .. أو مهما طال الأمر .. " رأت عصفور يطير بعيد فلوحت له وتركت الورق والاقلام وهي تبتسم ابتسامة تشبه تلك التي في السماء. وتركت ورقة بيضاء تظهر عليها رسمة قمر كبير وكتبت تحتها على القارئ تخيل قصة مناسبة لأن الكاتب لم يجد واحدة..



Wednesday, March 22, 2017

قالت - رسائل مقتبسة

اقتباسات من كتاب "قالت" للشاعر فاروق جويدة. 
من الجميل أن نجد الكلمات التي هربت منا موجودة على أوراق أخرى فنجمعها ونبعث بها في رسالة. 

- كنت أريد أن أبقيها في نفسي .. كنت أريد أن أجعلها شيئا في داخلي .. كنت أريد أن تظل صورتها بكل ملامح الجمال والدفء والعطاء فيها.

- الحب الحقيقي لا يموت .. يتوارى في داخلنا .. يشعر بتجاهلنا له .. ولكنه فجأة يصيح في داخلنا .. 

-  دائما أنت بقلبي .. 
رغم أن الأرض ماتت ..
رغم أن الحلم مات ..
ربما ألقاك يوماً ..
في دموع الكلمات ..

- لقد أعطانا هذا العام شيئا من الدفء رغم أن صقيع أيامنا كان طويلا .. سوف نذكر لهذا العام أنه أعطانا أشياء كثرة جاءت على غير انتظار .. وأجمل الأفراح هي تلك التي تجئ على غير انتظار .. وأسوأ الأحزان هي أيضا تلك التي تجئ على غير موعد .. 

- لم يبق غير ذلك الوجه الصبوح المشرق الذي أحببته فيك .. لم يبق غير كلماتك بعذوبتها وتهورها .. صدقيني اشتقت كثيرا لجنونك وتهورك. ولقد استكنت بعدك .. إن ورافد الأنهار تتعلم الثورة من تدفق النهر الكبير.. ومنذ رحلت هدأت في داخلي واستكان بعدك.. كانت ثورتي بعض ثورتك .. وكان جنوني من جنونك .. كيف أعيدك يا جنوني .. يا ثورتي .. لا أدري كيف أفعل ذلك ..

- وذا كان ولابد من أن تغير قلبك .. فعليك أن تختار قلب طفل صغير لم تدنسه بعد أقدام هذا الزمان العابث الردئ..
إذا كنت تريد أن تستبدل قلبك فحاول أن تختار قلباً لم يحمل هموم هذا العالم أحزاناً واحباطا ويأسا ..
إذا كنت تريد أن تغير قلبك حاول أن تختار قلبا لم يتعلم الكراهية بعد .. حتى يمكن أن تحب ..

- أحاول أن أبعد طيفك عن طريقي ولا أتذكرك .. ولا يعني ذلك أنني أصبحت أكرهك الآن. مازلت أحب كل شيء فيك أيامك .. أخطاءك .. ثورتك .. حماقتك .. وجنونك. ولكنني لا أريد أن أتذكرك حتى لا ذكر أيام الأحلام الكبيرة التي مازلت أتحسر عليها.
إنني أعيش الآن زمن الأحلام المزيفة والعملات الرديئة .. لقد ماتت كل الأحلام الصادقة والجميلة..
أصبحت الآن فقيرا  .. أفلست خزائني. وأصبح الدائنون يطارودنني في كل مكان .. لأنني لا أستطيع سداد أحلام اقترضتها من الناس وعجزت عن سدادها.

- اعذريني  .. كنت فيما مضى أنظر في عينيك وأنسى أشياء كثيرة: الهموم العابرة .. ومتاعب الحياة .. وزماننا الضائع ..
كان بريق عينيك قاربا صغيرا يحملني إلى بر الأمان فألتقط بعض أنفاسي وأعود أسبح من جديد .. وأستكمل الرحلة
كنت أشعر في عينيك أن هناك مساحة صغيرة جدا في هذا العالم يمكن أن تحتويني وأشعر فيها بالأمان ..
كثيرا ما كنت أدخل عينيك وأغلق خلفي جميع الأبواب وأشعر أن جيوش الأرض ومباحث الكون لن تصل إلي .. مادمت في عينيك ..
ولكنني قررت من الآن ألا أهرب إلى عينيك مرة أخرى، لم يعد من العمر يسمح بالهروب. سوف أظل واقفا في مكاني أمام التيار أواجه قدري بدون عينيك ولن أهرب إلى الشاطئ مرة أخرى.

