Tuesday, September 20, 2016

ياريت نرجع صغيرين تاني

كنت أسير في شوارع المحروسة "مصر" ورأيت طلبة المدارس وهم يعودون إلى دراستهم –قبل بدأ الدارسة بشهر من أجل تلبية متطلبات المدرسين بالتأكيد أو كما يقال من أجل الدروس – يسيرون وهم يحملون الكتب وهناك من يقوم بالمراجعة النهاية أو كتابة الواجب في الشارع. لجزء من الثانية تساءلت لو أنني أريد أن أعود طالب من الجديد .. في البداية تفاجأت أني حصلت على شهادة جامعية من الأساس فطوال عمري كنت أظن بأن الثانوية العامة هي شيء مستحيل ومستبعد يخيفون به الأطفال الصغار تماما ك"أمنا الغولة" و "أبو رجل مسلوخة" ولكني أتفاجأ بأني انتهيت من مرحلة الثانوية العامة –والحمد لله- بل وحصلت على شهادة جامعية أيضا! متى وكيف و"نعم؟!" كلها أسئلة كانت تدور في رأسي وانتهت بفكرة حاولت التسلل إلى عقلي ..."هل أريد أعود طالبا من جديد؟" ولكن بعد جزء صغير من الثانية جاءت "لأا طبعا" قاطعة... لذلك عذرا للعنوان المضلل ولكن أحيانا الغاية تبرر الوسيلة فإن كنت جئت من أجل الحنين إلى الماضي أو غضبا من العنوان المستفز ففحالتين "جررت رجلك" وهو شيء أحيانا يريده الكاتب.  
لا أظن بأن أحد يفكر جيدا وهو يتمنى أن نعود صغار فالحقيقة هي أن كما يقول محمود درويش:
"الحنين استرجاع للفصل الأجمل في الحكاية:
 الفصل الأول المرتجل بكفاءة البديهة
هكذا يولد الحنين من كل حادئة جميلة
ولا يولد من جرح
فليس الحنين ذكرى
بل هو ما ينتقى من متحف الذاكرة
الحنين انتقائي كبستاني ماهر
وهو تكرار للذكرى وقد صُفيت من الشوائب"
لا أظن حقا بان طفولتنا أو الماضي عامة كان بهذا الروعة والجمال الذي نظنه دائما ، ولكن دائما ما كان هناك أزمات ومشاكل حتى ولو تبدو تافهة وصغيرة الآن ولكن في السابق كانت تبدو وكأنها في وزن العالم كله تماما كما نرى أزماتنا الآن وبعد أعوام قليلة ستبدو تافهة.
الأزمة ليست في أن الطفولة كانت أجمل و أن الحياة من قرون كانت ألطف. الأزمة حقيقية في اختياراتنا فلعل الشيء الوحيد الذي تغير حقا هو مدى أيماننا بأحلامنا وأمنياتنا التي لم يكن لها حدود. ولكن مع الوقت نبدأ في عمل تنازلات ونرضى بالأقل وبعد ذلك نتفاجأ بالنتائج.
لا أظن بأني سأكون سعيدا بأن أعود طفل يحلم ويحلم فقط ، يحلم ويفكر كيف انه في يوم سيفعل الكثير، الأفضل أن أحاول أن أعيش هذه الأحلام حتى ولو كان الواقع محبط وليس كما توقعته كطفل ولكن على الأقل هناك فرصة أن ربما واحدة من هذه المحاولات ستنجح ولكن ما الفائدة في أن أعود طفل إذا؟ سيكون هروب أكثر من أي شيء آخر.

دائما ستكون هناك معركة مع الوقت ، فالحقيقة هي أن الوقت لا يتوقف ولا يمل ولا يصيبه الإحباط ولا يتعب ولكن نحن نفعل ذلك وعندها يتمكن منا حقا. المشكلة ليست في العمر كرقم ولكن المشكلة حقا فيما نفعله بهذا العمر. 
ففي النهاية أفضل أن أنظر إلى حياتي وأرى أيام صعبة كثيرة أوصلتني إلى ما انا عليه أفضل من أن أكون طفل سعيد بلا سبب ... 

