Tuesday, April 9, 2019

ندبة


استيقظت في موعدها في تمام السابعة وبالرغم من أن أمامها أكثر من ساعتين لتصل لمكان علمها الذي يقع مسافة قريبة من منزلها إلا أنها تعلم أنها ستصل متأخرة على أي حال. قامت من فراشها ببطيء، لم يكن ذلك الجزء الأصعب من بداية اليوم. الجزء الأصعب يكون ما بين المنزل والمكتب ثم طريق العودة من المكتب إلى المنزل مرة أخرى. ببساطة الجزء الصعب يكون حينما تقابل الناس. سمعت صوت رنين  تليفونها المحمول بجانب فراشها، أسرعت لترد:
- ألو ، ماما ، صباح الخير
- صباح النور، عاملة أيه أنهاردة؟ متنسيش تفطري قبل ما تروحي الشغل
- حاضر يا ماما
- ومتنسيش فرح صحابتك انهاردة
- مش عارفة هعرف أروح ولا لأ حاسة أني تعبانة
تقول أمها بنبرة مازحة: - انا هكلمها أقولها أنك بتدلعي ومش عايزة تشوفيها يوم فرحها.
وقفة أمام المرآة أكثر من نصف ساعة كعدتها، تحاول أن تخفي تلك الندبة التي تغطي جانب وجهها وتشعر وكأنها تكبر كل يوم. كم تتمنى لو أنها لم تخرج من منزلها يوم الحادث ولكن حدث ما حدث والآن عليها أن تخفي أثاره. تحرك شعرها يمين ويسار وتحرك خصلات معينة لتستقر وتغطي الندبة تماما. هي تكره أن يكون شعرها بهذا الشكل، هي تريد أن تربطه وتقوم بتجميعه خلف رأسها ولكن ذلك يعني أن تظهر الندبة كاملة وحينها تشعر وكأنها تقف في متحف وجميع يريد أن يشاهد المنظر العجيب.
خرجت إلى الشارع مسرعة تحاول أن تصل إلى مكتبها حتى تتأخر أكثر من اللازم. جلست في مكتبها طوال اليوم تقوم بأعمال الترجمة المطلوبة منها، لم يقطع ذلك سوى اتصال صديقتها.
- ألو..
- بقى انتي بقى مش عايزة تيجي فرحي؟
ضحكة صغيرة ثم: - والله كنت عاملة حسابي آجي ونزلت أشتريت الفستان أمبارح وقعدت سنة لحد ما لقيت واحد حلو. بس انت عارفها بقى من ساعة العملية ...
قاطعتها صديقتها بصوت حاد: - عملية أيه؟ كفاية دلع! انتي مش عايزة تشوفي حد، بس ده فرحي ولو مجتيش متكلمنيش تاني ولا أقولك ومجتيش مش هتجوز.
ردت مرغمة: - حاضر حاضر

غادرت عملها مبكرا حتى تستعد لذلك الكابوس الذي أرغمت عليه، فأي شيء أسوأ من حضور مثلك ذلك الحدث لكي تتذكر أنها لم تعد كما السابق أو الأسوأ أنها لم تعد مثل الجميع. عادت من جديد أمام المرآة بعد أن أردت الفستان وقفت لدقائق تشاهد شكلها بالفستان والتي اختارته بعناية شديدة لأنها تريد أن تبدو جميلة في ليلة من المفترض أن تكون سعيدة. غادرت المنزل وهي تحاول أن تخفي أي آثار للدموع التي فوجئت بها وتلقي نظرة أخيرة على الفستان ولكنها لم تستطيع أن تخفي الندبة تماما.
وصلت لمكان العرس وسلمت على صديقتها وجلست على طاولة جمعت أصدقاء الجامعة. كان عليها أن ترد على سيل من الأسئلة عن الحادث والعملية وما إن كانت ستقوم بعمليات تجميل –وكأنها لم تفكر في ذلك- كان عليها أن تجيب على كل هذه الأسئلة كما لو أنها في تحقيق. انتهزت فرصة قيام الجميع إلى مكان تناول الطعام لكي تخرج خارج القاعة هربا من الأسئلة والنظرات. وجدت نفسها تقف في الشارع بدون أي سبب مقنع فحاولت أن تتظاهر بأنها تقوم بعمل أتصال تليفوني. لاحظت ان هناك شابا يقف على الجهة الأخرى من مدخل القاعة ويبدو أن خرج لكي يدخن السجائر. كان بإمكانها أن تشعر بنظراته نحوها. حاولت أن تتجاهل الأمر ولكنه أقترب منها فشعرت بتوتر كبير فهي لا تتذكر آخر مرة تحدثت فيها إلى شخص غريب وبالأخص شاب في مثل عمرها، وكانت تفكر لو أنه هو الآخر سيسأل عن الحادث!
- يا آنسة
- نعم؟
-ليلى صح؟
- اه، انت مين؟
- انا ماهر، كنت حضرت معاكي ورشة الترجمة من سنتين وكانت صاحبتك العروسة معانا كمان.
- آه افتكرت
لم ترد على كلامه فحاول أن يقطع هو ذلك الصمت:
- الكتاب ده وقع منك وانتي بتطلعي التليفون
وانحنى ليلتقط الكتاب واعطاه ولها، ولكنها لم ترد وتظاهرت أنها تكمل حديثها في التليفون.
وجه حديثه لها من جديد وهو مبتسم: - انا مش عارف مين بيروح فرح بكتب .. وقبل أن ترد عليه وكان على ثقه بأنه سيسمع كلام لن يعجبه،  أكمل حديثه – بس هي رواية جميلة بصراحة ، لو كان فرحي انا كان ممكن اخدها عادي .
لم تستطيع أن تقاوم الابتسام وتعجبت من أن نظرته بدت وكأنها تراقب ابتسامتها وليس التأمل في والندبة.
- التليفون رن على فكرة وانتي "بتتكملي" فيه، واضح انك كارها الفرح أصلا وجاية غصب عنك
- اه ، مش بحب الأفراح أصلا
- في مكان قريب من هنا بيعمل قهوة حلوة أوي، تحبي نروح؟
- بصراحة احساسي اني عايزة امشي بأي طريقة ، ماشي
كانت المرة الأولى منذ وقت طويل أن تمشي في الشارع بهدوء وبدون أن تشعر أنها تريد أن تهرب من نظرات الناس. فحديثها معه لم ينقطع طول الطريق وحتى وصلا للمقهى وأستمر الحديث أثناء شرب القهوة. لم تتحدث عن العملية والحادث وكأنها نسيتهم بكل كان حديثها أن كل شيء تحبه وتكرهه وعن أراءها الفلسفية وحبها الشديد للكتب وكان هو يجاريها الحديث وكأنها تعرفه منذ وقت طويل ولم يتقبلا منذ لحظات فقط. لم يشعرا بالوقت يمر إلا عندما اتصل به أخوه يسأله عن مكانه لأنهم على الوشك التحرك من مكان العرس. سألته بتعجب:
- هو أنت اخو العريس؟!
- آه
- امال ازاي  مشيت من الفرح كده؟
- يعني هو خلاني اقعد في الدوشة دي بالعافية وهيضيع عليا أني أقابلك كمان!
عادت إلى المنزل وبقيت واقفة لا تتحرك لثواني أمام المرآة ، فخلال وقت ما من الليلة قامت بربط شعرها وتجميعه خلف رأسها، ولأول مرة تشعر وكأن الندبة صارت أصغر ولا يبدو شكلها مزعجا جدا ..