Wednesday, October 9, 2013

قضية اللون الأبيض


أستيقظ العالم على خبر غريب من نوعه فاللون الأبيض قرر الرحيل عن كوكب الأرض وأنه سيختفي من كل مكان. كان ذلك أول تصريح للون الأبيض يقول فيه هذا الرأي العجيب. على فور انعقد اجتماع رفيع المستوى في مقر الأمم المتحدة لكي يناقشوا هذه القضية العجيبة والإجراءات التي يجب أتابعاها لكي يوقفوا ذلك اللون المجنون. انتهى الاجتماع بأنه سيذهب وفد يمثل البشرية اجمع لكي يناقش اللون الأبيض ويحاول أن بثنيه عن قراره ولكن كان هذا الفعل بدون فائدة فيبدوا أن قرار اللون الأبيض كان نهائي وقاطع.
لم  يترك اللون الأبيض الأرض دون وداع ولكنه كتب رسالة طويلة يوجهها لكل البشر. كان مفاد الرسالة هو أنه كان سعيد بالفترة التي قضاها على الأرض وأنه عاش سنوات طويلة كرمز للسعادة والأمل والتفاؤل ولكنه لم يعد له وظيفة بعد الآن فيبدو أن البشر لا يريدون غير اللون الأحمر والأسود وأنه لا يحتمل أن يعيش كاللون من الدرجة الثالثة. وأكمل رسالته بأنه سيذهب إلى القمر وسيجعله تمام البياض ويلمع في الفضاء كل ليلة لكي يذكر البشر بما خطأهم تجاهه لعلهم يشعروا بما فعلوا ولكن للأسف بعد فوات الأوان. وأنهى رسالته بأنه سيترك للون الأخضر مهمة تمثيل التفاؤل والخير وأن قراره ليس فيه أي رجعة وسيبدأ رحلته في الليل وغدا صباحا لن يكون هناك لون أبيض أبدا غير في القمر في السماء بعيد كل البعد عن البشر.
كان الصباح التالي كئيب بطريقة لا تطاق السماء كانت داكنة وضوء الشمس داكن ولا شيء يلمع كل شيء يبدوا كئيب وكأنه الأرض ماتت. خرج العديد من الناس في التلفزيون والجرائد يقولون بأن البشر لن يتأثروا بذلك وأن كل شيء سيكون طبيعي عندما يعتادوا على الحياة بدون اللون الأبيض لكن الموضوع لم يكن بهذه البساطة. حدثت مشاكل دبلوماسية بين الدول وبعضها عندما اختفى اللون الأبيض من علم كل دولة وأصبحت هناك حروب وشيكة بسبب ذلك الأمر. أعتزل كثير من الفنانين عملهم فلم يعد هناك معنى لأي شيء جميل بدون اللون الأبيض لا بحر ولا السماء ولا الطبيعة , كل شيء غير واضح بدون اللون الأبيض. مع الوقت تغير حال البشر أصبح الليل يعني الأمل والحياة , فالليل هو الوقت الوحيد الذي يروا فيها اللون الأبيض يلمع بعيدا في تألق وروعة. ينظر إليه كل شخص وكأنه حبيبته التي تاهت منه منذ مائة عام ووجدها تجلس على قمة القمر, ينظروا للقمر نظرة الأم التي ذهب أبنها للحرب وظنت أنه لن يعود أبدا وبعد الحرب بأعوام وجدته ينظر لها من شباك صغير في القمر. كهذا كان القمر كان يحرك القلوب والعقول والخيال وأيضا الضمير , فالندم يعصر القلوب الآن , كل بشري الآن يتمنى لو أنه لم يجرح الآخر جرح صغير ولم يرى ذلك اللون الأحمر القبيح , كل شخص الآن يتمنى لو أنه لم يجعل حياة أخيه سوداء فالسواد الآن أسوأ من الموت ذاته , كل شخص يتمنى لو أن له فرصة أخرى لجعل كل شيء أبيض.
