Thursday, January 15, 2015

مرض البطل


جلس في حديقة منزله كما تعود ووضع أوراقه أمامه على المنضدة وبدأ يكمل أحداث روايته. كان وصل لمنتصفها وكان بطل الرواية والشخصية الأساسية ,"مختار" وهو شاب مازال في البداية الثلاثين من عمره وهو جندي بالجيش سابق ولديه شركة تأمين خاصة ويقوم بالكثير من المغامرات المثيرة والمهام الخاصة مع الاحتفاظ بالجانب الإنساني في مساعدة من يحتاج إليه وخصوصا الضعفاء. وصلت أحداث الرواية إلى جزء ساخن جدا, تطورت في أحداث الرواية بشكل كبير وكان يظهر دور "مختار" البطولي...
فجأة ... يجد الكاتب "مختار" يضعف ويصبح وجه شاحب ويسعل بصوت عال وتتسارع الأحداث ويجد الكاتب بطله قد أصبح على فراش المرض وفقد كل بطولته. يتدارك الكاتب الموقف بسرعة قبل أن تحدث أي تطورات خطيرة فيضع خطوط سوداء قاتمة يخفي بها السطور التي بدأ فيها مرض بطل الرواية ويعيد كتابة هذا الجزء من جديد. ولكن شحوب "مختار" ومرضه يعود من جديد دون أي اختلاف. احتار كثيرا فيما يحدث أمامه على الورق. شطب على سطور المرض من جديد لعلها تختفي ولكن قبل أن يعاود الكتابة من جديد قام من مكانه وتحرك قليلا في الحديقة يتأمل في الشجر والورد من حوله. عاد من جديد للكتابة ولكن لا دواء لدائه أو بالأحرى داء "مختار". قرر أن يبدأ في كتابة الرواية من بدايتها ولكن بمجرد أن كتب الإهداء  باغته مرض مختار مع أول سطور الرواية، يضعف، يشحب وجه ويسعل ويمرض. من فرط ضيقه رمى فنجان القهوة الخاص به بعيدا.
قام بعد ذلك لإعداد فنجان جديد من القهوة ولكن في طريقه راعه منظر مخيف! وقف أمام المرآة في رعب
فآثار الضعف ظاهرة
والوجه شاحب
ويسعل بصوت عالي

يبدو أنه المرض...  

Wednesday, January 7, 2015

قصة طفلة



بدأ كل شيء عندما كانت تبحث عن الحياة وليس كما يعتقد الجميع بأنها تفر من الموت. برغم من صغر سنها إلا أنها أدركت حقيقة الموت وأنه لا مفر منه ولكن هناك دائما طريق للحياة. كانت تركض بخطوات أسرع من أن يدركها العالم ,تحمل أخيها على كتفها بثبات أم تحمل أبنها المصاب في المحرب نحو المشفى وبنفس قلق الأم أيضا وخوفها. كانت تقفز كما يقفز الأطفال في سنها ولكن قفزها كان فوق الحواجز، أو فوق الصخور باحثة عن حياة نتفجر من وسطها. سارت لأيام وأيام حتى وجدت ما تمنت أن يصبح بيت لها ولأخيها الصغير. وضعت أخيها وهمومها التي أصبحت أكبر بكثير من جسمها الصغير على جانب من تلك الخيمة التي لا تتعدى المترات القليلة وتتشاركها مع أشخاص شاركوها قصتها أيضا وإن اختلفت الأحداث. مرت الأيام بطيئة وكانت دائما ما تحتفظ بجزء كبير من طعمها –إن تمكنت بالحصول على طعام_ لأخيها الصغير فلا أحد يدري ما سيحدث غدا. حتى جاء الشتاء ببرودته التي ذكرتها بوحدتها وأفتقدها ليد أمها أو أبيها تمسح على وجهها فينتشر الدفيء بداخلها. لم تجد حضن أمها ليلا تنام بداخله لتختبأ من الأمطار والبرد وكل شرور العالم. فقط يديها الصغيرتين وأمامها كل العالم والآن جاء البرد. شعرت بقلق على أخيها فلم تجد حل إلا أن تخبأه بداخلها وكأنها تتمسك بالحياة من خلال أنفاسه. كان كل يوم يبدوا أكثر برودة من اليوم الذي يسبقه بالرغم من صغر سنها إلا أنها كانت تدرك أن تلك هي الطبيعة ولكن ما لم تفهمه هي وحدتها الباردة وبرودة البشر في هذا العالم. كانت ليلة كئيبة عندما أشدت الريح وقلعت سقف هذه الخيمة ولكن لم يكن هناك ريح قوية كفاية لتقتلع تمسك طفلة أصبحت أم بالحياة. كانت تشعر ببرد شديد ولكن صراخ أخيها يجعلها تنسى كل برد ولكن فجأة خانتها أعضائها، فجسدها مازال جسد طفلة فتغلب على عاطفة الأم والحياة بداخلها. بدأ جسمها يسكن بعد أن كانت ترتعش وبدأ جفنيها يثقلان وكانت نظراتها مثبتة على أخيها وكأنها تحاول أن ترسل له روحها حتى يكمل هو الطريق. كان بداخلها ذلك الأمل الذي لم يفارقها منذ أن تركت بيتها بعد القصف، ذلك الأمل الذي لم يضعف أو يتبدل رغم الأخبار التي كانت تتوالى عن القتلى كل يوم، الأمل أن ترى أبيها وامها وكأنهما ما زلا على قيد الحياة فتحملها أمها من وسط هذا الثلج وتحتضنها في رفق فيذوب كل البرد ويختفي استحياء من ذلك الحب ... نامت الطفلة في الهدوء في رحلة أكثر سلاما، عائدة إلى أبيها وأمها تاركة ذلك العالم والبارد وفي رقبته دين ثقيل...   

