Sunday, November 30, 2014

رضوى عاشور



لم أرى رضوى عاشور يوما وجها لوجه _وهو من الأشياء التي أشعر بالندم من أجلها_ ولكني أشعر بأني على تمام المعرفة بها وأني فقدت شخص عزيز ومقرب مني. فمن يقرأ كلماتها الساحرة لن يشعر بأي شيء آخر. كل عمل من أعملها يجعلك تتعلق بأشخاص لم تراهم وأرض لم تعش عليها. سردها التاريخي الروائي الشيق لم ولن يتكرر. لم أعرف معنى للوطن غير في كتابات رضوى , لم اتعلق بكتاب واتلهف على ابطال الرواية مثلما تعلقي بابطال روايتها , وروحها الرقيقة كانت واضحة في كل حرف كتبته ورؤيتها المختلفة للعالم .
رحم الله رضوى 

https://www.goodreads.com/search?utf8=%E2%9C%93&query=%D8%B1%D8%B6%D9%88%D9%89+%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D9%88%D8%B1

اتصال بعيد


ينزع الغطاء عن جسمه مفزوعا وهو يصيح : "ماما ,, ماما ,, انا شفت حلم وحش !". لم يسمع ردا ,فقرر ان عليه أن يبحث عن أمه بنفسه في كل غرف المنزل قبل أن يتذكر أن موعد عودتها من العمل لم يحن بعد فيصاب بإحباط شديد لا يخفف عنه إلا شعوره بقليل من الدفء الباقي من الليلة السابقة عندما غطته بيديها ووضعته في سريره. يتجه إلى المطبخ ويحضر الطبق الذي وضعت له فيه فطاره مرتب وجاهز للأكل. أمسك ريموت التلفزيون يبحث عن برنامج يلهيه عن انتظاره الطويل جدا لأمه. يشاهد بعض الرسوم المتحركة وتبدأ الساعة تتحرك ببطء. مع اقتراب الساعة من تكون الثانية بالتمام وهو موعد عودة أمه تتحول جميع أعضاءه وحواسه بل وأفكاره إلى أذن تهرف السمع لكل حركة بسيطة كانت أو كبيرة تأتي من ناحية الباب لعلها تكون خطوات أمه. حتى تحين اللحظة ويسمع حركة المفتاح في الباب فيسبق أمه في فتح الباب ويفاجئها بالحضن العميق المعتاد ويقول لها بحزن وهو يتظاهر أنه في قمة حزنه :"شفت حلم وحش يا ماما , وأمت مفزوع ملقتكيش خالص!" تنسى أمه يومها الطويل ,وأنها استيقظت مبكرا لكي تعد الإفطار وتذهب للسوق وبعد ذلك تتجه لعملها وتعود في الظهيرة تحت الشمس التي تجعل أقوى رجال العالم تخور قواهم, ثم تسأله في اهتمام بالغ عما حدث له وبعد ذلك تشجعه أن يتخطى الأمر وتسبقه بقبلة على خده تجعله فمه ينفتح وينسى كل مشاكله وأحلامه "الوحشة". بعد ذلك يجلس مع أمه في المطبخ وهي تعد الطعام ويشاهد معها فيلم أمريكي من أفلام التشويق وكالعادة يتنافسان في تحليل الفيلم واستباق الأحداث. وبعد ذلك تتجمع العائلة من أجل الطعام ويجلس الجميع على الطاولة الصغيرة لتناول الطعام وكل له مكانه مخصص وهو يحاول فقط أن يجد مكانا ملاصقا لأمه وعندما يفشل يكتفي فقط انهما يتشاركان نفس المكان. تمر بعد ذلك ساعات اليوم سريعا قبل أن يجد نفسه يعود للسرير من جديد وكانت هذه واحدة من أسعد لحظات حياته لأنه حينما تضع أمه الغطاء فوقه يعلم جيدا بأنه سيظل يشعر بالدفء أمام أقوى العواصف الجليدية بل لو تجمعت جميع وحوش العالم لن تستطيع أن تتخطى ذلك الغطاء , بعد ذلك يطلب وكله أمل في موافقة أمه ," ماما ممكن تنامي جنبي شوية؟" وكما فعلت في الصباح تنسى كل الذي وراءها وتؤكد له أنها بالفعل قد تحتاج لبعض الراحة. يبتسم داخل أكثر أماكن العالم أمانا , في أعمق وأعلى نقطة على السطح الأرض والقمر معا , ويتسمع إلى أصوات يعلم أنها قادرة على تنظلم حركة القمر حول الأرض كما تنظم قلبه وعقله الآن , ذلك شعوره وهو بداخل حضن أمه وهو يستمع إلى ضربات قلبها تنظم أنفاسه والتي تتقاطع مع أنفاسها أحيانا فيشعر بسعادة بالغة. يتخيل كيف أنه كان يوما بداخلها فيفهم أنه عليه أن يظل بقربها دائما حتى يكون كل شيء على ما يرام. يعلم أن نظراتها فقط كافية لتعرف أنه يشعر بتعب قليل في معدته بل وقادرة على تحديد أسباب أدق من تلك التي تحددها التحاليل الطبية. هو يعرف أن نظرة واحدة من عينيها في عنينه تكشف كل الأمور كما أنها تعطيه معنى جديد للحياة. عندما يشعر أن استيقظت من النوم يتظاهر بأنه الآن في وسط أحلامه لكي يتركها تراقبه بهدوء, فحتى هو لا يملك الحق في منع تلك النظرة من أمه لأبنها. يتركها تمرر يديها في شعره بالرغم من ذلك يزعجه أحيانا إلا أنه يعرف أنها هي تحب ذلك فيستمتع بيد أمه تمر بين خصلات شعره. وقبل أن تغادر السرير ينظر لها ويقول : " ماما تعالي تاني".