مرت أعوام وظن الجميع أن البشر سيهلكون من الكئابة لا محال وتساءل الكثير لماذا لا تتحرك بقية الألوان لكي يستأذنوا اللون الأبيض في أن يعود ولو حتى يوم واحد كل أسبوع. راقت هذه الفكرة لكثير من الناس حول العالم وظنوا بأن هناك أمل في عودة اللون الأبيض وتفاءل الكثير بأن اللون الأخضر أو الرمادي سيتحرك لأنهم الأمل الآن بعد ذهاب اللون الأبيض...
وصلت هذه الأخبار للون الأبيض في قمره البعيد وكان بالفعل ينتظر أن يأتي له أي لون لكي يقنعه بالعودة وكان ينتظر كما أنتظر البشر أن يأتي الأخضر أو الرمادي , لكنه تفاجئ بشيء عجيب تفاجئ بأن أحدهم كان يطير بجانبه طول الوقت منذ حياته على الأرض إلى تلك اللحظة إنه اللون الأسود!!
قال الأسود للأبيض أنا أعلم كم هي دهشتك الآن أنني أنا من يتحدث إليك, نعم أنا اللون الأسود جئت إليك أنت اللون الأبيض أدعوك أتعود للأرض... قبل أن تقول أي شيء أسمع ما أقول لك..
أنت لا تعرف ما حقيقة ما فعلت , صدقني أنا .. أنت تكون مع العروس في فستانها الجميل , ولكني أكون معاها عندما تكون أم فقدت أبنها أو زوجة فقدت زوجها , هي تبحث الآن عن لون أبيض في أي شيء ولا ترى إلا اللون الأحمر وأنا !!
أنت حرمت كل شخص من أهم حق, حق الاستسلام, لم يعد هناك رايات بيضاء, كل معركة الآن تنتهي باللون الأحمر وأنا!!
لقد حرمت كل إنسان سقط في حفرة الليل أن يخرج إلى النهار , لقد تركت لي هم كبير لا أستطيع احتماله أنا أسهر دائما مع دموع البشر مع همومهم , مع قلب الحبيب وهو ينتظر محبوبته , مع الأب الذي يحاول أن يدعي أنه مازال يعي ما يحدث حوله وهو ينتظر أبنه المسافر منذ أعوام , أنتظر مع الحالم أن يتحقق حلمه , أمسك بيد روح كل بشري حتى لا أفتك بها في ظلمة الليل , أعطي الأمل بأنني سأهرب بمجرد مجيئك وأنه عليه فقط أن ينتظر , أقول لليل ألا يقسو على البشر لأن النهار ببياضه سيأتي عما قليل وعندها سيكون قاسي على كلانا ...
لقد تركتني الآن أعاني و أعاني أنا كنت أحب عملي كثير , نعم فأنا أحتضن كل شخص في أحزانه , أحتضنه وهو يحترق من الداخل , أحتضنه وهو يظن بأن العالم انتهى وأن الحياة ليس لها معنى بعد الآن , احتضنته وأضمه بشدة لكي يبكي ويبكي دون أن يتوقف و أنا أعلم بأنك ستأتي في الوقت المناسب لكي تجعلني أذهب في هدوء وتمسح الدموع وتجعلهم يقفوا على أرجلهم من جديد..
أنا ادعوك الآن لكي تعود لأني لا تحمل هذه المهمة بعد الآن !!
حدث شيء عجيب لثواني , كل لون أسود في كل مكان أصبح أبيض لامع يفوق الخيال, وعاد كل شيء لطبيعته وجماله المعتاد وعاد الأبيض والأسود إلى عملهم في انسجام تام , ولكن هل يرضى اللون الأحمر بذلك ؟!


