مازال في نفس الغرفة، الغرفة الضيقة المظلمة
تحيط به لتخنقه وصوت الطائر في القفص بدأ يضعف. الغرفة بدأت تضيق أكثر فأكثر
وكأنها تريده أن ينتهي وهو مستسلم تماما للظلام يفعل ما يريد. شعر بأن اللحظة قد
حانت وتلك الحيطان ستفتت عظامه ولكن أمر آخر قد حدث... اخترقته الحيطان ففصلت قلبه
أولا فأصبح يتألم وحيدا ، يشعر بما يشعر دون أن يجد من يحمله سوى الحائط البارد بملمسه
الخشن. كان يشعر بقلبه يحاول أن يبحث عن دفء يد صغيرة تلمسه أو أي شيء يتعلق به
ولكن أين له ذلك بين ذرات الحائط الصلب. لم يتوقف الظلام هنا بل فصل العقل ولكن
حائط أسمك فالقلب هش من السهل السيطرة عليه أما العقل فيحتاج إلى مجهود. أصبح
العقل وحيدا بما فيه من أفكار وذكريات، ليس هناك أسوا من مجرى بدون مصب هكذا صار
العقل تعصف به الأفكار والذكريات ولكن بدون القلب ليس هناك مصب ، بدون القلب لكي
يخبر ذلك العقل أن يهدأ ويبدأ يعطيه الدفء الذي يحتاجه ولكن كل منهم يحيط به
الظلام الآن. هكذا صار يتساقط بحائط تلو الآخر وهو على نفس جلسته، رأسه بين رجليه
ولا يتحرك وصوت الطائر صار خافتا لدرجة لا تسمع. ومازال المنظر من بعيد واحد ، طفل
صغير يجلس على شاطئ واسع أمامه البحر يمتد بصورة لا نهائية وطائر موضوع في قفص
حديدي بجانبه. ما تغير هو أن الطفل والطائر صارا متعبين بدرجة كبيرة..
Saturday, December 26, 2015
Tuesday, December 15, 2015
مشكلتي مع الجمل الملهمة
اصبحت
مواقع التواصل الاجتماعي جزء من حياتنا اليومية لا غنى عنه بأشكلها وتطبيقاتها
المختلفة. بالطبع كلنا صادفنا الصفحات التي تنشر صورة واقتباس لقول رجل ما أو سيدة أو جملة قيلت في فيلم وخطاب شهير وغيرها. مشكلتي مع هذه النوعية من الجمل والتي من المفترض أن ملهمة أو تشجيعية هي انها أولا تجعلنا نتنازل عن فكرة معينة في المقابل. فالطبع الذي قال أو كتب هذه المقولة لم يكتب كل كلمة على حسب ما نعتقد ونصدق به بل من الأرجح بأن جزء كبير من المقولة يتفق مع أفكار الشخص الذي قام بنشر هذه المقولة وبقيتها تغاضى عنها بالرغم من أنها لا تعبر أن أفكاره ولكن ليس هناك إمكانية في تغيير هذا الجزء.
قد تبدوا هذه الفكرة تافهة أو أقل من أننا نتوقف عندها ولكن ما أراه في هذه النوعية من الكتابات _مع العلم أنني أحيانا أقوم بنفس الشيء بنشر صورة كهذه الصور _، ما أراه هو أنها تحول الاراء والأفكار إلى قوالب معينة وتقلل من التعبير الشخصي لكل فرد. فبدلا من أن يستخدم الإنسان المفردات والتعبيرات الخاصة به والتي تعبر عن أفكاره ومشاعره يستخدم أفكار ومشاعر جاهزة ومكتوبة على شكل جملة أو صورة أو شيء مختلف.
فمثلا عندما تحكي قصة أو مقولة أو فيلم وجها لوجه لشخص ما أو حتى عن طريق الكتابة ولكن بأستخدام أسلوبك أن في الحقيقة تحكي ما فهمت بل وتضع أفكارك وخبراتك وأرائك وسط هذه الحكاية والمقولة وهكذا يتم تبادل والأفكار ولكن ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي هو عدد من الافكار تظهر ثم تطوف على الناس وتتناقلها بدون تعديلات.
هذا يأخذنا إلى مشكلة أكبر وهي أن حقيقة من يتحكم في هذه المواقع والتطبيقات هم من يملكونها فالمستخدمين ليسوا إلا سلعة يتم عمل التجارب عليهم وتوجيههم إلى أشياء معينة ومع علمنا بذلك إلى ان الامور مستمرة كما هي وذلك لان هذه المواقع نجحت في أن تكون جزء من حياتنا.
Wednesday, December 2, 2015
ماذا لو أن القمر تغير؟
هكذا توقف لكي يسأل نفسه، ماذا لو القمر تغير؟
ماذا لو لم يعد القمر هو نفس القمر الذي كان يراه وهو
طفل؟
ماذا لو قرر الرحيل بكل الأسرار التي عرفها وترك نسخة
طبق الأصل منه؟
وكان متأكد من أن لديه ما يكفي من الأسباب فحتى القمر لا
يمكنه تحمل كل هذه الهموم حتى وإن كانت هموم طفل
كما أن الطفل كبر
...
دارت أفكار كثيرة بعد هذه الفكرة
بدأ يفكر في لو أن عليه أن يوقف رسائله للقمر ، فنعم
عنوان الرسالة كما هو وأسم المرسَل إليه كما هو ولكنه تغير
أو من الممكن أن يكون كذلك
بدأت تتداخل الأفكار وتتشابك
...
فجأة ظهرت ببطء تلك الليلة عندما صحبه القمر طوال طريق
سفر
لم يكن الطريق طويل
ولكنه كان طويل كفاية لكي يعقد صداقة مع القمر ويتعاهدا
على الكثير والكثير
من يومها وصارا صديقين بل نوع خاص من الأصدقاء
...
ولكن الجميع ينسوا
هكذا البشر، هكذا نتجاوز الأحزان والأفراح كذلك
...