Saturday, September 10, 2016

كلمات


الكلمات تضغط وكأنها ماء مطر ينحدر من فوق جبل بقوة لا يمكن إيقافها، لا صخر ولا الحفر.
من قبل كان لا يحتاج كلماته فللمرة الأولى منذ وقت طويل كانت العاصفة توقفت والسفن بدأت رحلة هادئة نوعا ما إلى الجزيرة البعيدة.
تغير الأمر وعادت العاصفة ولكن الكلمات تضعف السفينة تجعلها مكشوفة، الكلمات تخبر الريح أين نقاط الضعف وأين الضلوع المكسورة من قلق الليل. الكلمات تخبر كل شيء ولا تبقى أي سر.
يحاول أن يسيطر على كلماته كما يوجه الملاح شراع سفينته. يحاول أن يعاند الرياح ويمنع الكلمات من أن تفضحه.
ولكن الليل يكون بطيء والماء ينحدر بقوة أكثر والكلمات تضغط أكثر فأكثر.
يخرج ورقة وقلم ، هل يحكي للقمر ما حدث؟ هل يكتب يومياته لعل العاصفة تأخذها بعيدا لنجمة باتت بعيدة؟
في النهاية يترك الورقة بيضاء فلا القمر صار قريبا ولا العاصفة توصل رسالته.
شيء ما مازال يلمع في السماء ، هكذا يخبر نفسه .. بالرغم من خلو السماء من أي أثر للنجمة إلا أنه يشعر بها بالقرب منه ، يشعر بها في وسط العاصفة، يشعر بأشاراتها بأن الطريق من هنا .. لا تقلق يوما ستصل.
يحاول أن يقنع نفسه بأن العاصفة ستنتهي قريبا أو قريبا جدا بشروق شمس يوم جديد أو تتأخر قليلا حتى غروب ، يحاول ويحاول ولكنه قبله يخبره بالحقيقة التي يحاول أنكارها بأن العاصفة مازالت في البداية وأن السماء ستظل بدون نجمتها وسيظل القمر بعيدا بعيدا ولكنه لا يكذبه في أمر واحد وهو أن القلب كذلك يشعر بالنجمة مختبئة في مكان ما بداخله تترك أثراها الصغيرة –التي صارت مؤملة بعد الشيء- مع كل حركة يتحركها.
تسأل كم يوم كم مر؟ هكذا سأله القلب، وكانت الإجابة بأن العدد لا يبدوا واضحة شيئا ما بين الأربعين والخميس عاما، هكذا تقاس الليالي الطويلة بالأعوام وليس الأيام والساعات.
ها قد فعلها وخرجت كلماته في وسط العاصفة ، خرجت تائهة كمركب صغيرة للصيد وجدت نفسها في وسط عاصفة في محيط كبير ، والنجمة شمال تبدو بعيدة، بل أبعد ما يكون ...