- فجأة ألتقط بقاياها من فوق أرصفة الحياة .. أهرب بها من صقيع الطرقات وأنزوي في ركن صغير من أركان بيتي بعيدا عن الناس.  أجلس أمام مدفأتي الصغيرة أحاول أن أجمع أشلائي المتناثرة لأصنع منها ذلك الإنسان القديم الذي أحببته في داخلي.


- الانسان لابد أن يتعود على الوحدة حتى لا ينسى حقيقته الأولى التي ولد بها ولابد أن يرحل معها.. فنحن نولد وحدنا ونموت أيضا وحدنا. وبين الولادة والموت لا ينبغي للإنسان أن ينسى حقيقة أنه وحيد.

- إنه مثل حركة القطارات، المهم أن يلتقي المسافران في وقت واحد .. وعلى محطة واحدة .. فقد يهبط أحدهما في لحظة يغادر فيها الآخر .. وقد يلتقيان على غير موعد .. وقد لا يلتقيان أبدا ..
وهذا هو الحب. مصادفة تأتي بدون ترتيب وعلى غير موعد ؟؟
ثم ترحل أيضا بدون إنذار .. وعلى غير موعد ..

- جمعنا لقاء عابر بعد سنوات فراق طالت ..
كنت أريد أن أقول لها أن الأيام بعدك تشابهت وأصبحت أغنية مكررة مملة وثقيلة .. وأن الوجوه تشابهت وفقدت ملامحها ونبضها وبساطتها ..
- كنت أريد أن أقول لها أنني فتشت عنك في كل امرأة عابرة .. فتشت عن عيونك .. وأيامك .. وعطرك وثرثرتك وأحلامك التي لا تتحقق وأمانيك التي شردتنا في أرض الله ..
كنت أطارد وجهك في كل الوجوه وأشم عطرك وتفصلني عنك آلاف الأميال.

- كنت أريد أن أقول لك أنني أحبك بأعلى صوتي .. فما زلت سابحة في دمي .. ومازلت واقفة في آخر كل طريق أسكله .. كأنك ظلي .. أو قدري .. أو سنوات عمري ..

- وأجمل الأشياء أن تترك البيت بكل الاشياء الجميلة قبل أن نرحل عنها .. إن ذلك يذكرني بدمار الحروب .. التي تقتل كل شيء في الإنسان ..

- وجدت نفسي في عينيك. لأول مرة يفارقني إحساسي القديم بالخوف. والخوف إحساس متوارث ورثناه عن آبائنا وأجدادنا..

- إننا نقابل في حياتنا عشرات الوجوه .. ولا يبقى في أعماقنا إلا وجه واحد نذكره، نحفظ في أجندة تليفوناتنا عشرات الأرقام .. ولكن الذي يظل في ذاكرتنا رقم واحد، وحتى حينما نحزن نتمنى لو أن شخصا واحدا يشاركنا هذا الحزن .. ونحلم عشرات الاحلام وقد نحققها جميعا ونعيش العمر تعساء من أجل حلم واحد لم نحققه ..

- ثقيلة أيامي من غيرك .. بطيئة النبض .. كئيبة الملامح .. أعيدي لأيامي نبضها المسافر 

- وتحقق حلمك .. تصل إلى ما تمنيت .. ويصبح الأمل حقيقة .. ولكنك في لحظة سعادتك بحلمك تشعر بلحظة شقاء عنيفة لأنك حققت حلمك وحيدا ..
لأنك حينما وصلت إلى نهاية المطاف تلفت حولك في لحظة تعب وإرهاق فلم تجد الإنسان الذي حلمت أن تكون معه في هذه اللحظة .. لحظة الوصول إلى الحلم.
شيء مرهق أن نحلم .. وأكثر إرهاقا من الحلم ان نصل إليه وحدنا. 

- إننا في أحزننا ندرك كم هي جميلة وعظيمة لحظة السعادة .. 

- نتصور أحيانا أن ماضينا هو أجمل أيام عمرنا .. وهو التذكارات التي جمعناها لكي نعيش عليها .. ثم ندرك بعد ذلك أن الغد جاء على غير ما توقعنا .. لقد جاء أكثر جمالا من كل رصيد ذكرياتنا. 