يرن الهاتف بجانبه فيتذكر أنه نسي أن يغلقه قبل أن ينام. ينظر حول ليفهم أن ذهبت غرفته وغطاء أمه , ومن أين أتت تلك الجدران الغريبة؟ يرد على الهاتف فيسمع صوت أمه وهي تسأله لو أنها أيقظته , فيسكت لبعض دقائق فكل ذلك كان حلم صغير فيرد , فيبحث عن الكلمة التي يقولها أن يعود إلى ذلك الحلم , فتهرب كل الحروف منه وكالعادة يعود صوت أمه في الهاتف يرتب جميع أجزاءه فقط جملة من ثلاث كلمات
"مالك يا حبيبي"  

Monday, November 17, 2014

لم يحرك جيشه ولكنه أنهزم (1)

(1) 
قائد المعركة يجلس وسط أرضه المحروقة, أرضه التي لم يمتلكها من الأساس ولكنها احترفت على أي حال. لقد مات الأطفال, قبل أن يولدوا , مات الأطفال حتى قبل أن تتزوج أمهاتهم. خسر المعركة قبل أن يكون جيشه, قبل أن يبني السفن , قبل أن يجهز الخيل , قبل أن يسن السيوف , قبل أن يطرق حديدها , لم يمتلك الرجال حتى ولكنه أنهزم. تعلم فنون القتال جيدا وتعلم كيف أن يصبح قائد لجنوده في المعركة ولكنه نسي شيء هام , نسي أن يعد الجنود وأن يجهز عتادهم. أكانت هزيمته مفاجأة؟ ولكن كيف لقائد جيش أن يتفاجأ بمعركة وهو يعيش من أجل المعارك؟ كيف لقائد جيش أن ينسى أن يجمع جنوده؟ أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة والكل الإجابات التي تأتيه تزيد من آلامه. لم يعد يهتم الآن بم نسيه أو كيف جاءته الهزيمة بغتة. لم يعد يهتم كيف أن أرضه احترفت قبل حتى أن يمتلكها. كل ما يهم الأن هو ما هو موجود الأن , هزيمة ولا شيء آخر. لم يظن يوما بأن المعركة ستكون سهلة ولا أن العدو سيكون ضعيف؟ ولكن مهلا ... لقد نسي شيء آخر , نسي أن يدري من هو عدوه ومن أين يأتي وماذا يريد... مزيد من الأسئلة ومزيد من الإجابات والآلام ومازالت الحقيقة الوحيدة القائمة هي الهزيمة واللاشيء. يتحرك في الأرض المحروقة ولكنها فجأة تتركه , حتى الأرض تخلت عنه, ينظر إلى السماء باحثا عن نجم أو قمر أو شمس حتى يبحث عن شيء نجا من المعركة أو بالأحرى الهزيمة. لا يجد شيء , لقد سقط كل شيء مع سقوطه , حتى سيفه الذي قضا سنين عمره يسنه ويشحذه أنكسر مع بداية المعركة. خيله تركه وهرب عندما جاء العدو, ولكن تأتيه ذاكرة قبيحة الأن ... لقد فك وثاق الخيل وتركه يرحل , لقد ترك السيف يصدأ ثم كسره بيده على ركبته, لقد أشعل النار في أرض من تحته ,ولعن السماء من فوقه وجرى وجرى وجرى حتى سقط .. 