Friday, September 2, 2016

عطل مفاجئ


خرجت من عملها وهي تشعر بتعب كبير وتريد فقط أن تكون على سريرها لا تشعر بشيء سوى برودة التكييف وربما تشاهد فيلم قبل النوم. ولكن عليها أن تقطع مسافة كبيرة لتصل إلى المنزل ، ليس هذا فقط بل عليها أن تقود سيارتها هذه المسافة وهذا يعني عذاب ليس كأي عذاب لساعة كاملة على الأقل.
بمجرد أن خرجت من باب العمارة قابلها "السايس" بابتسامة تشبه ابتسامة شخص جائع على وشك أن يسرق طعام ساخن وقال بصوت متحمس:
"الف مبروك يا أستاذة العربية الجديدة، والله فرحتلك ! هترحمك من قرف التاكسي .. دول ناس حرامية أصلا!"
لم تجيبه ولم تريد أن تكمل الحديث فردت عليه بنظرة شخص شبعان تماما ورأى طعام يكره. ولكنه أكمل حديثه على أي حال قائلا:
"أخيرا يا أستاذة هطلعك من الجراج بنفسي .. ده انا هستنى سيادتك كل يوم!" وتبع كلامه بابتسامة بلهاء تجعل أي شخص سعيد يشعر بقليل من التعاسة أن هذه التعابير هي ابتسامة.
لم ترد عليه ولا تنظر إليه هذه المرة بل حدثت نفسها وقالت :" لوعايز تعمل خير فعلا تيجي تسوق انت في شوارع المخروبة دي..."
وقف هو منتظر الأستاذة وبدأ في عمل إشارات وكأنه يساعد طائرة ضخمة على الهبوط في جو غائم.
كانت تحاول أن تستجمع قوتها وتشجع نفسها على أنها تستطيع أن تنهي هذه الرحلة بسلام. تركته ومشت بالسيارة ببطيء وتخبط وعلى وجهه علامات الغضب والحيرة فهي لم تعطيه "البقشيش" المطلوب بعد كل هذا الكلام المعسول.
توقفت عند أول كشك لكي تشتري مشروب بارد وقطعة شكولاتة من أجل الطريق الطويل. وعندما همت بالتحرك حدثت ما كانت تخافه بل ما كانت تعتبره أسوا كابوس لها، فبعد أن دخلت السيارة ووضعت المفتاح في مكانة وحركته حركة واحدة وداست على الدواسة كما تعلمت ، لم تتحرك السيارة ولو أنشا واحدا!
أخرجت صرخة عالية ، ولكنها ليست عالية كفاية ليسمعها أحد فنوافذ السيارة مغلقة والطريق شبه صحراوي وهو ما يزيد الطين بلة. وضعت رأسها داخل حقيبتها لدقائق لتتأكد من أنها لو بكت لن يراها أحد. بعد ذلك حاولت بشتى الطرق أن تحرك السيارة ، تأكدت من أنها على وضع الحركة والفرامل ليست مشدودة ولا يبدوا على السيارة أي مشاكل ليس هناك دخان ولا رائحة ولا شيء. نزلت من السيارة لتتأكد من شيء لم تعمله وبالطبع لم ترى شيء غير مألوف على الأقل ليس بالنسبة ليها.
وقفت لدقائق تحدق بالسماء وتتساءل من أعماقها "ليه؟" ، "ليه يحصلي كده! انا عملت ايه وحش في حياتي!" ، بدأت وقفتها تثير الأنظار وبالطبع فتاة وسيارة يعني عدد لا نهائي من النكات السخيفة وكان هذا ما يجعلها تشعر بالضيق أكثر حتى من النظرات فقط كان واضح ما يريد أن يقوله أي مار. حاولت أن تعود من أجل محاولة أخيرة يائسة ولكن لا فائدة. اقتربت سيارة بها شاب سألها:
"انت محتاجة أي مساعدة؟ أغيرك الاستبن أو حاجة؟"
فردت "لا لا شكرا، انا مستنية بس جوزي عشان بنمشي سوا ... شكرا"
غادر الشاب بهدوء ولو أنه لم يصدق الرواية الخاصة بها. وقالت هي لنفسها:" اكيد مش هتصدقني يعني ، هو انا لو كنت متجوزة ، كنت هسيبه في حاله واتبهدل كده ، اكيد كان هيوصلني كل يوم ! بدل البهدلة دي.."
كان الوقت يمر بطيئا جدا ومضى أكثر من نصف ساعة على توقفها. عندها أخرجت تليفونها المحمول لكي تحاول أن تبحث عن مشكلتها أو مشكلة مشابهة. صمتت دقيقة وكانت تفكر وتسأل نفسها : "هو ليه مفيش صوت طالع من العربية؟ مش المفروض الموتور داير!" بعد ذلك صمتت تماما وابتلعت صدمتها ووجها بدأ في الاحمرار حتى أصبح يشبه الطماطم الطازجة وحركت يدها ببطيء شديد وحركت المفتاح حركة زائدة لكي يدور الموتور...
سارت طول الطريق في صمت تام وتتخفى من الناس وكأنها قامت بعمل مصيبة ما. وعندما عادت لمنزلها سألتها أمها بقلق:
"ايه الحصل يا بنتي؟ ايه أخرك كده !"

فردت : "لا مفيش يا ماما.. كان في سواق غبي على الطريق بس.." وابتسمت ودخلت غرفتها لا تعرف هل تبكي أم تضحك. 