يبدوا أن عليه ان يصدق الفكرة أو ذلك الاقتراح
بأن القمر قد تغير والطفل قد كبر وعليه أن يتجاوز الأمر
ولا فائدة من رسائله
...
هذه المرة تتابعت ذكرياته مع القمر
ليلة تلو الأخرة .. تلو الأخرة
نعم.. لقد كان هنا دوما
لم يمل أبدا ، لم يهرب مع المطر
كان هناك يرسل أشعة دافئة
تتسلل إلى القلب كلص ماهر درس ضحيته جيدا
يتسلل في الليالي الكئيبة المظلمة ليذكره بأن النور ممكن
وأنه لو جاء النهار أو تأخر أو لم يجئ حتى سيكون هو هنا
سيجمع النجوم من حوله ليجلس ويستمع
قد يتقلب الجو أحيانا وتخفيه السحب وتتعاقب الليالي
والمطر والسحب على موقفها لا تتزحزح
ولكن القمر سيبقى هو القمر
حتى وإن تغير..
ستظل الرسائل تخرج
لعل الرسائل في يوم تصل
Sunday, November 15, 2015
كان 2 (قصص قصيرة جدا)
سقوط
كان ممسكا بالحافة بكل قوته والصخر تحت يده يكاد يتفتت.
يده بدأت تتعرق، عقله يدور، قلبه يضرب بسرعة وكأنه يفر من خطر ما. بدأ يفكر لو أنها
النهاية وأنه في لحظة سيسقط.
"يا الخسارة بعد كل هذه الرحلة وكل تلك المسافة
التي تسلقتها أسقط من على هذه الحافة الكئيبة."
كان يحاول أن يستجمع طاقته، أن يستعيد نفسه كما كان في
البداية، متحمس ومندفع ومستعد لكل شيء ولكنه الآن خائف ومضطرب وينتظر نهايته.
الحقيقة هي أن الأرض لا تبتعد عنه قدميه مسافة لا تتعدى
الشبر ولكن عيناه كانت مثبتة للأعلى دائما. الحقيقة هي أن البداية التي يبحث عنها
ستبدأ بمجرد أن تفلت يداه ويسقط، فليس كل سقوط يأخذه للقاع.
...
قرار جديد
كان بداية العام الجديد عندما قررت أنه في كل يوم أول
شخص ستراه ستتخيل أنها هذا الشخص لتشعر بالآخرين وتقلل من الأنانية عندها.
أول يوم رأت حارس العقار الذي تعيش فيه. وتخيلت حياته
بذلك المرتب الصغير وعدد أبنائه الكبير. شعرت بأن حياتها جحيم وقبل انتهاء اليوم اتفقت
معه على ان يساعدها في بعض الأعمال يوميا مقابل مرتب مجزي كل شهر.
واستمر الحال طوال شهر كامل وبدأت تساعد الكثير وتحسن
علاقتها مع جيرنها وأقاربها. وفي يوم أول ما نزلت وجدت سيارات سوداء كثيرة تمر
أمام البيت، يبدوا أن هناك مسئول كبير في طريقه لمكان ما، ولحظها كان المسئول في
نفس اللحظة يتفقد الشارع من خلف شباك السيارة الشفاف وتلاقت عيناه مع عيناها فكان
هو أول شخص تراه في ذلك اليوم، وقبل نهاية اليوم لم تجد حلا سوى أن تسلم نفسها
للشرطة.
Tuesday, November 10, 2015
عاد أخيرا
--
لقد عدت أخيرا يا أخي! هيا بنا إلى المنزل يجب أن ترتاح
- هذه سيارتك؟
-- يبدو أنك فقدت التركيز تماما، نعم هي منذ
سنوات طويلة ، عليك أن تنام جيدا اليوم
...
-- هل تحتاج إلى أي شيء؟
-لا لا ، لا تقلق علي ، فقط إن كنت لا تمانع
أغلق النوافذ وتأكد من أن الستائر تغطيها جيدا لا أحب الضوء الشديد في الصباح
--حسنا ، تصبح على خير ، أراك لاحقا
...
-صباح الخير! هل من أحد هنا؟! ... صباح
الخير!
--- عذرا سيدي، لم أسمعك وأنا في المطبخ
-لماذا أنت هنا اليوم؟ أليس من المفترض أن
تأتي غدا؟ هل غيرتم النظام في البيت في غيابي؟
---لا يا سيدي، أنا أتي إلى منزلكم في مثل
هذا اليوم منذ أن كنت أنت طفل صغير، يبدو أن الأمر قد أختلط عليك
-ومن حرك الأشياء في غرفتي؟ أنت تعلم تمام
العلم أني أحب أن يكون كل شيء في مكانه المخصص له! قلت لك مرارا يجب أن يكون كل
شيء في مكانه! انا أشعر بأن الغرفة غريبة تماما بالنسبة لي
---لا أحد هي سيدي، أنت فقط من يغير مكان أي
شيء في الغرفة، أنا دوري في هذه الغرفة أن أزيل الغبار وأٌقوم بتهوية الغرفة وجمع
الملابس لغسلها ، كما حددت أنت منذ وقت طويل وأنا وافقت على ذلك الاتفاق.
-حسنا حسنا، يبدو أني لم أن جيدا بعد، سأذهب
لأتمشى في الشارع وقليلا وقد أجلس في المقهى لعلي أرى وجه مألوف فيبدو أن كل شيء
صار غريبا.
...
-عذرا من فضلك، أليس هذا تقاطع شارع المحكمة
مع شارع عبد الخالق؟ أليس من المفترض أنه هناك مقهى تطل على الشارع؟
----ماذا؟ لا أعرف عما تتحدث؟
-يبدو أنك ليس من سكان المنطقة
----لقد انتقلت منذ سنوات قليلة ولكني على
دراية بالمكان وعملي هنا أيضا، على أي حال هناك مقهى تطل على تقاطع شارعين فعلا
ولكن ليس بنفس وصفك، أكمل هذا الشارع إلى نهايته ستجدها
-حسنا، شكرا
....