Friday, January 2, 2015

تعلمنا وكبرنا ...

الوقت، الوقت هو الحقيقة الثابتة التي لا يسعنا تغييرها. عقارب الساعة تتحرك ,حتى لو أمسكنا بها في أنها ستتحرك في الخفاء. حقيقة لا يمكن التلاعب بها. فالثانية تبقى ثانية مهما مر زمن، الثانية تمر على الملك على عرشه كما تمر على الفقير النائم على الأرض الصلبة ليس هناك فرق. الزمن لا يعود، لا يتأخر، لا يا يتسرع. لعل المفر الوحيد من الوقت هو أن نواجه، فالحقيقة لا مفر منها إلا بإقرارها. لا يسعنّا إلا أن نكف عن الهروب والاختباء وفقط نواجه الوقت بعقاربه التي لا تتوقف...
تعلمنا ونحن صغار أن العصافير هي كانت سعيدة، يربيها الانسان في منزله وعندما يستيقظ يجدها تغني وتزقزق معلنة قدوم الصباح ولكننا كبرنا لنكتشف أن الواقع مغاير تماما لهذه الحالة , فالحقيقة هي أن العصافير تصرخ , هي لا تزقزق وتغني للإنسان أو بالأحرى السجَّان الخاص بها بل هي تصرخ وتستنجد بالسماء البعيدة، بالسحاب، بالشمس والعصافير الحرة البعيدة التي ترد عليها صراخها بزقزقة أخرى مختلفة تحكي للعصافير كيف هي الحياة في الحرية في السماء. العصافير لا تقترب من البشر لأنها تريد أن تلعب بل تقترب لكي تنقعه أن منطقه هو منطق عبودية. عندما يأتي الليل لا تنام العصافير في القفص هادئة – فمن ينام في الأسر! – بل هي تحدث السماء المظلمة والقمر الحاني عليها.
كان القمر ونحن صغار يطاردنا في الشوارع، كصديق لا نمل مصداقته. كان يظهر في ليالي الشتاء القارصة البرودة متحديا البرد, وليالي الصيف الهادئة يظهر أيضا ولا يبحث عن الراحة. يطاردنا أينما ذهبنا شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا، صديق دائما معنا في الليالي المظلمة. يغير شكله على مدار الشهر وكأنه يظهر جماله في أشكال مختلفة ولكننا نكبر ... وندرك أن القمر ما هو إلا صخرة كبيرة، تراب وفوهات كما أنه ليس مضيئا على الإطلاق بل هو معتم...
ذلك التراب هو في الأغلب نفس التراب الذي تعلمنا ونحن صغار أن نتمسك به وأنه أغلى من حياتنا! التراب الذي تخرج من أجله الجيوش دافعا عنه, تراب الوطن ... كنا نتعلم في المدرسة عن الحروب التي ندافع بها عن الوطن وخيراته وسمائه وأرضه. الحروب التي خرج فيها أجددنا وأجدادهم من أجل أن نعيش حياة هانئة سعيدة. كانت الحروب تعني الشجاعة والقوة والأهداف السامية. مع الوقت أتضح أنهم أخفوا الحقيقة في صور مزيفة، كبرنا لنعلم بان الجندي الذي يقف ليرفع علم بلده لا يقف فوق صخرة عالية بل يقف فوق أشلاء جنود آخرين تركوا عائلتهم ورائهم وخرجوا من أجل التراب. لم يصوروا لنا الخوف والرعب الذي يأتي جنبا مع جنب مع كل لحظة في الحروب. لم يجرؤ أحد على ذكر العائلات المشردة، الأمهات اللاتي مازلن يبحثن عن أبنائهن أو حتى بقاياهم. كانت الصور تبدوا خضراء دائما صورة الزي العسكري مع أن حقيقة اللون المناسب للحروب هو اللون الأحمر القاتم لون الدماء الجافة. علمونا أن الحروب تبني ولكن الحقيقة أن الحروب تدمر وتحرق وترشد ولا تدع سبيل للبناء. علمونا "الوطن"، "تراب الوطن"، "سماء الوطن"، "خيرات الوطن"، ولكننا كبرنا لنجد الوطن هو تراب و تراب وتراب وقبور. والحقيقة هي أنه يوجد تراب وسماء وخيرات ويوجد ممالك وملوك. يموت الملايين ولكن يعيش الوطن (الملك)، يمرض الملايين ولكن يبقى الوطن معافى (الملك)، عليك أن ترضى بالشقاء والتعاسة لأنه الوطن باقي حتى نهاية حكمه. علمونا أننا نعيش في الوطن, مع أن الحقيقة هي أننا نعيش على الأرض وأن كل انسان لا يختلف بأي شكل من الأشكال مهما كان "وطنه" ولكن كان لابد من أننا "شعوبا وقبائل" ليس "لتعارفوا" ولكن لتقام الممالك ويعيش الملك أو الوطن مهما كانت التسمية...
تعلمنا الحكم صغارا , تعالمنا أن نختار الجار قبل الدار، وكبرنا و اختارتنا دور كثيرة واختارنا كثيرا من الجيران ولكن كل جار يتحول إلى شبحٍ ويمضي بعيدا. شبح يطارد بماضي قد ذهب ويجعل المستقبل يضطرب. تعلمنا أن ذلك الجار هو من يبقى ويسهر معك ولكن الحقيقة هي أن الأشباح فقط تشاهد دون أن نراها. تعود بعض الأشباح للحياة ولكنها تختفي في الظلام مجددا وتعود وحيدا في الدار التي لم تختارها بعد أن أختفى الجار كالشبح والذي اخترته. يكون ليل طويل وصعب تدرك فيه كيف أن الجار حقا هو كل شيء والدار لا يعني شيء ولكن للأسف الأشباح لا تسمع ولا الألم لا يظهر لهم , فقط صور عابرة لك ولهم تلوح وتختفي.
تعلمنا أنه يوجد دائما ضور في نهاية النفق , أحلامنا وكل شيء نسعى إليه ومن نحب ولكننا كبرنا لنجد أن النفق قد أنهار منذ سنوات طويلة وأن النفق ما هو إلا ظلام والضوء في النهاية هو أطياف من الماضي. والليل يطول ويطول دون أن يظهر نهار أو يقترب الضوء ونسمع الضحكات البعيدة ولا نرى سوى الدموع. تتغير صورنا في المرآة ومع كل تغير يظهر جرح عميق في قلوبنا.