- حزينة أنت .. أعرف كم أنت حزينة وأنا مثلك أكثر حزنا .. لكن الأيام علمتني أن أجمل ما فيها أمل نغرسه وفرحة ننتظرها ولقاء نسافر من أجله آلاف الأميال ..  

- مازلت اؤمن رغم المسافات التي تركتنا بقايا أن الزمن سوف يلملم كل هذه الجراح . وسوف تعود كل الأشياء الجميلة تجمعنا مرة أخرى .. أعلم كم أنت حزينة .. وكم أنا مثلك حزين ..
لكن دعينا نبتسم لأن ابتسامتنا ميلاد جديد ..

-  أجلس الآن أمامك وأنا أتخيل غدا من غيرك أشعر أنه شيء مظلم كئيب .. أتخيل عيني بدون بريق عينيك .. أتخيل شعري بلا صوتك .. أتخيل أيامي بعيدا عنك .. كل هذا يدور في رأسي كأنك بعدت عني .. أشعر أن العالم ينتهي .. وأن الكرة الأرضية قد تغيرت مكوناتها وملامحها .. هناك بركان يتفجر داخلي الآن


Friday, February 17, 2017

مسرحية

 أغلقت الستائر وصفق الجمع ، انتهت المسرحية ولكن العرض أستمر تفاجئ الممثلين وتسمروا في أماكنهم ولم يدروا ماذا يفعلون. أشار المخرج بحركات حادة أن يستمر الجميع كما كانوا. ظهرت علامات التعجب على الممثلين فكرر المخرج حركاته بعنف زائد. أستمر الجميع على دوره يحاول أن يستمر وكأن الشخصية كما هي. كان الأمر مضحك بالنسبة لهم في البداية وحالوا جاهدين اخفاء ابتساماتهم خوفا من أن يغضب المخرج من جديد. مرت ساعة ولم يتغير شيء ولكن بعد مرور بضع ساعات بدأ التوتر يظهر وأصبح الممثلين حادين في التصرف كل منهم يقول كلامه وكأنه يعنيه. 
ارتسمت ابتسامة صافية على وجهة المخرج.
مرت دقائق ورفع الجلاد الممثل صوته. 
دقائق أخرى ورُفعت السيوف وسالت الدماء.
ساد الصمت ..قطعه تصفيق حاد من الجمهور وتعالت الصيحات والهتافات بروعة الاداء والتفاني
وقف المخرج على خشبة المسرح وحيدا بين أجساد الممثلين والدماء وانحنى انحاءة بسيطة للأمام والتقط وردة من الأرض
خرجت الصحف في اليوم التالي تحيي المخرج على علمه الفني الرائع ونشرت تصريحه بعد العمل ، "لقد كان عمل متعب للغاية ولكن كل شيء في سبيل الوطن."
وفي الصفحة الأخيرة وبخط صغير كُتب نعي بعدد ممثلي المسرحية ماتوا بسب هبوط حاد في ضغط الدم وبجانبه بخط كبير أعلان طلب ممثلين ذوي خبرة لعمل مسرحي رائع. 

Sunday, January 8, 2017

وردة صغيرة

وضع الوردة الصغيرة في صندوق خشبي كبير واحكم اغلاقه وتركه يسبح في المحيط الواسع. تلك الوردة التي أنتزعها من وسط قضبان السور الحديدي. أستغرب كيف أنه لم يشعر بأي ألم كعادته عند قطف الورود بل شعر بسعادة. سعادة انتزاع الجمال من الوسط القبح أو تحرير الحياة من قبضة الموت. لكنه لم يستطيع أن يحتفظ بتلك الوردة ، شعر بأن عليها أن تقوم برحلة لم يستطيع أن يقوم هو بها، أن ترحل من خلف السور ومن خلف كل  سور لعلها تغادر الأرض والغلاف الجوي وتتجه مباشرة نحو القمر حيث تعيش الاحلام في سلام بعيدا عن قبح الأرض.
وضع الوردة بهدوء في الصندوق وتركها تسبح في البحر الذي طالما سبح مع أمواجه ونجومه. وضع يد على خده واليد الأخرى على قلبه يتحسس بها حالته وهو يراقب الصندوق يحمل دليله على أن مازال هناك جمال، مازال هناك حلم وأمل.
ابتعد الصندوق في الماء مع الموج وبدا السور الحديدي وكأنه يعلو ويعلو. دقائق قليلة وبدا له وكأن السور به شرخ ، شرخ يبدوا في حجم الوردة الصغيرة ولكن وكأن الكون يمتد من خلفه...