-الحساب من فضلك، هل تعمل هنا منذ وقت طويل؟
أين سيف؟ العامل هنا، كان يعد لي قهوة مازالت أتذكر طعهما حتى الآن
-----لا أعلم يا سيدي، ألم تعجبك القهوة التي
شربتها الآن؟
-بلى بلى، لا تشغل بالك، يبدوا أن هناك خطأ
ما اليوم... سأعود لأنام قليلا
...
-أتدري يا أخي.. أشعر بأن سفري هذا قد غير كل
شيء، لم أعد أتعرف على شيء لا في البيت ولا خارجه.
--أضحكتني! هل تسمي قضاء يومين في إجازة من
العمل سفر؟ أنت لم تترك هذا المنزل منذ سنوات طويلة
...
---هل أعد لك الطعام يا سيدي؟
-لا شكرا لقد تناولت الطعام مع أخي، ولكن لدي
طلب آخر
---بالتأكيد يا سيدي، تفضل
-من فضلك أفتح الستائر وأحضر لي المرآة
الخاصة بي ..... من هذا؟
Friday, October 30, 2015
مكالمة بين قلبين
كان بإمكانه سماع دقات قبله مع كل ضغطة على
شاشة هاتفه وهو يكتب الرقم الذي طالما رقص قلبه عندما كان يراه ويرن الهاتف...
تزداد دقات قلبه سرعة وتصبح غير منتظمة وكأن
قلبه يريد أن يهرب من صدره قبل أن ترد على هاتفها، ويزداد الأمر توترا مع كل جرس
يسمعه وكأنه ينتظر نتيجة امتحان هام. ردت..
هو:"الو" ...
هي: "الو" ...
صمت تام .. كذلك الصمت عند شروق الشمس أو
غروبها أو مع بداية الأمطار وتوقفها صمت هائل تدور فيه الكثير من الأفكار كما تدور
الرياح العاتية والتي تعبث بكل شيء دون ردع.
كان يريد ان يقول: مر شهر ويومان وأحد عشر
ساعة ودقيقتين و5 ثواني، أشرقت فيهم الشمس وغربت، نام فيهم القمر وصحى، داعبت
الرياح الشجر وتركتها ولم نعلم كيف حالك ولم نسمع صوتك ودقات قلبي غير منتظمة على
حالها ينتظر إشارة الصوت المألوف لتأخذ مجراها الطبيعي. السماء تتساءل ولو أن
نجمتها على ما يرام
في النهاية قال: "بقالنا كتير متكلمناش.. أزيِك؟"
في النهاية قال: "بقالنا كتير متكلمناش.. أزيِك؟"
هي فهمت: لم يعد الأمر بهذه الأهمية، الوقت
يمر والجميع ينسى ولكن يبقى بعض الود الذي لا أريده أن ينقطع فقط أريد أن أطمئن أن
حياتك تسير وأني لم أقم بعطل لا يمكن إصلاحه.
كانت تريد أن تقول: جاء الخريف طويل وكئيب،
لا مطر ولا شمس ولا شيء، الأوراق تساقطت واحدة تلو الأخرى حتى بقيت ورقة واحدة
تتمسك بها الشجرة من أعمق جذر إلى أكبر غصن لعل بقالي الأوراق تعود والشجرة تزهر
من جديد. كيف حالي؟ مازالت عالقة في الخريف متسائلة لو أن فصول السنة أصبحت فصل
واحد وبقالي الثالثة علقوا في الماضي ونسوا الحاضر. لعل الشجر مازال ينمو بين يديك
، لعل الأزهار لم تختفي أبدا بين عينيك، هل أنت عالق أيضا في الخريف، أم أن الفصول
تسير كعادتها من خريف لشتاء ثم ربيع هادئ ودافئ؟ كيف حالك!
في النهاية قالت: "انا تمام الحمدلله،
مفيش حاجة بتحصل اوي أنت عارف الشغل بقى. قلي أنت عامل ايه؟"
هو فهم: لم تعد أمور حياتي تخصك ، ما تعرفه
أصبح ماضي وأكمل حياتك في هدوء وكيف حالك؟ أريد فقط أن أتأكد أن حياتك تسير بعيدا
عني حتى لا أتوقع أي قلق.
كان يريد أن يقول: الحياة توقفت، القافلة
تركتني وأكملت. تركتي في الصحراء بلا ماء ولا صديق وحتى السماء تظهر وتختفي. وأصبح
النهار مخيف لا أدري ماذا سيحدث ولا ماذا أتوقع والمخيف أكثر هو أن أراكي في قافلة
أخرى تسافرين نحو أحلام جديدة أو نفس الأحلام ولكن في طريق مختلف، طريق لا أعرفه
فأكل حياتي بلا ماء ولا صديق ولا سماء. أخبريني هل هناك أخرين؟ هل هناك من أكتشف
السماء ونجومها؟
في النهاية قال:" انا كنت بكلمك عشان
أسألك لو هتروحي الحفلة بتاعة الشغل؟ انا كمان كنت رايح ومش عارف حد هناك اوي ومش
عايز نكون في مشاكل ولا حاجة."
هي فهمت: أريد أن أتأكد أني تخلصت من ذلك
الألم نهائيا ولن يظهر كصداع المفاجئ دون خبر. ومن الأفضل أن تتعرفي على أصدقاء
تشاركينهم مثل هذه الأحداث.
كانت تريد أن تقول: سأذهب لكي أبحث في كل وجه
وفي كل حركة وفي كل صوت وفي كل نظرة لعله يكون وجهك أو حركتك أو صوتك أو نظرتك
فتعود الكواكب لحركتها الطبيعية والماء يجري كما أعتاد والأمطار تتساقط في هدوء
دون تردد. نعم سأذهب ولكن هل سيجد قلبي ما يريد؟ ام سيعود مكسور كما ذهب؟ إن
رأيتني فحاول أن تمنعي من الهرب أو الأفضل أن تهرب معي إلى مكان آخر بعيد، إلى
عالم تحيط به السماء والنجوم والقمر.