أظن بأن الأمل ليس في الضوء في النهاية النفق، ولا في أحلامنا، فالسطور السابقة يبدوا الواقع مظلم شديد الظلام وذلك لأن السطور مكتوبة بقلم شخص أدرك حقيقة الوقت ووقع في فخه وبدأ يكبر ويترك الوقت يمر ويمر ويكبر ... ولا يوجد أمل في مصارعة الوقت فالمنتصر سيكون الوقت دائما، الحل والخروج من هذا المأزق هو أن يعود الطفل للحياة من جديد لكن هذه المرة يعود طفل وهو يدري , طفل لديه خبرة , طفل يرى القمر يطارده ويشاهد جماله ويتمنى أن يتمتع الجميع بنفس هذا المنظر، طفل لا يدري شيء عن الوطن ولا الحروب، هو فقط يرى السماء من فوقه والأرض من تحته والبشر من حوله ويخاف كل الخوف من لون الدم ومن الشعور بالضياع. طفل لا يحمل كره أو بغض لأحد يتمنى أن يكون الجميع سعداء بلا فارق، طفل ينام ليلا وهو لا يفكر ولا يحلم إلا في أنه في صباح ما سوف يستيقظ ليجد نفسه يستطيع أن يطير في السماء بين العصافير خارج أي قفص أو حدود. طفل يحلم ويحلم دون أن يخاف من الصباح التالي ودون أن يفكر في أن نظام العالم قد أختل. طفل يرى العدل عدل والظلم وظلم. وبالتأكيد طفل لا ينظر كل ثانية نحو عقارب ساعته التي تطارده فالنسبة له أو لها ، الحياة تقاس بحبه للناس وحبهم له وسعادتهم وساعدته في عالم أبيض كبير ...