Thursday, September 1, 2016

الضفة الأخرى 2






أستقيظ من نومه فجأة ليجد بقايا قاربه بجانبه والرمال تحيط به من كل مكان. كانت الرمال تمتد بلا نهاية تعلو وتهبط، فقط رمال رمال والسماء تبدو رمادية اللون والضوء الشمس باهت. كانت يمكنه أن يرى أثار أقدام تظهر وتختفي في الرمال ويسمع همس وأحيانا يلمح أشباح تتحرك. ظل ينادي وينادي بصوت عالي ولكن لا يوجد أي استجابة. ظل هكذا لوقت طويل ولكنه تفاجئ بأن الرمال أصبحت تحيط به أكثر وكأنها تريد أن تجعله جزء منها. تذكر بأنه كانت في منتصف رحلته وبدأ يستعيد رائحة البحر والشعور الرياح القوية وهي تمر بين ذراعيه والأمواج التي تسافر معه بدأ يستعيد كل شيء ولكن فجأة تظهر عاصفة رملية تعيده إلى تلك الصحراء التي ليس لها نهاية.
لم يدري كم ساعة قد مرت، بل لم يعد يدري أكانت ساعات أم أيام أم شهور أو حتى أعوام ، لا يهم مقدار الوقت الذي مضى ولكن الأثر الذي تركه هو الباقي. أثر الرمال التي ليس لها بداية ونهاية، رمال تجعله ينسى انه على جزيرة وينسى البحر بأمواجه وكل ما تركه فيه. كانت نهاية رحلة ونهاية حلم الضفة الأخرى ينتهي بين حبات تلك الرمال الحارقة التي لا تترك فيه سوى الندوب فقبل أن يختفى الجرح تسارع الرمال بعمل غيره وكل منها يترك أثره في النهاية حتى لو رأى انعكاسه في عين طائر حظه العاثر أسقطه في الرمال لم يتعرف على نفسه.
كان عادة يقضي ليله مختبئا في كهف كئيب لا يدخله الضوء منتظر النهار ليبحث عما يأكله ويعود لكهفه منتظرا اللا شيء. فأنتهى الأمر ونسى قريته ونسي ذلك الطفل الذي كان يخاف البحر ولكنه رغم كل شيء خرج ونسى الطيور والموج والسماء والقمر. حتى تلك الليلة التي لم يستطع أن ينم فيها وكان يفكر في شيء لا يدري ما هو فقط يشعر بعقله يعمل ، حتى سمع ذلك الصوت ... كان صوت طائر ولكنه مختلف عن كل صوت يسمعه، صوته أعاده ازمان وأزمان صوت يجعله يشعر وكأنه في وسط البحر وبل في أعلى موجة يحاربها كما أعتاد. لم يكن صوت طائر مكسور ويائس كما أعتاد أن يسمع في تلك الصحراء الكئيبة. ولكنه صوت طائر فخور بنفسه ، طائر يعرف البحر والسماء جيدا ولم يترك نفسه للرمال حرقه. خرج ركضا لكي يبحث عن مصدر ذلك الصوت ويرى الطائر بعينيه ولكنه لم يجد شيء. ظل يركض ويركض وهو ناظر للأعلى وعينيه لا تغادر السماء وكأنه مجنون ولم يشعر بنفسه وهو يتعثر في صخرة كبيرة ويسقط على الأرض. أعتدل في جلسته ليجد نفسه يواجه السماء..
كان منظر وكأنه يراه لأول مرة. كانت النجوم والقمر ويشكلون أجمل لوحة رآها في حياته. كيف لم يره كل ترك المدة؟ كان صديقه هناك في سماء يشاهد بهدوء وجمال كعادته. ظل يتأمل في المنظر وبدأ الصوت يعلو من جديد وهبت رياح خفيفة من الشمال كانت معبئة برائحة البحر .. البحر! وكأنه يتذكر صديق قديم ، أتكأ على يديه وقام ببطء، كانت الرمال لا تزال ساخنة ولكن لا بأس.. لا بأس في بعض الندوب الآن، فالطريق مازال طويلا ولكنه يدري أنه في يوم سيصل. سيعود للبحر ويركب الأمواج وسيصل للضفة الأخرى. الرمال كثيرة وحارقة ولكن البحر يستحق والقمر مازال موجودا ورغم مرور الأعوام مازال الطفل طفلا يخاف البحر ولكنه يعشقه...  

ملاحظة: كنت أظن بأني نشرت هذه القصة بالفعل وعدت لأبحث عنها قبل أن أكتب الجزء الثالث منها فقط لأجد أني بدأن في كتابتها منذ عام ونصف تقريبا ولم أنهيها وأني كنت كتبت نفس الأحداث تقريبا التي كنت أنوي كتابتها الآن...