في النهاية قالت:"أه أه هروح. لا متقلقش
أكيد مفيش مشاكل ولا حاجة ، احنا أصحاب."
....
عاد الصمت من الجديد وكأن العواصف تشتد قبل
أن تغادر للتأكد من أنها لم تترك نقطة إلا وحركت فيها ما ينبغي أن يتحرك وبعثرت كل
شيئ
قال: "طيب هشوفك بكرا بقى."
قالت:" أه ان شاء الله"
كانت الأفكار تتسارع بحيث لم يعد واضحا
حركتها أو مسارها
كان يريد أن يقول: "مازالت أحبك كما
كنت"
كان يحاول أن يخفيها في كلمة واحدة، كان
يحاول أن يزرعها في لسانه في حروفه وحركتها فمه كان يحاول بكل قوة أن تبدو كلمة
"مع السلامة" وكأنها أحبك
وردت هي "مع السلامة" مزروع
بداخلها ... وأنا أيضا أحبك ...
وأنقطع الاتصال
Wednesday, October 28, 2015
فرار سجين
كان يحسبها بالدقائق كام من الوقت متبقى حتى خروجه من
هذا السجن التعيس. كان يراقب الشمس وهي تشرق وهي تغرب ويراقب السماء أحيانا
والطيور وكل حركة يمكنه رصدها يتأملها جيدا لأن في يوم سيصبح ذلك مجرد ذاكرة. كان
لديه من الوقت ليرسم بخياله كل ما يريد بداية بتخيله عما سيفعله خارج السجن. ويمتد
خياله إلى تكوين أصدقاء من الطيور والكواكب المحيطة التي تظهر في السماء. كان ينظر
لها كل ليلة من ذلك الشباك الصغير في حجرته في السجن ينظر لها ويحكي وبالأحرى يوعد
تلك الكواكب عما سيفعل وأنه حقا يستحق الحرية وقد يطول الحديث وينسى أنه في سجن
وانه يتحدث إلى كوكب مضيء ويتحول الحديث إلى حوار بين صديقين عرفا أسرار وأحزان
وأفراح كل منهما. بدأ يقترب الموعد أكثر فشعر أن عليه أن يستعد أكثر للحياة خارج
هذا السجن. فكان يسهر كل يوم يقرأ ويتعلم ويتحدث مع السجناء الأخرين من زوي الخبرة
ويشارك الجميع في أي نشاط داخل السجن بحثا عن أي خبرة تعينه في حريته المنتظرة.
وفي نهاية كل يوم يحكي لأصدقائه في السماء ويخبرهم كيف كانت استعداداته وأن موعد
الحرية أقترب وسيرى الجميع كيف أن سجنه هذا كان ظلم بين وأنه يستحق الحرية. طال
استعداده وشعر أنه الآن جاهز ليوفي بوعده للكواكب أصدقاءه .. حان الوقت، ينظر من
حوله فرأى الحراس مشغولون لدقائق، تحرك بسرعة، قفز فوق السور تمسك جيدا ورفع نفسه،
قفز من فوق السور، ركض وركض وركض لليالي وليالي وهو يركض لا ينظر خلفه ولا فوقه حتى،
فقط عيناه مثبتتان على الطريق أمامه عليه أن يهرب، عليه أن يعرف الحرية... أثناء
ركضه لمح من بعيد أن السور يمتد ليخنق الأرض.. وتأكد أنه لم ير مثل هذا السور من
قبل!
Wednesday, September 23, 2015
"هي دي مصر يا جماعة"
كانت أصوات التحذير تشير
إلى اقتراب القطار في محطة مترو "العتبة". توقفت العربات وفُتحت الأبواب
لاستقبال الركاب والذي كان عددهم قليل في ذلك الوقت من الليل. إحدى العربات في
منتصف القطار كان بها عدد لا بئس به من الركاب يجلس الجميع وهم مشغولون أو يحاولون
الانشغال بهواتفهم المحمولة. دخل "عبدالحميد" وهو رجل في منتصف عقده
الرابع ويعمل كحارس في أحد المخازن. عمله يستمر لمدة اثني عشرة ساعة متواصلة أتضحت
أثارهم على عينيه وملامحه المتعبة. جلس "عبدالحميد" أو "عم
عبده" كما يلقبه الجميع على أحد مقاعد عربة المترو وكأنه يحاول أن يبحث عن
الراحة التي لم يشعر بها في حياته. كان يتمنى لو رحلته تطول فلا يعود لهموم البيت
أو تعب العمل يظل فقط يتحرك من محطة لأخرى. "عم عبده" كان يجتهدا دائما
ألا يفصح مظهره عن حقيقة عمله وصعوبة حياته فدائما ما كان يرى في عيني أولاده
نظرات تجعله يشعر بألم لم يعرفه في حياته، عندما يرى في عيني أولاده شعورهم بالعار
فقط لأنه أبوهم.
في المحطة التالية دخل
"علي" العربة وهو شاب يبدو في مطلع العشرينات وجلس في المقعد المقابل
ل"عم عبده". بمجرد أن جلس شد أنتباهه نظرات "عم عبده"
المستمرة للهاتف النقال الخاص بالرجل الذي بجانبه. يبدوا أن الرجل يسلي وقته بلعبة
ما و"عم عبده" يراقبه. أبتسم "علي" ابتسامة شرطي تمكن من
القبض على أعتي مجرمي المدينة بعد بحث دام سنوات. "علي" عاد لتوه من
"خروجة مع أحسن صحاب" كما تشير الصورة التي وضعها على جميع شبكات
التواصل الاجتماعي من أجل توثيق اللحظة المهمة. ويبدو أن هناك لحظة أخرى يجب
توثيقها وهي نظرات "عم عبده" لهاتف الرجل الذي جانبه. أخرج
"علي" هاتفه النقال بهدوء وبدأ يتظاهر بأنه يقوم بعمل ما على الهاتف
منتظر اللحظة التي سيصور فيها "عم عبده" وهو يفعل جريمته الشنعاء.