Monday, October 7, 2013

النجم يتألم




يلمع في الفضاء في هدوء تام. ضوءه لا ينقطع ويعطي معنى مختلف لليل ...
المشهد الأول ,زوجان يجلسان على الشاطئ في منتصف الليل والموج الأبيض يظهر فجأة ويختفي في سواد الماء. الزوج ينظر لزوجته ويخبرها كيف أن حبه لها مثل حب هذا النجم للنور فبدونه هو ولا شيء , لا يمكنك أن تفرقي حقا بين النور والنجم , النجم والنور , كهذا أنت بالنسبة لي. إذا جاء الوقت واختفى النور فتأكدي بأني سأذبل وأنفجر , سأرسل للفضاء بأكمله بأن النور قد ذهب وبأن حياتي انتهت. حبي ليس كقمر أو كوكب يحتاج للشمس لكي تجعله يلمع ولكنه حب دائم بدوام النور.. أنتي كنور ذلك النجم الجميع يهتدي به لكن من يحاول أن يسجنه يحترق ... من يحاول أن يقترب منه عليه أن يتحمل ذلك الألم في سعادة ... تتحرك الزوجة لكي ترد على كلماته ولكنه يمنعها في هدوء ويقول لها, دعينا نشاهد النجوم فأنت لكي نجوم السماء وأنا لي نجمتي على الأرض ...
مشهد آخر لرجل في الصحراء بعد دقيقة من منتصف الليل. الرجل يبحث في السماء كالمجنون عن النجمة التي يعرفها ,عن النجمة التي تقف فوق وطنه. ينظر يمين ويسار ولا يرى سوى القمر ويبدو وكأنه شخص ما قد دمره أو هو فقط الزمن يفعل فعلته كما في كل شيء. بدأ يفقد الأمل , بدأ نور النجمة التي يعرفها يتلاشى من عينيه وقلبه والجزء المسروق من القمر بدأ تمدد ومع الوقت تحول القمر إلى هلال رفيع. هو الموت إذا لا محال , فيبدو أن القمر أصبح هلال لكي يعطيه تحية أخيرة أو بالأحرى درس في الحياة أن حتى القمر لا يهرب من الزمن. بقى خيط رفيع جدا من القمر, عندها شعر بكره غريب للنور وللنجوم ولكل شيء يلمع في السماء فحتى القمر لم يقدر على أن يقف في هدوء في السماء يسانده في تلك الليلة الظلماء.. ولكن يبدو بأن القمر كان يريد شيء آخر باختفاء الخيط الأخير من القمر ظهرت نجمة الوطن وسط الظلام التام...
مشهد ثالث لطفلان يجلسان بعد ميعاد نومهم بكثير فنحن في الدقيقة الثالثة من منتصف الليل , الطفلان يجلسان في دفء حجرتهما وينظران من الشباك إلى السماء المظلمة. أحد الطفلين يسأل الآخر هل تعرف لماذا هذا النجم يلمع هناك ؟ ويشير بقوة بأصبعه الصغير إلى نجم معين في السماء. فيرد عليه الآخر بحكمة الأطفال الكبار , النجم يلمع لأنه يمتلك الكثير من النور وهو يكره الظلام جدا فهو يريد أن يصبح الكون كله مضيء. فيقول الأول أنا أحب النجوم كثيرا , كم أتمنى أن يكون كل شيء في العالم مثل النجوم عندها لن أخاف أن أغلق باب الغرفة...

مشهد أخير , الدقيقة اللانهائية قبل و بعد منتصف الليل , النجم في الفضاء الواسع المظلم يقف وحيدا , لا تصل إليه نظرات المحبين ولا التائهين ولا حتى نظرات الأطفال البريئة. لا يشعر بالوقت ولا بأي شيء , فهو فقط يشعر بالظلام ويحاول أن يرسل أشارات استغاثة لأي عابر بأن يأتي وينقذه ولكن لا أحد يستجيب , فالكواكب تكتفي بأن تعكس أشاراته إلى كواكب أخرى وباقي النجوم تقف بعيدة مكتوفة الأيدي وترسل رسائل مشابه لرسائله , الوقت لا يمر , الظلام وحده هو الحقيقة الآن.  فجأة شعر بأن دقيقة مرت و أن هناك مشاعر شخصين جاءت متلاحمة , فجأة شعر بدقيقة أخرى وشعر بشخص يجد ضالته ومرت الثلاثة وشعر لأول مرة بصفاء النور الذي يرسله , شعر بأن الوقت الذي يمر وبأن حقيقة وجوده هي عكس الظلام تماما و بأنه لا يحتاج أكثر من يعيش ...