Sunday, November 16, 2014

بين النور والظلام

يبدأ يومه باستيقاظه من نومه. الشباك يبدوا مفتوح قليلا وبالتالي الغرفة نصف مضاءة او ليست مضاءة هو ليس متأكدا. كان وحيدا لبعض الوقت ثم دخل ناس غرباء غرفته وعما قليل لن يصبحوا كذلك او بالأحرى بعضهم. هو يراهم لذلك بالتأكيد هناك نور في الغرفة. فقوانين الفيزياء تنص على أن من الشروط الرؤية أن يكون هناك نور يسقط على الجسم ثم ينعكس على العين مما يعني أن الصورة التي يراها تثبت وجوبا وجود نور وأجسام وعين. ولكن الصور تختفي ويعودوا غرباء من جديد فلا يدري أيختفي النور أم الغرباء أم عينه! يتردد ويحتار ويصبح وحيدا...
ينسى النور والظلام ويرتب غرفته , هنا الأوراق القديمة الثقيلة على هذا الرف العالي العميق الذي لن يصل إليه أحد أبدا. هنا أوراق حديثة وخفيفة ومنسقة بدقة لتعجب الرائي. هنا كرسي واحد أما الكراسي الأخرى ففي ركن آخر. هنا مجموعة كتب كبيرة تروي حكايات عديدة. هناك ثوب أمه القديم يحيط بغرفته بالكامل حتى يغطي حائطها بالكامل وسقفها , هناك بقايا الحلوى التي أقتسمها مع أخوته وهذا قلم أبيه موضوع على مكتبه يخط به أوراقه وهناك ملامح بعض الغرباء الذين لم يعودوا غرباء , لم يعودوا غرباء حتى الآن...

يمر بعض الوقت من يومه بعض أن أستراح من مشكلة النور والظلام بترتيبه غرفته ليتفاجأ بأن مشكلته عادت من جديد , عادت أشد من البداية , فكل شيء يبدوا كما هو ولكنه لا يرى أي شيء , هذا ثوب أمه معلقا , هو يعرف ذلك , هو يراه ولا يراه, أوراقه منظمة بدقة كما أرادها ولكن بعض الأوراق القديمة قد هبطت من رفها العالي وتبعثرت ولم يعد يراها حتى. أهذا الظلام إذا؟ أهذا غياب النور؟ يصرخ في الغرباء من حوله ,يصرخ في الغرباء الذين لم يعودوا غرباء , أهذا النور أم الظلام؟ لكن لا أحد يجيبه , أهذا النور أم ظلام؟ يسأل مرة ثانية , يسمع إجابة : لم نفهم سؤالك , كرره , يكرر سؤاله ولكن هذه المرة سؤاله لا يخرج من صدره , يكرر ويكرر وعندما خرج يتفاجأ بأنه أصبح وحيدا والجميع على باب غرفته يشاهد , يخاف ويجلس , يخاف أن ينتهي يومه كما بدأ , ينتهي بسؤال دون إجابه , أهو نور أم ظلام؟؟؟