كانت نظرات "عم
عبده" للهاتف نظرات حائرة من الصعب على شاب صغير أن يتعرف على حقيقتها. كان
يتأمل ذلك الهاتف الذي تمكن من شراء جهاز مماثل تماما له بعد تعب وادخار شهور
وعندما تمكن من القبض على أحد السارقين في المخزن وحصل على مكافئة وأستطاع شراء
الهاتف. كان ذلك الهاتف بمثابة شهادة تثبت أنه إنسان وبشر مثل الجميع وبالأخص في
أعين أبنه وأبنته والذي كان يحرص على أن يصورهم به في كل لحظة ممكنة. كان ذلك
الهاتف بمثابة مكان هروبه من النظرات التي تخترقه متسائلة عن مظهره المتواضع كان
يخرج هاتفه ليشعر ببعض الأمان. حتى مرض أبنه الشديد من أسبوع فقط والذي تتطلب
إدخاله المستشفى والتي رفضت بدورها أن تدخله حتى يدفع مبلغ مساوي لكي ما يجنيه عم
عبده في شهور ولم يكن أمامه غير حل وحيد أن يبيع شهادة توثيق كونه إنسان وبسعر
الهاتف يعالج أبنه. في عربة المترو كان ينظر "عم عبده" للهاتف متسائلا
عن العدل ولو أنه يستحق كل ما يحدث له. "عم عبده" شعر بنظرات
"علي" له ، شعر بها تخترق قلبه قبل أن يراها بعينيه ولكنه تظاهر وكأنه
مستغرق في النظر في هاتف الرجل الذي بجانبه هروبا من تلك النظرات وغرقا في أفكاره.
جاءت اللحظة المناسبة
لكي يلتقط "علي" صورته للجريمة التي يقوم بها "عم عبده". تأكد
أولا من أن الهاتف على الوضع الصامت وخبأ الهاتف في مكان مناسب في حقيبته ظهره
وبدأ يلتقط عدة صور له "عم عبده" بعد ذلك شاهد صوره بساعدة غامرة وهو يفكر
كيف أنها ستكون مادة رائعة للسخرية. أختار الصورة المناسبة والتي ستعجب الجميع كما
يعتقد ونشرها على جميع شبكات التواصل الاجتماعي كالصورة الأخرى وكتب لها تعليق كان
مناسب من وجهة نظره: "الراجل شوية شوية هينط في موبايل الراجل" ,لكنه لم
يشعر أن هذه الكلمات كافية لكسب إعجاب الجميع لابد من يبدوا الموضوع أهم من ذلك
فأضاف للجملة السابقة جملة أخرى وهي: "هي دي مصر يا جماعة".
أستمر القطار في رحلته
تحت الأرض بين الظلام والنور وكل شخص غارق في أفكاره وكل منهم له وجهته التي يريد
أن يصل إليها. بعد أقل من ساعة كان "عم عبده" يحاول النوم لكي يعود من
جديد للمخزن وهو يفكر في كلمات مدير المخزن عن تقصيره في العمل وأنه من الممكن أن
يتم طرده إذا استمر على هذا الحال. حاول أن ينسى ذلك للحظات لكي يتمكن من النوم.
فجأة تذكر الهاتف النقال الذي رآه في عربة المترو وشعر بألم يعتصر قبله، هل كان
ذلك الهاتف النقال هو نفس الهاتف الذي قام ببيعه؟ كان هذه الفكرة تتملكه ويشعر
وكأن ذلك الهاتف كان من أقل حقوقه بعد كل هذا التعب... كان "علي" أيضا يحاول النوم وهو ممسك بهاتفه أمام عينيه
وهو يضيء وجهه بالكامل ولكنه هذه المرة لم يكن مبتسم فالصورة لم تنل الإعجاب الذي
كان متوقعه والتعليقات ليست ساخرتا كفاية ، مع أن الصورة فيها كل مقومات النجاح
كما شعر. أصيب بخيبة أمل وحاول النوم أيضا.. كان "عم عبده" مازال
مستيقظا عندما سمع صوت أقدام صغيرة تقترب من الباب وبعد ذلك وجد أبنه الصغير مقبلا
عليه فابتسم عبده ابتسامة عريضة وسأل أبنه:
"مالك يا محمود؟"
"شفت حلم وحش وخايف
أنام ولوحدي، ممكن أنام جنبك؟"
ثم قال وهو يبتسم"
ممكن أوي يا حبيبي، ده أنا هحكيلك حدوتة كمان." وبعد ذلك رأى ابتسامة صافية
تعلو وجه أبنه كانت كافية بأن تزيل أي فكرة عن الهاتف النقال أو أي شيء آخر..
Monday, August 10, 2015
أوراق قديمة
هل كان الوقت ليلا أم نهارا؟ لا أتذكر.. هل كانوا كثيرا
أم قليلا؟ لم أرى سوى أشباحهم , كم أتمنى لو أن هذه الأشباح تبقى ولكنها تظهر
وتختفي. هل كان ذلك حقا أنا؟ أم هي ذكريات شخص آخر اختلطت بذكرياتي؟ لم يعد الأمر
واضحا...
تخيلت يوما لو أن اللون الأبيض أختفى تماما ولكن الأسوأ حدث..
لم أعد أميز اللون الأبيض، أعلم بأن في وقت ما أختلط الأبيض بالأسود وتبقى الرمادي
الكئيب، لا هو أسود فأعرفه وأحاربه ولا هو أبيض فأمشي بجانبه.. رمادي يسرق الحياة
بطيئا بطيئا.. أحيانا يعود الأبيض بلمعانه القديم رائعا كالقمر فعرفه وأفر إليه
وأحيانا يظهر الأسود فأعود للسيف الذي طالما حملته وأزيل عنه التراب والصدأ وأنطلق
من جديد, ويظهر الرمادي وعندها يتوقف كل شيء، لا القمر يظهر ولا السيف يلمع، سكون
وهدوء كئيب فقط... يشبه الموت كثيرا...
كان البحر جميلا ، يعلو ويعلو والموج كان قويا ولكنه ظل
جميلا. كان يقترب من السماء أحيانا ولكنه في شدته تلك يبدوا كأب يعلم أبنه كيف أن
الحياة ستكون شديدة لكي لا يهدأ ويضعف. تغير البحر ولم نعد أصدقاء , صار هادئا ،
لا موج ولا علو ، كماء راكد في بحيرة قديمة لا يتحرك إلا إذا سقط شيئا فيه .. لا
لم نعد أصدقاء..
أظن بأن الوقت قد حان لكي أجمع أوراقي ، كنت أظن بأن ذلك
اليوم لن يأتي أبدا ، كنت اظن بأني القوانين ستتغير ولكن يمكنني أن أرى كثير من
العيون الآن تنظر وتقول "ألم نحذرك يا أحمق" "هل ظننت حقا بأن
القمر والبحر أكثر من تراب وماء؟" "القاعدة تسري على الجميع لا استثناءات"
...
ما يجعلني أنتظر قليلا قبل البدأ في حرق الأوراق هو أنه
مازال يظهر من وقت لآخر _بالرغم من أنه كان موجود دائما في يوم_. يظهر كسهم جاء
ليسقط أمام قائد في المعركة ضل الطريق وفقد جنوده ونسي الحرب وجاءه سهم من السماء
ملطخ بالدماء ليذكره بما خرج من أجله فيمتطي جواده ويخترق الأشجار الثقيلة لعله في
يوما يصل. أحيانا يظهر , ولكن النفق لم يعد نفقا صار محبسا وطريقا موحشا، أحيانا
يظهر ويقول "لا تستسلم أنت الان في المنتصف ، لا تعود ، لا تعود ، ستصل"
ولكنه يختفي من جديد في ظالم موحش ، في محبس له جدران برائحة كريهة وسلاسل صدأة،
صرت أخاف أن أستيقظ لأجده قد رحل وأكتشف أنه كان مجرد حلم عابر والحقيقة هي ذلك
الكابوس الذي أظنه مجرد حلم...
ولكن للحظة أفكر لعله هو أيضا ينتظرني أن أتي إليه كما
أنتظره أن يظهر لي ، لعله يقول لنفسه أنه فقط سيظهر إذا كان الأمر يستحق ، السيف
صار صدأ والطريق تلاشى ولكن من السهل صنع طريق جديد من السهل صقل الحديد ولكني
أنسى ذلك الأمر دائما...
أظن بأني ظلمت القمر والبحر وذلك الضوء ... مازلتم كما
كنتم أن من تغير فقط
Saturday, June 20, 2015
طفلة على الشاطئ
"جلست الطفلة على الشاطئ
وهي تتخيل حياتها بعد بضع سنوات. تُكلم السماء لتسألها اين ستكون عندما يحق لها ان
تخرج بمفردها، حين يمكنها ان ترى العالم بدون اي حواجز. تعمقت بأفكارها لترسم
لنفسها حياه كامله في زمن الحرية. رأت الفتاه ذو التسع سنوات عالمها الذي تتمناه
وهي في اواخر العشرينات، ففي هذه الفترة من عمرها سوف تكون قد اشترت تلك البيت
بجوار الشاطئ التي كانت طالما تحلم به. سوف تخصص حديقة كبيره خارج المنزل مليئة
بشتى انواع النباتات لتهتم بها وتأكل هي وأسرتها. وفي هذا الوقت سوف تكون تعمل
لتساعد الاطفال التي تراهم كل يوم في قريتها الفقيرة، فهي تحسب الوقت التي يمكنها
ان تمد يديها لتساعدهم. امتلأت عينان الفتاه بالأمل عندما شعرت انها قادره على
تغير حياه شخص يتألم. كما انها رأت نفسها تُأسس عائله سعيدة مع فتى احلامها،
فهي كانت بدأت ان تميل لذلك الفتى في صف الرياضيات وبدأت ان تتخيل حياتهم سويا دون ان حتى
تتحدث معه. اغمضت عينيها وسمعت صوت البحر وما زالت صوره تلك البيت لا تفارقها فهي
لا تحلم بشيء سوى حياه سعيدة مع اشخاص تحبهم، كانت تريد تلك الشعور انها يمكنها ان
تغير العلم بأكمله كل يوم حين استيقاظها. فمتى سوف تكبر لتحقق احلامها. في غضون
تفكيرها تغلب النعاس عليها ولكن تلك الابتسامة لم تفارقها. لم يوقظها شيء سوى صوت
امها وهي تصرخ "سميره ! سميره ! ماذا تفعلين هنا؟ فأنا و أخوك نبحث عنك منذ
ساعتان. غير مسموح لكي بالخروج هذا الشهر"."
أمضاء : مجهول
ورقة بيضاء
كانت ورقة بيضاء موضوعة على طاولة تبدو
لعينيها الواسعتين ورقة ليس لها بداية ولا نهاية. من الممكن أن تكتب عليها رسالة
أو قصة أو حتى رواية كاملة ومسرحية بشخصيات ومكان وزمان في الأغلب سيكونون مختلفين
عن كل ما هو واقعي. فهي تعلم كم للورقة البيضاء من قوة.
مر الوقت وصار للورقة عنوان ، عنوان من كلمة
واحدة من أربع حروف. لم تعد الورقة بدون بداية بل لها بداية واضحة عند ذلك العنوان
ولكن النهاية لا تبدوا مكتملة الأركان بعد. كتبت جملة أو أكثر ولكنها تراجعت عن
بعض الكلمات صارت الورقة بها خطوط عديدة. كانت تخاف من هذه الخطوط فأحيانا هي التي
تمسك القلم من يديها وتكتب ولكن دائما ما تبحث بين هذه الخطوط عن أول خط كتبت به
العنوان عندما قررت أن تخترق الورقة البيضاء.
Sunday, June 14, 2015
أزمة على الطريق الصحراوي
رفع غطاء السيارة في هدوء وطواه ووضعه في
الشنطة الخلفية للسيارة بعد ذلك تأكد من سلامة السيارة قبل أن يديرها وينطلق. تزود
بالنزين قبل أن يتوجه إلى الطريق المطلوب. تأكد من ضبط جهاز الراديو على القناة
المطلوبة وأن الصوت واضح وفتح الشباكين الأماميين حتى يسمح للهواء أن يمر بسلاسة.
مرت دقائق قليلة حتى ظهرت لوحة مكتوب عليه "الطريق الصحراوي .. يلزم
اليمين" فقال لنفسه: "وهذا هو المطلوب"....
كانت الشمس قد غربت منذ ساعة فقط والليل يهبط
تدرجيا مرسلا نجومه في السماء. كان يحاول أن يبقى مستقيما في الطريق ولو أن ذلك
صعب مع تحرك جميع السيارات يمينا ويسارا وكأنهم يفرون من شيء خفي. تجاهل منظر
السيارات الأخرى وأخذ يدندن مع أغنية كان يحبها وهو يحاول أن يحافظ على هدوءه
ويستمتع بالطريق قدر المستطاع. تغيرت الأمور بمجرد أن ظهر هو .. ظهر صديقه القديم
فجأة عندما زاد تقدم الليل وتقهقر النهار وبحركة سريعة تشبه حركات لاعبي الخفة
تحركات السحاب ليظهر القمر واضحا ولامعا في السماء. فقال لنفسه: " لم أخطأ
اختيار اليوم، بل كنت موفقا فيه، أهلا بالصديق العزيز .. أمامنا طريق طويل."
كان كل شيء يبدوا على ما يرام فالسيارة في
منتصف الطريق وحوله الصحراء يمينا ويسارا مظلمة ويبدوا كل شيء جميلا وكأن الانسان
لم يغير فيها كثير ، تبدوا جميلة. والقمر لامع في السماء يؤنسه في طريقه والهواء
يداعب وجهه وهو يدندن مع صوت المذياع. كانت الحركة الأخيرة للسحاب أن يترك الساحة
تماما لينتصف القمر بين النجوم اللامعة. كان غارفا في أفكاره عندما أنقلب هذا
العالم الجميل، ففي الأغلب كل ما هو جميل لا يستمر أو على الأقل لا يستمر بسهولة.
فجأة سمع صوت يشبه صوت الانفجار والسيارة بدأت تهتز وتتحرك حركة غريبة. رفع قدمه
من فوق دواسة البنزين وثبت يديه على مقود السيارة وقام بتشغيل الإشارة دلالة على
أنه سيتوقف. كان من حسن حظه أنه لا يسير بسرعة عالية فأحد الإطارات الخلفية قد ثقب
ثقابا كبيرا -كقلب أم فقدت أبنها الوحيد في حرب عمياء- وكان لابد من يتوقف. كان
حركته تبدوا وكأنها استجابة اتوماتيكية فبمجرد أن توقف على يمين الطريق فتح شنطة
السيارة الخلفية وأخرج من تحت غطاء السيارة المطوي الاطار الاحتياطي وكل العدة
المطلوبة. فالبداية وضع الإشارة الضوئية خلف السيارة ثم توجه نحو الاطار المثقوب
ووضع كل شيء بجانبه. ثم توقفت الاستجابة الآلية. وكان هناك سؤال واحد يدور في
عقله: "ما العمل الآن؟"
كان يقف في منتصف الطريق حائر والسيارات تطير
من أمامه كأحلام كثيرة قديمة جاءت وطارت. نظر إلى السماء فوجد القمر صديقه بتابع
الموقف كان كثب، تحرك نحو مؤخرة السيارة وجلس بجانبها ووجه حديثه للقمر:
"ما العمل الآن؟ هذا خطأك على أي حال،
لولاك لكنت انتبهت أكثر للطريق. "
حركات بسيطة للسحاب تجعل القمر يبدوا وكأنه
يرد عليه بهدوء.
"انا بحاجة إلى مساعدة، نعم. ولكن من
يساعدني الآن؟ كان علي أن أتصل بالبعض في العيد ربما وأبارك للذين تزوجوا ولا مانع
من حضور دعوات العشاء أو حتى الذهاب للمقهى من وقت لآخر.. ليس الآن وقت مراجعة
علاقاتي الاجتماعية وانا في منتصف الطريق. ما ذنبي أنك تسرق عقلي دائما كما تفعل
هي أيضا ، أنت وأصدقائك النجوم والسماء التي تلفكم، تخيل لو كان معكم بحر وماء
وبعض أشجار عندها تتدمر العلاقات الاجتماعية أصبح أنا وحيد في الطريق معك أنت
وقليل من الأفكار .. حسنا حسنا لن أكذب عليك .. وكثير من الأفكار"
تمر نسمة هواء باردة تخفف عنه قليلا
"بالتأكيد، ستأتي بذكرها، الآن ! وكأن
الموقف يتحمل .. لا أفهم لماذا تصر دائما عن ذكرها؟ وهي الوحيدة التي تشارك الغيوم
في القدرة على أن تخفيك بعيدا عني، فأنا لا أراك وراء الغيوم وأن تعلم حالي وهي موجودة.
هي على أي حال لم تتعلم القيادة، وإن تعلمت ففرصة نجاتي معها ستكون ضعيفة فأصمت
الآن ودعني في حالي."
انكشفت الغيوم تماما وظهر القمر في تماما
الوضوح
"أهلا أهلا .. بالطبع الآن تقول بأن
الغيوم ذهبت فهل ستأتي هي لتخفيك؟ أتدري أننا في مشكلة الآن؟ ومن الممكن أن يتم اختطافي
ولن تجد شخص مجنون مثلي يحدثك كل ليلة ويثق بك مثلي وأتمنى لك حظ سعيد في قضاء
الليالي الطويلة هكذا دون رفيق ستتحول إلى ما يشبه كوكب الأرض الحزين. "
علا صوت كان يسمعه خفيضا منذ دقائق ثم سمع
صوت إطارات تحتك بالأرض وتنطلق وسمع صوت أحدهم يقول كلام لم يسمعه جيدا فأسرع نحو
السيارة ظانا أنه سارق...
ولكنه وجد الإطار المثقوب مرمي على الأرض والإطار
الاحتياطي تم تركيبه! وتيقن أن ما لم يستطع أن يسمعه من السائق الغريب هو كلمة
"مجنون". يبدوا أن شخص ما وجده وحيدا يحدث السماء فعطف عليه وساعده وغير
له الإطار في صمت وتركه وطار.
نظر للقمر من جديد وقال:
"أظن بأني أحتاج إلى استشارة طبيب نفسي
والتركيز أكثر وحاول أن تظهر أقل أو أختفي يا صديق يكفي مواقف محرجة! على أي حال
شكرا لها أو له، فلولا المساعدة العجيبة لبقيت هنا للأبد. والآن هناك رحلة يجب أن
أكلمها...
أين توقفنا يا عزيزي القمر؟
....
"
Wednesday, June 10, 2015
كان
قانون الطفو
كان متمسك بقطعة خشب صغيرة هي كل ما تبقى من قاربه
الصغير، على عمق أمتار من السطح تبدوا لنظريه بعيدة ولكنه شعر بقليل من الأمل
عندما وجد القطعة الخشبية. تمسك بها ولكنها لم تطفوا ، شد من قبضته وزاد تمسكه بها
ولكن لم يتغير أي شيء. لم يفهم ماذا حدث ولكنه مازال متمسكا على أمل أن ينقذه
قانون الطفو الذي يبدوا لوهلة قد تغير.
...
غراب
كان مهاجر مع سرب كبير قبل أن يتوقف عند شاطئ البحر فشعر
الغارب فجأة أنه عليه أن يتأكد أن في الطريق الصحيح. عندما تحرك من السرب تركوه
ورحلوا. نزل عند الشاطئ وراقب الأمواج لدقائق فبدأ يدرك حقائق جديدة. حاول أن يعود
للسرب ولكنه لم يعرف اين الطريق , حاول أن يسأل البشر ولكن الجميع قابلوه بنظرات
لم يفهمها وكأنه يعبيه شيء أنه غراب، تخبط وفي النهاية طار في السماء ودار برأسه
لعله يجد طريق.
Tuesday, June 9, 2015
غرفة مظلمة
لا يتذكر متى بدأ كل شيء.. فعالمه كله هو المكان الذي
فيه الآن..
غرفة ضيقة ومظلمة ولا مجال لأن يحرك رجليه أو ذراعيه.
يستطيع أن يسمع صوت أنفاسه يتردد ويشعر بالحيطان تقترب
منه ويزداد ضيق المكان بإمكانه أن يشعر بها حتى في دقات قلبه والتي صارت ثقيلة وغير
متوازنة. مرت الليالي والأعوام .. وتفاجئ ذات ليلة أن هناك شيء ما على كتفه.. بل
ويصدر أصواتا أيضا! أنه طائر !
من أين جاء؟ وكيف دخل إلى الغرفة في هذا الظلام؟ كيف رآه
وكيف يتحرك في هذا الحيز الضيق؟ أسئلة كثيرة تتضارب داخل عقله الواسع فيبدوا أن
ضيق المكان قابله أتساع في العقل يهرب به كل ليلة من تلك الغرفة الكئيبة إلى عالم
آخر غير موجود يمتد دون أي أسوار أو حيطان أو ظلام. توقف عن أسئلته وقرر أن يقضي
وقت سعيد مع صديقه الجديد بدون أن أي أسئلة أو خيالات بعيدة. كان الطائر يأتيه كل يوم في
معاد معين وكأن نجم كبير لامع يدور حوله أجسام أصغر منه في هدوء ويحين يغيب عنها
يأتيه هو في ذلك الوقت، لم يدري لماذا فكر في هذه الفكرة، ماهي النجوم أساسا؟
ولماذا قد تغيب؟ لا يعلم ولكنه فكر في ذلك على أي حال. توالت زيارات الصديق الجديد
وبدأ يشعر بأن الحيطان تتزحزح من مكانها وأنه بإمكانه أن يمد رجليه وزراعيه بعد
شيء. كان على يقين ان بعد كل زيارة حائط ما ينكسر وآخر يبتعد. بدأ يسمع أصوات
بعيدة غير واضحة وكأن شيء ما هائل يعلوا ويهبط، بدأ يشم روائح عتيقة لأسرار لم
تكشف بعد وفي يوم شعر بأن صديقه له أصدقاء أيضا. ماذا يحدث؟ أليست هذه هي نفس
الغرفة المظلمة! فجأة شم رائحة الصدأ وسمع صوت ارتطام قوي وصرخة مكتومة ، أختفى
الصديق. عادت الحيطان أشد قوة ، حائط تلو الأخر، ثقلت دقات القلب ، صعب التنفس
ضاقت الغرفة وسحب رجليه وزراعيه وعاد لا يسمع صوت غير صوت أنفاسه ولا يشم أي
رائحة. حاول أن يهرب إلى عامله من جديد ولكن من وقت لآخر يسمع صرخة صديقه المكتومة
وكأنه يصرخ فيه كيف تخلى عنه فتدمر عامله بالكامل ولكن الحيطان تقترب منه وتشتد في
الضيق حتى لا يفكر سوى في الظلام.
المنظر من بعيد: يجلس واضع رأسه بين رجليه ويضمهم
بزراعيه ، بجانبه طائر كبير موضوع في قفص حديدي صغير وعليه قفل كبير يغطيه الصدأ ،
المحيط يمتد على يمينه والرمل من تحته والسماء واسعة صافيه من فوقه ...
Subscribe to:
Posts (Atom)